ملفات » المملكة على طريق الافلاس

الحكمة والحماس في معالجة القضايا الاقتصادية

في 2016/10/24

قبل عقد من الزمن حاولت الحصول على حديث صحفي أو تصريح مقتضب من أحد وكلاء وزارة المالية وكنت أتعشم أن أحظى بتصريح أو حتى معلومة لا أنسبها إلى معاليه بحكم قرابتي له وصداقتي والاحترام المتبادل بيننا، إلا أنه فاجأني بالقول إنه لا يتحدث عن شيء يمت بصلة لوزارة المالية، أو أي شيء له علاقة بالاقتصاد والشؤون المالية، وقتها كانت وزارة المالية تدير المال والاقتصاد وتحمل مسمى وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وأكد ذلك الالتزام مبتسماً بأنهم من مدرسة «محمد أبا الخيل» الذين لا يمكن أن يتحدثوا عن الشؤون المالية والاقتصادية إلا ضمن ضوابط معروفة لديهم ويلتزمون بها بدقة مثلما يلتزم بها الشيخ محمد أبا الخيل.

تذكرت كل هذا وأنا أتابع حلقة «الثامنة مع داوود»، وقد تأكدت أن الدكتور إبراهيم العساف كان وفياً فعلاً لمدرسة محمد أبا الخيل، فلم يكن متحفظاً في آرائه، ولكنه أيضاً لم يطلق الأقوال جزافاً، ومع أنه لم يستعن كما فعل زميلاه في الحلقة وزير الخدمة المدنية ونائب وزير الاقتصاد بالرسوم البيانية، إلا أن العساف كان مقنعاً وكل ما قاله استند إلى معرفة تامة تؤكد أنه يعرف ما يريد أن يوصله للمواطن ولم يخرج عن الحقيقة والواقع، وكان حاسماً ومقنعاً بصورة مريحة له وللمتلقي، لم يطغ عليه الحماس ولم ينجرف في الدفاع عن قرارات يعرف الجميع أنها اتخذت لمواجهة متغيرات مالية واقتصادية تتطلب العلاج، ولهذا لم تكن ردوده عاطفية أو يأخذ الحماس في الدفاع عن قرارات لا تحتاج أن يدافع عنها سوى إيضاح الحقيقة وتوضيح المكاسب التي سيجنيها المواطن بعد معالجة سلبيات الماضي التي يمكن معالجتها دون تهويل أو حماس زائد مثل ما تميزت به أقوال وزير الخدمة المدنية كقوله إن الموظف السعودي لا تتجاوز إنتاجيته سوى ساعة عمل واحدة في اليوم الواحد، بما معنى أنه يهدر سبع ساعات، وهو قول يحتاج إلى إثبات، وإلا فإن هناك تقصير فاضح، ووزارة الخدمة المدنية أحد المتهمين المقصرين في عدم تحركها لإصلاح هذا الخلل، ولا علاقة بالقرارات الأخيرة في محاولات هذا الإصلاح إن كان هناك فعلاً نية لتحقيق ذلك.

أما الحديث عن إفلاس المملكة في غضون ثلاث سنوات ما لم تتخذ الإجراءات الأخيرة، والذي قاله نائب وزير الاقتصاد فهو قول لا يمكن أن يخرج من رجل اقتصاد مطلع على الوضع الاقتصادي لبلاده التي من أهم سماتها متانة وقوة اقتصادها الذي أكدت جميع وكالات التصنيف على قوته وعلى استقراره مع وضع مستقبلي جيد، ومع وجود استثمارات وأموال مستثمرة وثابتة سواء في مؤسسة النقد السعودي أو المودعة في الخارج، والقول الذي تسرع به نائب وزير الاقتصاد، قول قد يتحدث به في جلسة خاصة أو يتناقش به مع جلسائه وهو أمر قابل للنقاش والرد، وليس قول يقال في برنامج يتابعه الملايين من داخل المملكة وخارجها، وهو كلام سلبي جداً على الوضع الاقتصادي للمملكة ومستقبلها خاصة وأنه يصدر من أحد المسؤولين عن التخطيط لاقتصادها، وما كان يجدر به أن يدفعه الحماس بالدفاع عن قرارات اتخذت لتحسين الأوضاع الاقتصادية أن يرتكب خطأ يؤثر على تقييم وضع الاقتصاد السعودي حاضراً ومستقبلاً، ولابد أن أقواله ستوضع على طاولة تشريح وكالات التصنيف العالمي التي تراقب وتسجل تصريحات وأقوال المسؤولين عن الاقتصاد والمال في جميع البلدان، ولذلك كان الدكتور إبراهيم العساف حكيماً ودقيقاً لم يتكلم في البرنامج إلا بما يخدم الغرض، وكان فعلاً وفياً لمدرسة محمد أبا الخيل التي يفترض أن يتمسك بها من يمسكون بزمام الأوضاع المالية والاقتصادية وحتى الوظيفية.

جاسر عبدالعزيز الجاسر- الجزيرة السعودية-