ثقافة » مناهج

وإذا قلتم فاعدلوا

في 2016/08/20

المقررات الدراسية الرسمية لمدارس أي دولة، لاسيما المقررات الدينية، تعكس الأساس الذي  قامت عليه تلك الدولة، وما تود أن تكون عليه. وبلادنا السعودية هي مأرز الإيمان، ومهبط الوحي، ومنبع الإسلام، وعلى أرضها عاش ومات أفضل البشر، محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، فلا غرو أن تكون مقرراتها الدراسية الشرعية، مرسخة الاعتقاد الصحيح، والأحكام الشرعية، والأخلاق النبوية. وقد خرّجت تلك المقررات الطيبة صفوة المجتمع من الأمراء والعلماء والقضاة وحملة القلم، ورجال الدولة. ومع هذا: لا تزال المقررات في تطوير مستمر للأفضل، ويتلقى القائمون عليها أي ملحوظة بناءة، كتبت بعلم وعدل. وإنما قلت: بعلم وعدل، لأن بعض الكتاب وفقهم الله، ينتقد المقررات الشرعية بلا علم ولا عدل، لكونه غير متخصص  فيها، ولم يستفد من المتخصصين لتكون كتابته عن علم.

فإذا رأى مثلا، عبارة في المقرر، عن أن الولاء والبراء، يقتضي عدم محبة الكافرين، لقوله تعالى (فإن الله عدو للكافرين)، وقوله (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) ونحوهما من الآيات. خرج بنتيجة مؤداها: أن المقررات تدعو للتعدي، وعدم التعامل مع الآخر غير المسلم، وتدعو للعنف والإرهاب. وبهذه النتيجة الظالمة، التي بنيت على فهم خاطئ، صار ينتقد المقررات، وهي لا ذنب لها، إلا أنها قالت ما قاله الله ورسوله، والناقد لها

يجهل معاني الآيات والأحاديث، وفي هذا المثال: يجهل أن المحبة الدينية، تختلف عن المحبة الطبيعية، وقد أباح الله تعالى الزواج من الكتابية المحصنة، وهي غير مسلمة، ومعلوم أن الزوجين بينهما مودة ورحمة كما قال تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، فهذه مودة طبيعية، وليست دينية، أي: لا يودها لكونها: كتابية -يهودية أو نصرانية- وإنما لكونها زوجته، ونبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحب عمه أبا طالب، ويحب هدايته، مع كونه مشركا، كما قال تعالى (إنك لا تهدي من أحببت)، فالمحبة الطبيعية الدنيوية، تختلف عن المحبة الدينية، كما أن التعامل مع الكافر بالعدل والإحسان لا يتعارض مع الولاء والبراء، فالنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مات ودرعه مرهونة عند يهودي، بشعير اشتراه لأهله، ولما قالت له أسماء رضي الله عنها -كما في البخاري- إن أمي قدمت وهي مشركة، أفأصلها؟ قال: نعم، صلي أمك. فأمر ببرها وصلتها  مع كونها كافرة، وربنا يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

وكل هذا موجود في مقرراتنا، ولكن ناقد المقررات يجهل ذلك، أو أن "عين السخط تبدي المساويا".

ومن كانت رغبته هي الإدانة، فإنه سيطوع ويحرف كل كلام يقرؤه أو يسمعه، لتحقيق رغبته، عملا بقاعدة أهل الأهواء (اعتقد ثم استدل). أو يسلك (المنهج الانتقائي) فيأخذ ما يوافق هواه، ويدع ما سواه، وهذا المسلك الانتقائي: جنايته ليس على مقرراتنا الشرعية فحسب، بل قبل ذلك على كتاب ربنا تعالى.

فلو أن شخصا استدل بقوله تعالى (وقاتلوا المشركين كافة)، وقوله (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) ونحوهما من الآيات، ولم يكمل قراءتها، ولم يفهمها ولم ينظر للآيات الأخرى التي تنهى عن الاعتداء، كقوله تعالى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). وصار يستدل بما انتقاه، على قتال كل مشرك لقيه، ألا يكون ظالما متجنيا في استدلاله ونتيجته؟! فهكذا يقال أيضا في مقرراتنا الدراسية. ولذلك لو أن مدرسا ما أو كاتبا، أو غيرهما، أراد تطويع نصوص المقررات، لتتوافق مع أهوائه، لكان العيب فيه، وليس في المقررات. فإذا تقرر ما تقدم: تبين أن ما قام ويقوم به بعض إخواننا ـ هداهم الله ـ من الطعن في المقررات الشرعية، بما يسمونه نقدا، يفتقر إلى هذين الشرطين: العلم والعدل. وبعضهم قدم دراسة تتضمن اتهام المقررات بالعنف والإرهاب، إلى مؤسسة (راند الأميركية)، وكنت رددت عليهم في كتابي (الدعاوى العقدية في مقررات التعليم العام في المملكة العربية السعودية - عرض وتقويم).

واليوم أرى أن الدعاوى والاتهامات الظالمة تتكرر، وزاد بعضهم على ذلك دعوى أن الرسائل العلمية الأكاديمية في جامعاتنا لم تعالج بالبحث والتحقيق مشكلة التطرف، بل بالغ بعضهم في الظلم، وقال إن كثيرا من تلك الدراسات تتفق مع ما يطرحه الفكر المتطرف، سامحهم الله، أهكذا يلقى الكلام جزافا، دون أي دليل، وينشر في صحف رسمية؟

ألا يعلم هؤلاء أن ما يكتبونه من تهم باطلة، تعتبر شهادات زور مقدمة لأعداء بلادنا، الذين يتهمون المملكة وتعليمها بالإرهاب، ويقولون: نحتج بما كتبته أيدي كتابكم، ونشرته صحفكم؟ ألم يعلموا أن أفراد داعش، وحركات العنف، هم من دول لم تدرس مقرراتنا، ومع ذلك لم يتهم مثقفوهم وكتابهم مقرراتهم الدراسية؟! فما بال قومنا تسلطوا بغير حق على مقررات بلادنا، وسلقوها بألسنة حداد؟ وأنا لا أعلم أحدا ممن تورط في أي عمل إرهابي، ذكر أن المقررات الدراسية هي أحد الأسباب؟

بل أقول: إن الكتاب والسنة اللذين يتم تدريسهما في مقرراتنا الشرعية، وقام عليهما نظام الحكم في بلادنا، هما أنجع علاج للإجرام والإرهاب. ولا يصح أن يقال: ليس في الرسائل العلمية الأكاديمية في جامعاتنا بحوث جادة في هذا المجال، أو أنها تتفق مع الفكر المتطرف، لأن هذه دعوى لا دليل عليها، بل الدليل قائم على خلافها، فالرسائل الجامعية المؤصلة في المستجدات الفكرية كثيرة وموجودة، لولا خشية الإطالة لسردتها.

فيا إخواننا: الظلم محرم، والتجني على بلادنا ومؤسساتنا ممنوع، فلا تمطروا بلادكم بوابل من التهم، وليكن في بالكم  مآلات الأمور، فإن الأعداء يرصدون كل ما تكتبون مما يسيء إلى بلادنا، ويفرحون بمن يعطيهم الإدانة، وإن كانت كاذبة خاطئة كما هو الواقع.

فما أجمل الحلم والأناة، والنظر في عواقب الأمور، ومشاورة أهل الاختصاص، فإن الإنسان قد يقول القول جازما بصحته بادي الرأي، لكنه إذا تأنى، ودرس الموضوع من جميع جوانبه، واستشار أهل الاختصاص، تبين أنه على خطأ، وحمد الله أن وفقه إلى الصواب، قبل أن تبلغ مقالته الآفاق، لاسيما إذا كان في موضوع له تبعاته وحساسيته.

أحمد الرضيمان- الوطن السعودية-