اقتصاد » احصاءات

النووي السعودي.. ضرورات تفرضها الطبيعة والاقتصاد والسياسة

في 2016/10/22

لم تكن المملكة العربية السعودية حتى سنوات قليلة ماضية معنية باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، غير أن الاتفاق النووي الإيراني-الغربي، الذي تم التوصل إليه نهاية العام الماضي، دفع المملكة التي تمتلك ربع الإنتاج العالمي من النفط، إلى التفكير جدياً في دخول العصر النووي على ما يبدو.

المملكة بدأت تتجه للطاقة النووية منذ عام 2000، رغم أن أسعار النفط كانت مرتفعة حينها، وهو ما عده البعض محاولة منها ومن دول خليجية أخرى لتقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.

وفي العاشر من الشهر الجاري، جددت المملكة تأكيدها الحق المشروع لدول منطقة الشرق الأوسط في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإجراءاتها، وتحت إشرافها، حسبما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).

-خطط

ووضعت السعودية خططاً لإدخال الطاقة النووية، لأسباب اقتصادية وبيئية أو جيواستراتيجية؛ بهدف خلق توازن في استخدام الطاقة النووية. وفوّض مجلس الوزراء السعودي رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بالتباحث مع الجانب الهندي في شأن مشروع اتفاقية للتعاون في مجال الطاقة المتجددة بين البلدين.

وأعلن وزير الطاقة السعودي، المهندس خالد الفالح، الخميس 2016/10/20، عن قرب اختيار موقع أول محطة نووية في السعودية، في حين تتوقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنشاء 70 محطة جديدة للطاقة النووية حول العالم بحلول عام 2030، بحسب "الحياة" السعودية.

ومنذ سنوات تدرس السعودية استخدام الطاقة النووية والطاقة المتجددة في إنتاج المياه والكهرباء، وهي اليوم تقترب من افتتاح أولى محطاتها النووية بهدف الاستفادة من مواردها، وتحديد الحاجات اللازمة من الوقود لتوليد المياه والكهرباء، وتقليل الآثار البيئية.

وفي عام 2015 نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، عن مسؤولين عرب قولهم، إن اتفاق واشنطن وطهران حول برنامج الأخيرة النووي "قد يدفع الرياض بشكل سريع لتبنّي برنامج نووي مطابق أو مشابه للبرنامج الإيراني".

وفي العام نفسه كشفت صحيفة التايمز البريطانية، أن السعودية بصدد توسيع برنامجها الصاروخي، وتعزيز قوة الردع؛ عبر جمعها لصواريخ باليستية (أرض-أرض) فائقة الدقة، وصواريخ (كروز) بريطانية الصنع؛ لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، بعد أن ترسخت لديها الشكوك حول المحادثات النووية بين الغرب وإيران، والتي من المرجح أن تستثني صفقة الصواريخ الباليستية الإيرانية القادرة على حمل رؤوس نووية.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، وقعت السعودية واليابان 17 اتفاق تعاون في مجالات الطاقة والبتروكيماويات والصناعة والكهرباء، خلال زيارة ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، إلى اليابان.

في حين وقعت مع الصين في يناير/كانون الثاني الماضي، 14 اتفاقاً ومذكرة تفاهم، شملت إحداها التعاون في مجال الطاقة المتجددة بين مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وإدارة الطاقة الوطنية في الصين، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم من أجل التعاون لإقامة المفاعل النووي ذي الحرارة العالية والمبرد بالغاز.

وكانت المملكة قد وقعت مع فرنسا اتفاقاً ثنائياً عام 2011؛ للتعاون في مجال تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، ويتيح الاتفاق لمؤسسات كلا البلدين تعزيز التعاون في مجال إنتاج واستخدام ونقل المعرفة المتعلقة باستخدامات الطاقة النووية السلمية.

وفي عام 2011 تم الإعلان عن خطط لإنشاء 16 مفاعلاً نووياً خلال الأعوام العشرين المقبلة، بتكلفة تقديرية بلغت 80 مليار دولار، ومن المقرر أن تقوم هذه المفاعلات بتوليد ما يقرب من 20% من الكهرباء في السعودية.

-تكهنات

وتنفي السعودية علناً امتلاكها لأي نية لتطوير أسلحة نووية، وتقول مدينة الملك عبد الله (KA-CARE) إنها مشروع سلمي لتطوير الطاقة، هدفه بالأساس أن يصبح الاعتماد على الذات عند نسبة 65% بحلول 2032، لكنها أكدت أكثر من مرة أنها ستحتفظ بحقها في امتلاك السلاح النووي في حال فشلت الولايات المتحدة في إيقاف مشروع إيران.

ويرى صانعو القرار في السعودية أن أمن بلادهم لا يمكن أن يهدده شيء أكثر من إيران نووية، وأن المنظومات الأمنية التقليدية، بما في ذلك منظومات الدفاع الصاروخي، لن تكون كافية في حال امتلكت إيران السلاح النووي.

ويبدو الخيار الأول هو أن تقوم المملكة العربية السعودية بإنشاء تكنولوجيا التخصيب الخاصة بها إما منفردة، وإما عبر تأسيس مشروع بمشاركة أحد مالكي التكنولوجيا الحاليين، ووفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإنه سوف يكون هناك إمدادات متاحة من اليورانيوم خلال العقد المقبل.

وربما تكون باكستان المرشح الأقرب، إلا أن تطوير جهاز طرد مركزي قد يستغرق عقداً من الزمان، ووفق معدلات النمو الحالية لاستهلاك الطاقة فإن المملكة معرضة للدخول في أزمةٍ ما لم تبحث عن مصادر عاجلة قبل هذا التوقيت، وفقاً للوكالة الدولية.

الخيار الآخر يتعلق أكثر بالجانب العسكري، حيث يؤكد خبراء بالفعل أن السعودية استثمرت أموالاً طائلة في المشروع النووي الباكستاني، وتميل وسائل الإعلام الغربية والعبرية للترويج لسردية وجود اتفاق نووي غير معلن بين السعودية وباكستان، وهي فرضية تقوم على زيارة وزير الدفاع السعودي الأسبق، الأمير سلطان بن عبد العزيز، إلى باكستان عام 1990، والتي وقف خلالها على أجهزة الطرد المركزي، وعقده اجتماعاً مع العالم النووي الباكستاني، عبد القادر خان.

وجاءت زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية، الجنرال رشيد محمود سليمان، إلى السعودية (في فبراير/شباط 2015) بعد زيارتين لرئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، للملكة خلال 3 أشهر، لتفتح باب التكهنات على مصراعيه.

ووقعت المملكة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما وقعت عليها إيران أيضاً، لكنها لم توقع على البروتوكول المحدث للكميات الصغيرة لعام 2005، كما أنها لم توقع مثل إيران أيضاً على البروتوكول الإضافي الذي يسمح بعمليات تفتيش أكثر صرامة، كما لم توقع على "معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية"، على الرغم من أنها دعمت باستمرار إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

وترى السعودية أن معاهدة حظر الانتشار النووي تسمح لها ببعض المرونة في البحث عن استراتيجيات بديلة في حال قامت إيران بخرق المعاهدة وامتلكت السلاح النووي، رغم أن السعودية تصنف إلى الآن من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية كإحدى الدول التي لم تشهد انحرافات عن الأنشطة السلمية للمواد النووية المعلنة، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط.

ويبدو بديهياً أنه إذا سمح لإيران بتخصيب اليورانيوم فإن السعودية ستطالب بذات الحق، وهو ما أكدته أكثر من مرة، رغم أن السعودية تميل نحو شرق أوسط خال من السلاح النووي، فإنها سوف تمتلك ما يكفي من المبررات للتمسك بحقها في تطوير تكنولوجيا نووية، في حال سمح لخصمها إيران بالمميزات ذاتها.

يوسف حسني - الخليج أونلاين-