ملفات » قانون جاستا والسعودية

قانون جاستا: بذور الفوضى في العلاقات الدولية

في 2016/09/17

أثار مشروع القانون المطروح - الذي أقره الكونجرس الامريكي ويحمل اسم «تطبيق العدالة على داعمي الإرهاب»، المعروف بـ «قانون جاستا» (Justice Against Sponsors of Terrorism Act-JASTA) الذي يجيز لعائلات ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر مقاضاة الدول التي تورط رعاياها في عمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة في المحاكم الأمريكية - جدلا واسعا على كافة المستويات الخليجية والعربية والاسلامية.

لعلي هنا ادون مجموعة من الملاحظات السريعة:

الملاحظة الاولى: إن فكرة مشروع القانون قديمة وليست حديثة، تعود الى عام 2004 عند قيام الادارة الامريكية السابقة، بقيادة الرئيس السابق جورج بوش في اعقاب احداث سبتمبر بحجب الـ «28 صفحة» من تقرير لجنة الكونجرس، التي تشكلت للتحقيق في احداث 11 سبتمبر، والمكون من 567 صفحة في 2004، وتحويل الصفحات الـ28 لقانون سرية الوثائق الحكومية.

وتذرعت ادارة بوش آنذاك بأن إعلان مضمون الـ «28 صفحة» «سيضعف قدرتها على جمع معلومات استخباراتية عن المشتبه بتورطهم في عمليات إرهابية».

وقد أثار هذا الامر موجة من الشائعات والتساؤلات والمطالبات حول ازالة السرية عن الـ 28 صفحة.

جاءت إدارة أوباما وسارت على نفس المنهج من الابقاء على السرية الصفحات. تم استغلال هذا الموضوع وما اثير حوله من توقعات حول مضمون «الـ 28 صفحة» وشبهات حول ارتباط عدد من الدول من بينها السعودية بالاحداث، ما دفع كلا من السيناتور الديموقراطي جاك شومر والسيناتور الجمهوري جون كورنين للتقدم بمشروع القانون الذي حمل عنوان: «العدالة ضد رعاة الإرهاب» الذي عرف اختصارا بـ «قانون جاستا».

مرر هذا المشروع على مجلس الشيوخ في مايو الماضي 2015 وأخذ الموافقة عليه بالإجماع، قبل يومين من ذكرى 11 سبتمبر جاءت موافقة مجلس النواب على مشروع القانون،

ولايزال مشروع القانون في انتظار رفعه للبيت الابيض لمصادقة الرئيس باراك أوباما عليه، في الوقت الذي تؤكد فيه ادارة اوباما معارضتها هذا القرار، وانها سوف تستخدم حق الفيتو ضده، لأنه يخالف مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية.

الثانية: رغم ان مشروع القانون لم يرد فيه اسم السعودية، وان كل التقارير اثبتت عدم تورط المملكة في احداث سبتمبر ومنها تقرير اللجنة التابعة للكونجرس الامريكي نفسه التي حققت في الاحداث واخرجت تقريرها كما ذكرت في 2004، الا ان اللغط الاعلامي كان مرده الى الـ «28 صفحة» التي حجبت وقيل ان فيها ما يدين السعودية وارتباطها بالأحداث، وبعد ان قررت ادارة اوباما نشرها، من خلال التزام شخصي قدمه الرئيس نفسه، اثبتت انه ليس هناك أي دور يربط الحكومة السعودية بأحداث سبتمبر، وليس فيها اي دليل على ما زعمه بوب غراهام، العضو السابق في الكونجرس وحاكم فلوريدا او غيره من توقعت باطلة ليس لها أي اساس من الصحة عن تورط السعودية في الهجمات، سوى إثارة الرأي العام.

تجدر الاشارة الى ان السعودية منذ صدور تقرير اللجنة في 2002، وهي تطالب بنشر هذه الصفحات الـ 28 السرية من تقرير التحقيقات حول هجمات 11 سبتمبر، ولم تكن تخشى ما فيها كما صرح بذلك عدة مرات الأمير سعود الفيصل رحمه الله.

الثالثة: إن مصدر هذا القلق الدولي من مشروع القانون متعلق بالاساس بالمبدأ نفسه. فمشروع القانون يعتبر انتهاكا صريحا وصارخا للحصانة السيادية للدول، التي تكفل للدولة حقها في الاعتراض على قيام القضاء الاجنبي لدولة اخرى بالنظر في أية قضية ترفع ضدها خارج أراضيها.

فمبدأ الحصانة السيادية للدول يعتبر واحدًا من اهم المبادئ الراسخة في القانون الدولي، الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة لتنظيم العلاقات بين الدول، وبالتالي فمشروع القانون في حالة إقراره والعمل به سوف يؤسس لسابقة خطيرة في العلاقات الدولية، وقد تنعكس آثاره السلبية على جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

فالأمر لن يتوقف في مقاضاة الولايات المتحدة للدول المتورطة في هجمات على الولايات المتحدة وانما الولايات المتحدة نفسها سوف تخضع لنفس المعايير، فسوف تقوم الدول الاخرى بسن قوانين مماثلة لهذا القانون، ما يتيح المجال أمام أي فرد في أي دولة بالعالم لمقاضاة الحكومة الأمريكية في المحاكم الأجنبية، وبالتالي سوف تفتح الحكومة الامريكية على نفسها أبواب جهنم.

فبموجب قانون العدالة نفسه سوف يسمح للعراقيين والافغان بمقاضاة الولايات المتحدة على الجرائم التي تم ارتكابها منذ 2001، وكذلك اليابان عندما ضربت الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية، ومليون ومائة ألف قتيل في فيتنام ومعظم دول أمريكا اللاتينية سوف تقف في المحاكم لرفع القضايا ضد الحكومة الامريكية، وغيرها من الدول. وبالتالي هذا القانون في حال اقراره والعمل به سوف يؤسس لفوضى في إطار العلاقات الدولية، فهذا القانون هو أشبه ما يكون بالدخول الى عش الدبابير، والولايات المتحدة اول من ستكتوي من اللسع.

الملاحظة الرابعة: إن مشروع القانون في حالة اقراره سوف يؤدي الى هروب رؤوس الأموال الأجنبية والمليارات من الدولارات من السوق الامريكي خشية من الابتزاز وتعرضها للتجميد بأوامر قضائية من محاكم أمريكية، وهو ما اكده وزير الخارجية عادل الجبير بقوله: «ان صدور هذا القانون سيقوض ثقة المستثمرين في السوق الامريكي، فالامر لا يخص السعودية وحدها»، نافيا ان يكون قد هدد ببيع هذه السندات، وهي التصريحات التي فهمت خطأ، بأن السعودية سوف تبيع أصولها في أمريكا في حال تمرير مشروع القانون هذا.

تخيل معي هروب تريليونات الدولارات الصينية مثلا من السوق الامريكي ما الذي سيحدث في الاقتصاد الامريكي؟ سوف ينهار قطعا.

اخيرا: هذا القانون الهدف منه في نهاية المطاف سياسي مرتبط ارتباطا وثيقا بالانتخابات واستثارة الرأي العام وليس واقعيا. فمادة الارهاب وضحايا 11 سبتمبر والتعويضات المالية قضايا تثير مشاعر الرأي العام. حتى المرشحين الديموقراطيين هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز دعما مشروع القانون، وبالتالي اعتقد ان مشروع القانون وان وافق عليه اوباما بدوافع انتخابية فإن الادارة القادمة حفاظا على مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة سوف تعمل على تعطيله.

د.ابراهيم العثيمين- اليوم السعودية-