علاقات » اميركي

هل قانون جاستا مقدمة لاستهداف أكبر؟

في 2016/10/21

ظل العالم تسوده شريعة الغاب عبر التاريخ حيث كان الأقوى له اليد الطولى في فرض اجندته على بقية الدول والشعوب الا ان الويلات التي سببتها الحرب العالمية الاولى أدت الى ظهور عصبة الامم (1919) وهي اول منظمة اممية هدفت الى حفظ الامن والسلام العالمي حيث وضعت بعض المبادئ والاسس للنظام العالمي الحديث الا ان ذلك لم يمنع حدوث الحرب العالمية الثانية بسبب عدم التزام دول المحور بنظامها ليس هذا وحسب بل ان تلك الدول اخذت تستهزئ بقرارات تلك المنظمة الوليدة ولا تعيرها اي اهتمام.

وقد اثبتت الحرب العالمية الثانية الحاجة الى منظمة اممية اكثر فعالية من عصبة الامم لذلك تم انشاء منظمة دولية تحت اسم هيئة الامم المتحدة وهي التي وقعت بروتوكولاتها في سان فرانسيسكو في اميركا عام (1945) وكانت المملكة في مقدمة الدول الموقعة على انشائها الا ان نقطة الضعف الكبرى في نظام الامم المتحدة انه اعطى الدول الخمس الكبرى حق النقض في مجلس الامن ما افرغ ذلك المجلس من فعاليته المنشودة التي كان يؤمل منه ان يمارسها لتحقيق الامن والسلم العالمي لأن تحكم كل دولة من تلك الدول الخمس بقراراته من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) افرغ تلك القرارات من قوتها المرجوة.

وعلى الرغم من ان منظمات للامم المتحدة الاخرى لها بعض الجهود المشكورة الا ان تلك المنظمة بدأت تضعف ويخبو وهجها بعدما اصبحت الدول الكبرى وعلى الاخص اميركا تتحكم بمدخلات ومخرجات تلك المنظمة الاممية ما جعل اميركا تتصرف باعتبارها الآمر الناهي خصوصا تجاه القضايا التي لاميركا فيها مصلحة وفي مقدمتها دعمها غير المحدود لإسرائيل في المنشط والمكره وضمان تفوقها على الدول العربية مجتمعة.

ولم يتوقف الامر على ذلك بل ان الاجندة الاسرائيلية في المنطقة تنفذ اليوم بالنيابة عنها على مستوى المنطقة العربية وما تمثيلية الربيع العربي الذي تم تحويله الى خريف احمر من كثرة الدماء والذي قدم له بغزو العراق بدون اذن او غطاء اممي تحت طائلة حجج واهية تم اعداد المسرح لها وغيرها من خلال احداث 11/09/2001 التي تم فيها استهداف برجي التجاره العالمية في نيويورك بطائرات مختطفة وهي التي وقف ضد فبركتها آلاف المتخصصين في جميع المجالات ذات العلاقة حيث فندوها من خلال التقارير والدراسات والدلائل والقرائن والمقابلات والفيديوهات نافين إمكانية من اتهموا بارتكاب تلك الاحداث القدرة على تنفيذها لا من الناحية الفنية ولا من الناحية المنطقية ولم يبق امام الادارة الاميركية شاهد لصالحها الا نفسها، وهي بذلك اصبحت القاضي والحكم.

وتشير الدلائل والقرائن الى ان احداث (11/9) خطط لها من قبل المخابرات الاسرائيلية ومن يقف خلفها ويساندها ويسهل المهمة امامها وهذا يعني ان الاتهامات التي ترتبت عليها باطلة وبالتالي فإن القوانين المعتمدة عليها مثل جاستا وما قد يسن شبيه له من قوانين تعتبر باطلة ايضا على قاعدة ما بني على باطل فهو باطل.

ولكن الاحداث تثبت يوما بعد يوم ان استهداف المنطقة العربية امر مبيت تم ويتم وضع المبررات السرية والعلنية له على مدى العقود المنصرمة وهذا لخدمة الاجندة الاسرائيلية من ناحية، ومحاولة الاستحواذ على منطقة من اهم مناطق العالم من حيث الثروة والموقع الاستراتيجي فإذا كانت الاحتياطيات الخليجية فقط تصل الى حوالي (7) تريليونات دولار الى جانب الاحتياطيات النفطية الهائلة واذا كان الغرب يعاني من مصاعب اقتصادية وديون متراكمة سواء أكانت حقيقية ام مفتعلة مثل الدين الاميركي الذي يصل الى (18) تريليون دولار فإن اسباب الاستهداف تصبح واضحة خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار اهمية منع هذه الامة من التقدم والرقي لمنع منافسة حضارتهم السائدة على قاعدة الحروب الاستباقية وقد تم التعبير عن ذلك من خلال طروحات صموئيل هنتنجتون الذي دبج فيها اجندة صراع الحضارات والتي حدد فيها العالم الاسلامي كعدو اول للحضارة الغربية، وقد تمكن اللوبي الصهيوني من توجيه البوصلة نحو ذلك الهدف. ومع كل المؤشرات التي تدل على تلك التوجهات ظلت الضحية ترعى غير مكترثة بما يجري ويدبر حيث ظلت تحسب أن الليث يبتسم لها.

والسؤال هو:هل في الوقت متسع؟

الجواب نعم اذا احسن التخطيط واستغلت الفرص المتاحة وتم الحراك بصورة دراماتيكية فكم تغير مسار التاريخ بسبب قرار صائب حاسم جمع الاضداد في جبهة واحدة ضد من يريد ان يفترسهم واحدا بعد الاخر بعد ان يقضي كل منهم على منافسه، وعلى اية حال اذا عدنا الى قانون جاستا وهو موضوع حديث الساعة نجد ان الحراك الجاد لكشف ملابسات احداث (11/9) يلزمه حشد الشهادات والقرائن التي تثبت ان الاحداث لا يمكن ان تتم طبقا للسيناريو الذي تم تبنيه منذ تلك الاحداث وحتى الان وفي سبيل تحقيق ذلك لا بد من العمل على استقطاب اكبر عدد من الدول للوقوف الى جانب الحق بالإضافة الى تحويل الموضوع من شأن اميركي بحت الى موضوع اممي من خلال عرض الموضوع على الجمعية العامة للامم المتحدة وتحويل الموضوع الى اجندة عالمية بدلا من ان يستخدمه طرف واحد لابتزاز الآخرين.

أما قانون جاستا المبني على احداث (11/9) فلا بد من التعامل معه من منطلق بطلانه لانه مبني على باطل من ناحية، ومن منطلق انه خروج على القانون الدولي وسيادة الدول اللذين يعتبران العماد الذي ترتكز عليه الشرعية الدولية وهذا يتطلب حراكا غير مسبوق على كافة المستويات التي يأتي في مقدمتها ما يلي:

حملات اعلامية مشتركة مع الدول المتضررة منه ومن الدول التي يحتمل ان تتضرر من جراء قانون جاستا خصوصا ان الارهاب اصبح لعبة مخابراتية يمكن ان يتم تنفيذها بكل سهولة والصاق التهمة على من يراد استهدافه بذلك القانون واشباهه من القوانين التي يمكن ان تفصل حسب نوع الاستهداف المرسوم فالارهاب باب اصبح مفتوحا للابتزاز امام كل من يملك القوة ويرغب في استخدامها بالاعتماد على قوته الذاتية ومعاونة مخابراته ضاربا بعرض الحائط بالشرعية الدولية بما في ذلك منظماته الدولية التي حيدت بل همشت خلال العقدين الماضيين ولم تعد لقراراتها اهمية الا اذا كانت تخدم اصحاب قانون جاستا وربيبتهم اسرائيل.

ولا شك ان هيئة الامم المتحدة سوف تفشل وتلحق بمثيلتها عصبة الامم التي فشلت من قبل بسبب تهميش الدول الكبرى لها في ذلك الوقت.

إن توعية الرأي العام العالمي باللعبة التي تحاك لها دور فاعل في الحد من الهيمنة والتجبر والابتزاز وهذا لايتم الا من خلال اعلام فاعل وقادر على استخدام كافة الوسائل التقنية الحديثة التي يستطيع من خلالها ايصال رسالته المدعومة بالوثائق والحقائق والارقام الى كافة شعوب العالم ومؤسساته الفاعلة.

حملات دبلوماسية مكوكية تقوم بها السفارات والقنصليات والبعثات المختلفة سواء أكانت دبلوماسية ام اقتصادية ام صناعية ام تجارية ام وفودا برلمانية ام مهرجانات ام لجانا مشتركة ام كراسي بحثية متخصصة ام مراكز دراسات استراتيجية ام مراكز ثقافية ام غيرها من الوسائل المساندة التي يمكنها حشد التأييد ضد توجهات قانون جاستا وما قد يليه باعتباره بادرة شاذة وخارجة عما ينص عليه ميثاق الامم المتحدة والشرعية الدولية.

بيان اهمية التمسك بالقانون الدولي وسيادة الدول وحشد اكبر عدد من الدول خلف ذلك التوجه لانه إن تم تطبيق قانون جاستا على بعض الدول فإنه سوف يكبر ويصبح اسلوبا يحتذى ويطبق على الدول الاخرى بمجرد تأزم علاقات تلك الاطراف مع اميركا.

ليس هذا وحسب بل ان الدول القوية الاخرى ربما تحذو الحذو نفسه ما يجعل العالم يعود سيرته الاولى حيث تسود شريعة الغاب مرة اخرى ولكن بصورة اشد وأنكى بسبب تطور الاساليب وسهولة الوصول والاتصال.

إن قانون جاستا هو بمثابة ممارسة الدول القوية لقاعدة "كل من ايده إله" اي كل دولة يصبح بمقدورها تنفيذ القانون الذي تضعه هي بيدها طبقا لمصالحها وليس طبقا لما تمليه المصلحة العامة. وهذا اوسع ابواب عدم الاستقرار العالمي الذي ينشده الجميع. وهو يصطدم مباشرة بكل الاسس التي سطرتها الرسالات والمبادئ والاسس والقيم السماوية وكذلك الوضعية التي تتماهى بها دول الغرب وتفاخر بها العالم.

العمل على تحريك الشعوب المتضررة للمطالبة بحقوقها من خلال الضغط على حكوماتها بسن قوانين مشابهة لقانون جاستا لمحاسبة اميركا على افعالها في كل من اليابان وفيتنام وافغانستان والعراق وفلسطين وغيرها وحدث ولا حرج.

ان الاعلام الخارجي اصبح رأس حربة في الدفاع عن النفس وجعل الامم والشعوب والمؤسسات الرسمية والخاصة والاعلام بجميع وسائله العادية والمستحدثة جزءا لا يتجزأ من وسائل الدفاع عن النفس اما طروحات الاعلام الداخلي فهي لا تتعدى كونها تشبه الرجل الذي يتحدث مع نفسه ويسمع صدى صوته.

نعم ان قانون جاستا لا يعدو ان يكون مقدمة له ما بعده. فهل نأخذ زمام المبادرة وننزع الفتيل من ايدي الاعداء ونحيّد الذين يصطادون بالماء العكر بوسائل مبتكرة؟ والله المستعان.

حمد عبد الله اللحيدان- الرياض السعودية-