ملفات » المملكة على طريق الافلاس

التقشف الحكومي وندوة الثامنة

في 2016/10/31

الندوة التي عقدت مع بعض المسؤولين في برنامج (الثامنة) لشرح القرارات التي صدرت في قضايا إلغاء البدلات وغيرها ما زالت ردود الفعل الغاضبة عليها إلى اليوم في صور نكات ورسوم كاريكاتور وقصائد شعبية، والبحث عن ماضي أولئك المسؤولين، فما سبب هذا الغضب الشعبي الذي أثارته تصريحات أولئك المسؤولين؟

السبب في هذا ثلاثة أمور، الأمر الأول: أن القرارات التي صدرت جاءت على حين غفلة دون تمهيد وشرح وبيان فنزلت على كثيرين نزول الصاعقة، وتركتهم في حيص بيص، فجاءت تصريحات تلك الندوة، وهي في مجملها تحمِّل المواطن المسؤولية، وتصور المواطنين على أنهم مجموعة همج عالة كسالى لا إنتاجية حقيقية لهم، وأنهم عالة على الحكومة، ولسان حال أولئك المسؤولين مطالبة المواطن بحمد الله وشكره أن الدولة تعطيه راتبا لا يستحقه أصلا.

والأمر الثاني: أن تصريحات أولئك المسؤولين رسمت صورة مرعبة قاتمة مخيفة لماضي الحكومة، وواقعها، ومستقبلها، فأما ماضي الحكومة – حسب نص أقوالهم - فكان تخبطا، فالرؤية التي كانت تسير عليها الحكومة سابقا كانت خاطئة، واستثماراتها كانت ترفا كفتح خمس وعشرين جامعة لا قيمة لها، وهي مجرد ديكور وترف، ولم يكن لدينا دراسات سابقة للاستثمار والتنمية، ولو كانت لدينا استثمارات متنوعة لم نكن بحاجة لهذه الإجراءات التقشفية.

وأما واقع الحكومة اليوم فهو مخيف سوداوي؛ إذ إن صندوق التقاعد العسكري صفَّر، وصندوق التقاعد المدني في طريقة للتصفير، وإنتاجية الموظف في اليوم ساعة واحدة، وبقية ساعات العمل إنما هي هدر لا قيمة له، وعليه فالمواطن الموظف عالة على الحكومة، ووفق الرؤية الجديدة يجب التضييق عليه ليرتحل للقطاع الخاص.

وأما مستقبل الحكومة فمخيف ومرعب، فهي مهددة بالإفلاس بسبب الهدر على البدلات في غضون ثلاث سنوات لولا الإجراءات التقشفية التي طبقت.
والأمر الثالث: ما تضمنه كلام أولئك المسؤولين من تهديدات مبطنة بأن إجراءات التقشف ما زالت في بدايتها، ولسان حالهم يقول: صبرا فلم تروا شيئا بعد؛ إذ يفهم أن ثمة دراسات لزيادة اقتطاع صندوق التقاعد من راتب الموظف، وإعادة النظر في التقاعد على آخر مربوط من الراتب. ومجمل الرأي الشعبي من تلك الندوة القول الشعبي المشهور: «يبي يكحلها وأعماها».

إن خروج المسؤول لمخاطبة الجمهور في شرح قرارات الحكومة أمر مهم؛ إذ من حق الجمهور أن يعرف أسباب القرارات الحكومية، وكيفية تطبيقها، وملابساتها، لكن شرط هذا أن يكون المسؤول الذي يكون عليه عبء مخاطبة الجمهور لديه فهم لفن مخاطبة الجماهير، وهو فن له أصوله، وثمة معاهد لتدريسه، ويندر إجادته بين السياسيين، ولهذا نجد المسؤولين الغربيين يستعدون استعدادا فائقا لمخاطبة الجمهور في المناظرات والخطابات السياسية، وكثيرا ما تكون عبارة واحدة من سياسي سببا في سقوطه جماهيريا، ولعل حادثة الرئيس السوداني تبين مثل هذا، فقد قال مخاطبا جمهورا من محازبيه بقوله عن الشعب السوداني: «أتحدى لو فيه زول (أي: رجل) سمع بالهوت دوغ قبل حكومة الإنقاذ»، فكانت تلك الكلمة شرارة لخروج الجماهير احتجاجا على ذلك. لكن يبدو أن مسؤولينا الذين خرجوا لم يضعوا في بالهم إقناع المواطن، فلا حاجة بهم لإتقان فن مخاطبة الجمهور، فليس هو المعنيَّ بحديثهم، ولهذا لا بأس لديهم أن يكون المواطن هو المتهم بكل ما يعاني الاقتصاد، فهو مَنْ إنتاجيته ساعة واحدة وبقية ساعات العمل إنما هي هدر لا قيمة له، وراتبه وبدلاته هي السبب الذي كادت الدولة أن تفلس بسببه، وبسبب راتبه صار أكثر إنفاق الدولة عليه، وبسبب طول عمره صفَّر صندوق التقاعد العسكري، وسيصفِّر صندوق التقاعد المدني.

ولا أجد لهؤلاء مثلا إلا قصة الشاب الذي خطب فتاة فأمهلوه حتى يسألوا عنه، فطلب من شيخ كبير أن يمدحه عند أهلها، وهي قصة تراثية طريفة وردت في كتاب (المحاسن والمساوئ) للبيهقي، يمنع من إيرادها بعض ما فيها مما لا يحسن إيراده في صحيفة، فلتراجع هناك.

سليمان الضحيان- مكة السعودية-