دعوة » مؤتمرات

بيان هيئة كبار العلماء ضد الإقصاء

في 2016/09/07

توالت الردود ضمن التيارات السلفية ضد ما خرج به مؤتمر استضافته العاصمة الشيشانية غروزني، لهدف تعريف هوية «أهل السنة والجماعة»؛ إذ استثنت توصياته السلفية وجماعة الإخوان من التعريف، كما لم تدرج المؤسسات الدينية السعودية ضمن المؤسسات التعليمية في الدعوة. وتضمنت توصيات المؤتمر الذي حمل عنوان «مَنْ هم أهل السنة والجماعة؟»، وحضره شيخ الأزهر وعدد من كبار رجال الدين من حول العالم، أن أهل السنة والجماعة هم «الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه».

وجاء رد هيئة كبار العلماء متوازنًا وعقلانيًّا للغاية، أكدت فيه الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء أن توظيف المآسي والأزمات لتوجُّهات سياسية وانتماءات فكرية، ورفع الشعارات والمزايدات والاتهامات والتجريح، ليس من الكياسة ولا من الحكمة والحصافة. وأضافت بأن الفقهاء والعلماء والدعاة ليسوا بدعًا من البشر؛ فأنظارهم متفاوتة، والأدلة متنوعة، والاستنتاج متباين، وكل ذلك خلاف سائغ، ووجهات نظر محترمة، فمن أصاب من أهل الاجتهاد فله أجران، ومن أخطأ فله أجر.

حسب وجهة نظري، أرى رد كبار العلماء في السعودية متقدمًا بشكل غير مسبوق؛ فقد كرّس مفهوم الاختلاف واحترام اجتهادات العلماء، وأعتبره قفزة للأمام في الطرح السلفي، ويلغي كثيرًا من المواقف الإقصائية التي كان يرددها بعض المحسوبين على تيار السلفية في السابق، الذين عُرف عن بعضهم التطرف والإقصاء كما تظهر في كتبهم وفتاواهم.

يوضح التاريخ الإسلامي في مراحله المتعاقبة كيف طغت الخلافات السياسية على التصور العقدي منذ الفتنة؛ فأحكام التكفير بدءًا كانت لإقصاء فئة عن الحق السياسي، واحتكارها من قِبل فئة أخرى. وقد تفاوتت تلك المواقف من التكفير إلى التفسيق، ثم إلى الإيمان، وكان محل الخلاف في البدء حكم تولي الفاسق أو الفاجر للولاية، ثم امتد ليصل إلى الاختلاف حول ماهية الإله - عز وجل - وصفاته؛ وذلك لتبرير الموقف السياسي لكل فِرقة، وكان خلافًا عاصفًا، نتج منه دماء وقتال وإقصاء، وانتهى به الأمر إلى ما نحن عليه من شقاق وافتراق.

ما يحدث من قتل على الهوية في العراق وسوريا من قِبل المجموعات المتطرفة شيعة أو سنة، وما يحدث من تكفير وتفسيق وتخوين نتيجة طبيعية لذلك الموروث غير الصحيح، وما تعلمناه من سيرة الرسول - عليه أفضل الصلاة والتسليم - أن التكفير حق إلهي، وليس لبشر أن يحكم بكفر آخر ما لم يعلن المرء بشكل صريح أنه كافر بدين الله - عز وجل -، ولا يجوز لأي مخلوق أيًّا كان أن يفتش في قلوب الناس، ثم يخرجهم من الملة بفتوى أو خطاب متطرف..

ادعاء المتطرفين بالحق الإلهي الخالص في التكفير هو أشبه بالحل النفسي لتبرير جرائم القتل والذبح، وذلك أبعد ما يكون عن رسالة الدين النقية، التي تنص على عدم قتل النفس، وأن من قتل نفسًا بدون وجه حق فكأنما قتل الناس جميعًا؛ لذلك كانت من أهم عوامل الهدم في المجتمع المسلم تقسيم المسلمين إلى مؤمنين ومنافقين وفساق، وتلك أحكام خالصة لله - عز وجل -، ولا يجوز لبشر أن يرقى إلى تلك المنزلة، ثم القيام بدور آخروي خاص بالله - عز وجل - في يوم الحساب.

ما تضمنه رد كبار العلماء يعتبر وثيقة تاريخية، يجب العمل من خلالها لتنوير الأجيال القادمة، وإخضاع المناهج التعليمية في المدارس لفحواها الإيجابي، على أن اختلاف العلماء المحمود حق إنساني، وأن احترامه ميثاق أساسي في مجال الدعوة الإسلامية، ولا يجب أن يصاحبه إقصاء أو تكفير للمختلف. والله ولي التوفيق.

عبدالعزيز السماري- الجزيرة السعودية-