دعوة » مؤتمرات

بعد تبريره للمشاركة.. كيف أساء الأزهر للرياض في مؤتمر الشيشان؟

في 2016/09/03

برّر المركز الإعلامي بالأزهر كلمة شيخه أحمد الطيب في مؤتمر غروزني، الأسبوع الماضي، بأنها لم تخرج أهل الحديث من دائرة أهل السنة والجماعة، في حين حذرت هيئة كبار العلماء في السعودية من خطر "الذين لا يريدون لهذه الأمة خيراً، ويراهنون على تحويل أزماتنا إلى صراعات، وفتن سياسية، ومذهبية، وحزبية، وطائفية".

وجاء التبرير بعد موجة انتقادات عنيفة في العالم الإسلامي للمؤتمر الذي شارك فيه شيخ الأزهر ومفتي مصر، وأفتت توصياته بخروج السلفية، والوهابية، والإخوان المسلمين، من دائرة أهل السنة والجماعة، لتبرز عدة تساؤلات؛ منها ما الأسباب التي دعت الأزهر إلى المشاركة في مؤتمر غروزني المثير للجدل؟

ويبرّر عدد من المحسوبين على النظام المصري بأن المشاركين في "مؤتمر الشيشان" لم يكونوا على دراية بمخرجات وبيان المؤتمرين، وتصنيف أهل السنة والجماعة، إلا أن أستاذ الأخلاق السياسية ومقارنة الأديان بكلية قطر للدراسات الإسلامية، الدكتور محمد المختار الشنقيطي، أكد أنه من غير المعقول أن نقول إن قادة الأزهر لم يكونوا على دراية بأهداف المؤتمر، والدليل على ذلك التمثيل الكبير فيه.

وشدد الشنقيطي خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر" الذي بثته قناة الجزيرة، الجمعة، على أن الأزهر فقد الكثير من رأس ماله المعنوي ومكانته منذ أن تم "تأميمه" من قبل الدولة بهدف استغلاله سياسياً، وبالتالي لا يمكن أن يستعيد مصداقيته في عموم العالم الإسلامي قبل أن يعيد استقلاله.

وأكد أن المؤتمر ناقش معارك كلامية كان يمكن أن تكون في الجامعات والمجامع العلمية، "أما أن ينظم المؤتمر من قبل دولة قتلت أهل السنة، ولا تميز بين صوفي وسلفي فهذا نوع من العبث"، في إشارة إلى قتل روسيا للشيشان، ومشاركتها في قتل أهل السنة حالياً في سوريا.

وأشار الشنقيطي إلى أن البيان الصادر عن المؤتمر بهذا التعريف الضيّق لأهل السنة لا ينسجم أصلاً مع كلمة شيخ الأزهر خلال افتتاح المؤتمر، فقد تم اعتماد التعريف الذي تقدّم به الحبيب الجفري، رئيس منظمة طابة، الممول والمنظم الرئيس للمؤتمر.

وتساءل: "ما الذي يمنع الأزهر من الاعتراض على الطريقة الجديدة لتمزيق أهم كتلة في العالم الإسلامي الممزق؛ وهم أهل السنة والجماعة؟".

وبحسب أستاذ الأخلاق السياسية فإن المشكلة في هذا المؤتمر هي أن سياق الزمان والمكان كانا سيئين للغاية، فالرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، قاتل في صفوف الجيش الروسي ضد الشعب الشيشاني، وهو غطاء يستخدمه بوتين لإخضاع الشعب الشيشاني وغيرهم من المسلمين الذين كانوا جزءاً من الاتحاد السوفيتي، والمؤتمر يهدف لتكريس زعامة قديروف لمسلمي روسيا، وإعطاء غطاء لبوتين في حربه ضد الشعب السوري.

من جهته قال رئيس تحرير صحيفة المشهد المصرية، مجدي شندي: "كان ينبغي على الأزهر أن يتمعّن قليلاً قبل المشاركة في هذا المؤتمر، الذي يعزل تياراً فكرياً موجوداً في الساحة الإسلامية بشكل كامل"، وأضاف: إن "العلاقات بين مصر والسعودية ستظل أكثر متانة ورسوخاً، ولن تؤثر فيها الأصوات الكارهة التي تعلو هنا وهناك".

وأردف قائلاً: "للأسف، الإسلام تحوّل من دين عظيم إلى مجرد جماعات وظيفية تلعب دوراً في الاستراتيجية العالمية، فقد صرنا أمام إسلام روسي، وإسلام أمريكي، وكان أولى بالمسلمين أن يبرزوا الإسلام السمح الذي يدعو إلى التعايش، وينبذ الإرهاب، والذي يوحد الكلمة، ولا يستجيب لمخططات غربية بالتقسيم، تارة بين السنة والشيعة، وتارة أخرى بين الجماعات السنية".

وكان المؤتمر الذي شارك فيه عدد من دعاة الصوفية، وعدد كبير من رجال الأزهر، أثار غضباً إسلامياً وسعودياً واسعاً؛ بعدما شهد المؤتمر هجوماً واسعاً على الوهابية، وربطها بالتنظيمات المتطرفة والإرهابية، خاصة "داعش".

وعلى إثر ذلك حذرت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية، في بيان الخميس الماضي، من خطر "الذين لا يريدون لهذه الأمة خيراً، ويراهنون على تحويل أزماتنا إلى صراعات وفتن سياسية، ومذهبية، وحزبية، وطائفية"، وقالت إن توصيات المؤتمر تثير "النعرات الطائفية" بين أهل السنة.

وحذّر البيان من "النفخ فيما يشتت الأمة ولا يجمعها، وعلى كل من ينتسب إلى العلم والدعوة مسؤولية أمانة الكلمة، ووحدة الصف، بخلاف أهل الأهواء الذين يريدون في الأمة اختلافاً وتنافراً وتنابذاً وتنابزاً يؤدي إلى تفرق في دينها شيعاً، ومذاهب، وأحزاباً".

وأضاف: إن "الوقت ليس وقت تلاوم، وعلينا أن نكون أكثر حصافة ووعياً، والذين لا يريدون لهذه الأمة خيراً يراهنون على تحويل أزماتنا إلى صراعات، وفتن سياسية، ومذهبية، وحزبية، وطائفية".

واختتمت الهيئة السعودية بيانها بالقول: "لنحرص في عالمنا الإسلامي على بناء الصف، وتوثيق اللُّحمة، وترسيخ المشترك، مع تعزيز الإنصاف والعدل في القول والحكم، في محيط من المحبة وسلامة القصد".

القرضاوي دافع عن الوهابية وانتقد المؤتمر

من جهته أعرب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، عن انزعاجه من أهداف وعنوان المؤتمر، واصفاً إياه بأنه "مؤتمر ضرار"، مستغرباً من نفي البيان الختامي "صفة أهل السنة عن أهل الحديث والسلفيين".

وقال في بيان: إنه "قد أزعجني هذا المؤتمر (الذي حمل عنوان من هم أهل السنة والجماعة؟) بأهدافه وعنوانه، وطبيعة المدعوين إليه والمشاركين فيه، كما أزعج كل مخلص غيور من علماء الإسلام وأمته، فرأيت أنّ أصدق ما يوصف به أنه مؤتمر ضرار"، مؤكداً أن المؤتمرين "ما تعاونوا على بر أو تقوى، كالذين اتخذوا مسجداً ضراراً، وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين".

وتابع: "جاء البيان الختامي معبراً عن هوّة سحيقة يحياها المؤتمرون والرعاة لهذا المؤتمر البائس؛ فبدلاً من أن يسعى لتجميع أهل السنة والجماعة صفاً واحداً أمام الفرق المنحرفة عن الإسلام، المؤيدة سياسياً من العالم، والمدعومة بالمال والسلاح، إذا به ينفي صفة أهل السنة عن أهل الحديث والسلفيين، وهم مكون رئيسي من مكونات أهل السنة والجماعة؛ وكأنه قد كتب على أمتنا أن تظل في هذه الدائرة التي لا تنتهي، ينفي بعضنا بعضاً، في الوقت الذي يتعاون فيه أعداؤنا، ومن هم خارجون عن ملتنا وعقيدتنا، ليوقعوا ببلاد المسلمين بلداً تلو أخرى".

وأوضح الشيخ القرضاوي في البيان: "إن أمة الإسلام -وهم أهل السنة- هم كل من يؤمن بالله، وكتابه، ورسوله، ومن لا يقر ببدعة تكفيرية، ولا يخرج عن القرآن الكريم، وعن السنة الصحيحة، وهم كل المسلمين إلا فئات قليلة صدت عن سبيل الله".

واستطرد موضحاً: "إن أمتنا التي تمددت جراحاتها، وتشعبت آلامها، لم يعد لديها من رفاهية الوقت لإعادة الخلافات التاريخية القديمة بين مكونات أهل السنة والجماعة، في الوقت الذي تئن مقدساتها، وتستباح حرماتها، وتسيل دماؤها في فلسطين وسوريا واليمن، وغيرها"، مؤكداً أن "الخلافات العلمية الفرعية في مسائل العقيدة" قد تم تجاوزها، مستدركاً: "فإذا بهؤلاء الذين يعيشون خارج العصر يريدون إثارتها وتأجيجها من جديد، وشغل الأمة بماضيها عن حاضرها، وبأمسها عن يومها ومستقبلها، وتمزيق الأمة أحزاباً وشيعاً، في الوقت الذي يجتمع عليها أهل الشرق والغرب، وينسّق فيه أعداء الأمس لينقصوا بلادهم من أطرافها".

وتساءل القرضاوي عن سبب عدم اعتراض أي "ممّن نصّبوا أنفسهم ممثلين لأهل السنة والجماعة" حول "ما تقوم به إيران وأذنابها؛ من مليشيات حزب الله في سوريا، والحوثيين في اليمن، من قتل واستباحة وتدمير، وبعث الدعاة في أفريقيا وآسيا لتضليل أهل السنة، ولا كلمة إنكار لما تقوم به روسيا، ومن يدور في فلكها، ولا عجب".

ياسين السليمان - الخليج أونلاين-