علاقات » اميركي

السعودية .. لماذا تحتاج واشنطن إلى حليف مثير للمشاكل؟

في 2016/09/30

ملاحظة المحرر: إنّ العلاقة الغربية مع السعودية تعدّ واحدة من أكثر التحالفات جلبًا للمشاكل. ترفض السعودية المحافظة الكثير من المثل الغربية، ويرى الكثير من المراقبين أن السعودية تمثل منبعا للتطرف. وفي دراسة لـ«مايكل ستيفنز» من جامعة أوتاوا لأسس التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية، بيّن فيها أن الشراكة مع السعودية تظل حيوية بالرغم من التغير المستمر للأسس التي بنيت عليها الدراسة.

في مقابلة للرئيس «فرانكلين روزفلت» مع مؤسس المملكة السعودية الثالثة، «عبد العزيز بن سعود»، على متن السفينة البحرية «يو إس إس كوينسي» في 14 فبراير/ شباط عام 1944، تأسست سياسة الولايات المتحدة تجاه العالم العربي لسبعة عقود تالية. وإلى اليوم، تضمن الولايات المتحدة أمن المملكة في مقابل التزام السعودية بضمان التدفق الحر للنفط إلى الأسواق العالمية. وتظل هذه السياسة ركيزة سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، بجانب التزامها بأمن (إسرائيل).

ولأن التدفق الحر للنفط ضروري لاستقرار الاقتصاد العالمي، فإنّ صفقة النفط مقابل الأمن جلبت فوائد كثيرة للولايات المتحدة وحلفائها، على الرغم من كون السعودية حليفًا مثيرًا للمشاكل. فوضع حقوق الإنسان في البلاد في غاية السوء، ولا يوجد أمل كبير في أن يتحسن الوضع في المستقبل القريب. والشراكة معها مكلفة حيث ترتبط الولايات المتحدة بكل ما يتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة، مثلما حدث في حرب اليمن مؤخرًا والتي تسببت في مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

لكن من ينتقدون الشراكة مع المملكة العربية السعودية يخلطون في كثير منا الأحيان بين تكاليف الخلافات التكتيكية - وهي كثيرة - وفوائد التوافق الاستراتيجي. وفي الحقيقة، فإن البدائل أسوأ، فانهيار المملكة أو تغلب أعدائها عليها سيؤدي إلى أضرار كبيرة في مصالح الولايات المتحدة، ولن يجلب وضعا أكثر ديمقراطية.

ومع ذلك، فقد تزايدت الخلافات بين الرياض وواشنطن في الـ 18 شهرًا الأخيرة، وهو ما يزيد من الشكوك حول مدى رغبة الطرفين في استمرار الشراكة. لا يزال الطرفان متفقين على أولوية محاربة الإرهاب والحد من النفوذ الإقليمي لإيران، لكنهما يختلفان حول وسائل تحقيق تلك الأهداف. وتؤمن الرياض أن الغرب قد باع مصالحها من أجل الوصول إلى تسوية مع إيران.

ويرتكز حساب الفوائد مقابل التكلفة في علاقة الغرب مع المملكة على ثلاثة افتراضات أساسية. ومن المهم التفكير مليًا بهذه الافتراضات وفق القاعدة التالية: كلما كان هناك خلل في هذه الافتراضات، كلما كان ذلك ضد استقرار الشراكة.

الافتراض الأول أن تكون المملكة مستقرة. ويعمل النظام الملكي السعودي على فرض الاستقرار وتجنب المشاكل وخاصة في المناطق الشيعية، كما تلعب قواعد الأسرة المالكة دورًا كبيرًا في أن تظل أي خلافات داخل الأسرة خلف الأبواب المغلقة. ولذا، فإن الغرب يعتبر السعودية ركيزته الأساسية في الشرق الأوسط نظرًا للاستقرار النسبي التي تتمتع به.

ووسط انخفاض أسعار النفط، يبرز تساؤل حول ما إذا كان السعوديون قادرين على الاستمرار في نمطهم في الحكم. ويحاول السعوديون مؤخرًا بمبادرة رؤية 2030 إقناع العالم الخارجي والمواطنين السعوديين كذلك، بقدرتهم على التحول إلى التنوع الاقتصادي والسماح للقطاع الخاص بقيادة الاقتصاد. في الحقيقة، تتعدد الشكوك حول مقدرة ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» وفريقه من الأمريكيين والمستشارين على تحقيق ذلك. لكن حتى الآن، تبدو السعودية غير قادرة على أن تتدبر أمرها في المستقبل القريب.

الافتراض الثاني هو إدراك أن المملكة تفضل بشدة الحفاظ على وضع المنطقة الراهن. وتفضل المملكة، تاريخيًا، ألا تتورط في بدء الحروب أو إحداث أي اضطراب في المنطقة، وتفضل دعم أصدقائها بالمال لكسب ولائهم. وبالعودة إلى الصراع العربي الإسرائيلي، نجد أن السعودية لم تشارك في الحرب التي خاضتها أغلب الدول العربية ضد (إسرائيل).

وبالطبع فإن هدف السعودية كان دائمًا ضمان استقرار المنطقة، وهو ما توافق بشدة مع المصالح الأمريكية والغربية، ولاسيما خلال الحرب الباردة. على الرغم من ذلك، فقد تضرر هذا الاستقرار في السنوات الأخيرة بفعل الانتفاضات في المنطقة وكذلك مع عودة إدماج إيران من جديد في المجتمع الدولي وخروجها من العزلة بعد الاتفاق النووي. وهنا بدأ السعوديون التحرك في اتجاه تفعيل الآلة العسكرية وتشكيل تحالفات جديدة لاحتواء تدخلات إيران، فيما يعرف بعقيدة «سلمان». ولم يعد استقرار السعودية يتوقف على عدم وجود اضطرابات داخلية في بلاد حلفائها فحسب، بل والقضاء على الفراغ السياسي الذي يمكن أن يملأ بوكلاء إيران، مثلما حدث بالفعل في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

ويطرح هذا النشاط السعودي سؤال ما حول إذا ما كان الغرب الذي يسلح ويدرب السعوديين ويحمي مصالحهم سيماشيهم في تلك الأنشطة أم لا. وفي الحقيقة لا يرتاح الغرب لهذه الأنشطة، وخصوصًا مع تورط الولايات المتحدة وبريطانيا في اتهامات بقتل المدنيين بسبب دعمهم للسعودية في اليمن ضد الحوثيين، حيث تسببت الحرب في مقتل آلاف المدنيين.

وينص الافتراض الثالث على أن آل سعود يبقون، رغم عيوبهم، الحليف الأمثل من وجهة نظر المصالح الأمريكية. وتحتفظ السعودية بأكبر احتياطيات النفط في العالم، وهي أكبر مركز روحي للدين الأسرع نموًا. ومع انهيار العراق وانهيار مصر، أصبحت هي الدولة الأكبر والأهم في العالم العربي. كما تعمل الولايات المتحدة على ضمان عدم انهيار النظام السعودي ضمانًا لمصالحها الحيوية. ولا يضمن الغرب أو الولايات المتحدة أن أي نظام سعودي جديد سيكون متعاونًا إلى هذه الدرجة، ولاسيما فيما يتعلق بأسعار النفط، والحرب على الإرهاب، وأمن المنطقة.

مع التفكير في أحوال هذه الافتراضات الثلاثة، نجدها غير مستقرة الآن، وخاصةً الافتراض الثاني، لكنها تظل في المستوى المعقول الذي يبرر الشراكة.

لا تمتلك الولايات المتحدة أو أي دولة غربية أخرى نفوذًا على المملكة أو خياراتها في الوقت الحاضر. لكن تجنب السعوديين في الوقت الذي يحاولون فيه تقديم أنفسهم كزعماء للمنطقة، سوف يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام الهش للشرق الأوسط. ويدفع ذلك أيضًا في اتجاه توجه السعودية نحو بكين وموسكو كحليفين بديلين.

واقعيًا، فإن الأفضل، أو الأقل سوءا، هو خيار الحفاظ على التشارك مع السعودية، ولاسيما في الوقت الذي تتحول فيه المملكة لفكرة التنوع الاقتصادي والانفتاح على العالم الغربي، مدفوعة بمبادرة الأمير «محمد بن سلمان». ومع محاولة جادة لفهم التفكير الاستراتيجي للمملكة، يكون أفضل الحلول هو قبول واشنطن لاستمرار الحرب في اليمن مع أمل تحقيق أية نجاحات محدودة تهدئ من طموحات السعوديين، وتدفع نحو نتائج أكثر نجاحًا على طاولة المفاوضات.

خلاصة القول، من الأفضل أن نكون قريبين من السعودية وقت اتخاذ القرارات التي لا نستسيغها، من أجل محاولة فهم منطقها، وتكون لدينا الفرصة في إعادة تشكيلها. ولكن البعد والتجاهل سيدفعان السعودية لاتخاذ قرارات من شأنها الإضرار بمصالح الولايات المتحدة. لكن الولايات المتحدة لا تملك من القوة الناعمة ما يمكنها منع التنافس السعودي الإيراني على التمدد في المنطقة. وبالطبع فإنّ العمل على احتواء ما بينهما من توترات ومنع امتداد الصراع ليشعل مناطق أخرى من الشرق الأوسط، سيكون إجراءً أفضل بكثير من خسارة هذا التأثير المحدود والسير بعيدًا. بالطبع لا يعني هذا الموافقة على كل إجراءات وقرارات وتخوفات السعودية ومماشاتها في ذلك. لكن خطوة في الطريق الصحيح، من شأنها السماح باتخاذ موقف أكثر قوة ودفعًا لمزيد من الجهات الحكومية وغير الحكومية لتحمل مسؤولياتها في المنطقة، ويسمح لواشنطن بتعريف أي الجهات ستتساهل معها، وأيها سيكون من المدمر السماح لها بالتكاثر. وهذا ما سوف يبرهن للسعودية أن واشنطن تبحث في النهاية عن استقرار المنطقة كسياسة إقليمية. والأكثر من ذلك، سيهدئ هذا من أعصاب الأسرة الحاكمة في السعودية.

Lawfare - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-