علاقات » اميركي

قانون «جاستا»: واشنطن بين قيادة العالم والهيمنة عليه

في 2016/11/01

أطلق نواب وشيوخ الشعب الأميركي سجالاً واسعاً الأيام الماضية، بعد رفضهم لحق النقض الذي يتمتع به الرئيس الأميركي تجاه أي قرار للكونجرس، يرى أنه لا يصب في مصلحة الأمن القومي للبلاد.

صوَّت الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب وبأكثر من ثلثي الأعضاء لمصلحة القانون الإشكالي الذي عُرف باسم «جاستا» وهو اختصار لـ«العدالة ضد رعاة الإرهاب».

والشاهد أن علامة الاستفهام التى نطرحها في هذه القراءة مبدؤها ومنشؤها أيديولوجي تحليلي، من منطلق التقسيم المعهود بين (الذين معنا) و(الذين ضدنا). هنا نحن نتساءل: من أعطى الولايات المتحدة الأميركية الحق في أن تكون قاضي العالم وجلاده في آنٍ معاً؟

من دون الإغراق في تفاصيل «جاستا» نحن أمام حالة فوقية لشعب يريد أن يجعل العالم كله تحت سطوته، لا انطلاقاً من عدالة حقيقية، بل من قوة مهيمنة لا تقيم وزناً للقانون الدولي، ولا لمفاهيم سيادة الدول، أو حصانتها القضائية، فقد جاء «جاستا» في أواخر عام 2016 ليهدم رصيداً استقر في أذهان العالم، عن الدولة «الوستفالية»، أي المستقلة ذات السيادة والحصانة كنتاج للمعاهدة المشهورة عام 1648 التى أنهت حرب الثلاثين عاماً بين الدول الأوروبية.

المسألة إذن أبعد كثيراً جداً من إجراءٍ قانوني ما، إنها إشكالية استعلائية موروثة في الجينات الأميركية، وحتى نستطيع التعاطي مع الولايات المتحدة وسياساتها حول العالم بمهارة وحذق تامّين، يتوجب علينا فهم تلك العقلية وأبجدياتها، لا سيما أن التحالف بشكل خاص مع الولايات المتحدة، أشبه بالعيش على ضفاف نهر كبير، الأرض خصبة جداً، لكن كل أربع أو ثماني سنوات يغيّر النهر مجراه، وقد تجد نفسك وحيداً في الصحراء.

«المسيح السياسي»

أفضل مَن يلفت أنظارنا لفهم العقلية السياسية، وبامتياز، هو المؤرخ الأميركي الأشهر «هوارد زين» (1922 - 2010) في موسوعته الكبيرة «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة»، حيث يقودنا إلى الفصل الأول من إيمان الأمريكيين بأنهم شعب استثنائي، وربما أمة مختارة، وأن لهم الحق في أن يسوسوا الأمم ويتسيدوها، لا أن يقودوها.

والثابت أنه هناك مصطلحاً يعرف بـ«القَدَر الواضح» Manifest Destiny، صاغه السياسي الأميركي «جون ل. أوسلفيان» (1740 - 1795)، من ولاية نيوهامشير، كان ذلك عام 1845، هذا المصطلح يعني أن الولايات المتحدة ليس لديها أي خيار في قيادة العالم نحو المدنية والفضيلة، بل هو قَدَرها الذي ليس بوسعها أن تفر منه.

هذا المفهوم هو الذي جعل نواب وشيوخ الكونجرس الأميركي يرون أن هناك أحقية تاريخية لهم في معاقبة مَن يرعى الإرهاب حول العالم. والمفهوم كان فاعلاً وحاكماً حتى من قبل صك الاسم، وذلك أثناء الحقبة الكولونيالية المبكرة، ومروراً بفترة التوسعات باتجاه الغرب على حساب أراضي الهنود الحمر وثقافتهم. إن «جاستا» في واقع الأمر، ليست إلا تمثلاً كامل الوضوح لطبيعة الولايات المتحدة التي تؤمن انطلاقاً من تلك الاستثنائية، أنها تقوم بدور «المسيح السياسي» الذي جاء لينقذ العالم.

لم تنطلق هذه الاستثنائية من فراغ، هذا ما يخبرنا به «تشارلز إل سانفورد»، الكاتب والسياسي الأميركي، بل إن هذه الاستثنائية تشكلت من اقتناع عميق بأن المستعمرين البيض هم أناس اختارتهم السماء كي يحتلوا العالم الجديد ويقوموا بمهمة خاصة وهي نشر «النور الجديد» للإنجيل في كل أرجاء العالم، وأن البرابرة أو الأعداء الذين يقومون بمقاومة تلك المهمة يجب قتلهم لأنهم مخلوقات إبليسية.

الذين وقفوا في وجه اعتراض أوباما على «جاستا»، هم إذن نتاج للأيديولوجية الفوقية الأميركية، وللعنصرية الواضحة تجاه بقية شعوب العالم، وليس العرب والمسلمين فقط. وضمن هذا الإطار يأتي حديث المؤرخ الأميركي «لورين بارتينز» في كتابه «تاريخ الثقافة الأميركية وكيف تقودنا»؟

يقر الرجل ما يلي: «ينبغي علينا توضيح المزاعم التي نطرحها حول بلادنا، مزاعم شكّلتها القيم والتصورات الذاتية المترسخة فينا، ونأخذها مأخذ البدهيات التي لا تكاد تحتاج إلى مناقشة. هذه المزاعم تسكن تحت جلودنا وليس في عقولنا، كما أنها تقوّي اعتزازنا بوطننا وبوطنيتنا. إنها مزاعم نتنفسها في شبابنا وتعززها المدارس والثقافة الشعبية، وذلك الإحساس بالرضا الذي تمنحنا إياه على مدار حياتنا».

والخلاصة من هذه الجزئية، أن الأفكار والسلوكيات والمواقف التى تأتي من هذه المزاعم، تسهم في تكوين الطريقة التي يرى بها الأميركيون أنفسهم والعالم من حولهم، إنها الأساطير القديمة، التي تشكِّل أساس القومية الأميركية.

أميركا مدينة فوق جبل

الأسطورة الثانية التي تحلل لنا الشخصية الأميركية، وتجعلنا نتجاوز فكرة أهمية صدور «جاستا»، في زمن الانتخابات الرئاسية، والوقوف في وجه الرئيس، تتصل بالفكرة القديمة أميركياً المعروفة بمدينة فوق جبل «City Upon the Hill»، وهي تكمل فكرة «القَدَر الواضح»، حتى إذا توفرت القوة تجلت الأسطورتان في تغذية الأفكار ومن ثم الأفعال، بيد أن القوة المتمثلة في التكنولوجيا العسكرية المتقدمة قد وفَّرت للأسطورتين مناخاً مواتياً لذلك التجلي. والمؤكد أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والذي شهد صعود «المحافظين الجدد» في سماوات الحياة الأميركية، قد شهد تكرار هذه الفكرة، ولاكتها الألسنة، غير أن قليلين هم الذين عرفوا أصولها وجذورها، وتداعياتها وتبعاتها. ماذا عن ذلك؟

يعود أصل الأسطورة الثانية إلى منتصف القرن السابع عشر، عندما أخبر «جون وينثروب» (1587- Winthrop (1649 المحامي واللاهوتي الإنجليزي، الذي قاد أول موجة كبرى من المهاجرين من إنجلترا إلى أميركا، وأحد الشخصيات الرائدة في تأسيس مستعمرة خليج ماساتشوستس عام 1630... لقد أخبر «وينثروب» مجموعة المهاجرين الذين أطلق عليهم «البيورتانيون» أو «المتطهرين»، أخبر الرجل المهاجرين الذين كان يقودهم إلى العالم الجديد، بأنهم في رحلة «لم يباركها الرب فحسب، بل إنه يشارك فيها، وقال: (سنجد أن رب إسرائيل بيننا، عندما يصير بمقدور عشرة منا أن يقاوموا ألفاً من أعدائنا. لا بد أن نضع في اعتبارنا أننا سنكون كمدينة فوق تل، تتطلع إليها عيون الناس جميعاً).

الذين بلوروا «قانون جاستا» كانوا يسيرون، ولا شك، في ذلك على درب ومنهجية «وينثروب» الكامنة في حنايا وثنايا خلايا أدمغتهم على نحو خاص، فالولايات المتحدة بالنسبة إليهم هي «امرأةُ قيصر» التي لا تخطئ، ولا يدركها الخطأ أبداً، ولذا فهي منوط بها قيادة العالم أخلاقياً، ومعاقبة المذنب، وهي صاحبة الحق في الاتهام، وليس للآخرين حق الدفاع، وعليه فقد جاء القانون الأخير ليمثل مرحلة تتجاوز دور «الناصح» أو «المعلم»، إلى «المعاقِب» والمطارد للأشرار حسب ما ترتئيهم أميركا، لا القانون الدولي أو الأعراف السائدة من حوله.

أخيار العالم وأشراره

يستدعي إقرار قانون «جاستا» العودة إلى الفكر الذي ساد في عصر بوش الابن، وتم إعلانه بنوع خاص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، منذ تلك اللحظة بات المعارضون والمعادون للإدارة الأميركية أعداءً ليس للحرية والديمقراطية والفضيلة فحسب، وإنما هم أعداء للرب أيضاً.

وليس من المبالغة القول بأن هاتين الأسطورتين، ونتيجة لظلالهما العنصرية، ودوافعهما الإمبريالية، قد أسهما بدرجة كبيرة في تكوين الصورة النمطية المزيفة التي تقسم العالم إلى طيبين وأشرار، ولعل أدبيات هذا الخطاب تركت أثراً واضحاً في فكرة وآليات الحرب على الإرهاب، و«جاستا» من توابعها دون تهوين أو تهويل، وربما يكون مدهشاً بالنسبة إلى الكثيرين أن كاتباً عظيماً بحجم «هيرمان ميلفيل» (1819 - 1891) قد كتب يوماً يقول:

«نحن الأميركيين متفردون وشعب مختار، إننا إسرائيل زماننا، نحمل سفينة حريات العالم... لَكَم تشككنا في نظرتنا إلى أنفسنا، ولطالما ساورَنا سؤال عما إذا كان المسيح السياسي قد جاء، ولكن أقول إنه قد جاء متمثلاً فينا، ولا يبقى إلا أن نعلن خبر مجيئه».. هل يجيء «جاستا» ليؤكد هذا الخبر؟

عودة إلى أفكار اليمين

يبدو من المشهد الأميركي الآنيّ أن «جاستا» ليس إلا صحوة لأفكار اليمين الأميركي المحافظ، إلى أبعد حدٍّ ومدٍّ، وربما تكون إرهاصات مؤكدة لعودة اليمين الأميركي العنصري، خصوصاً إذا جاءت الأقدار برجل مثل «دونالد ترامب» كان ترشحه لانتخابات الرئاسة فصلاً من فصول الكوميديا، وها هو الأمر على شفا حفرة من أن يصبح كوميديا سوداء.

«صناع جاستا» هم الاستثنائية الأميركية متجسدة في عقول البشر، وعندهم الولايات المتحدة هي القوة العظمى، لا من جراء ترسانتها العسكرية، بل لأنها الأمة ذات الرسالة، وهي رسالة كونية لأن القيم التى تحملها تصلح لتلبية صبوات وحاجات الشعوب قاطبة.

يقول «وليم كريستول»، و«لورانس كابلان»، في كتابهما المعنون: «طريقنا يبدأ من بغداد»: «ليس على الولايات المتحدة أن تكون دركيّ العالم أو شريفه فقط، بل عليها أيضاً أن تكون منارته ودليله».

يطرح المؤلفان سؤالاً استنكارياً وربما استهجانياً «أين الشر في أن تهيمن أميركا ما دامت لا تهيمن إلا خدمةً لمبادئ صحيحة ومُثُل نبيلة؟»،

من علامة الاستفهام السابقة يوقن المرء أن أحوال رجال السياسة الأميركية هي منذ زمن «وينثروب» حتى باراك أوباما واحدة فهم مخلصو الاعتقاد لفكرة أميركا التي لا توظف قوتها وقدرتها إلا من أجل غايات أخلاقية، وإذا لم تقم الولايات المتحدة بالمهمات التي أوكلها إليها التاريخ فإن مآل العالم سيكون إلى فوضى، لأنه لا وجود لأي سلطة أخرى قادرة على منع العدوان، وضمان الأمن والسلام وفرض احترام المعايير الدولية...

نعم إنهم يتحدثون عن المعايير الدولية، وفي هذا مثال فاضح للازدواجية الأميركية التقليدية، وعليه يبقى السؤال: «هل حكماء ومفكرو الولايات المتحدة يؤمنون في المطلق بهذه الروح الاستثنائية التى تجعلهم يحاولون جاهدين فرض رؤاهم الإمبراطورية على العالم؟»، ثم -وهذا هو الأهم: «إذا كانت أميركا قوة خيّرة محبّة للسلام طاردة للإرهاب وللحروب على هذا النوع فلماذا بات حصاد البيادر مناقضاً لحسابات الحقل؟».

من «ماكينلي» إلى «كريستول»

قبل أكثر من مئة عام تحدث الرئيس الأميركي «وليام ماكينلي» (1843 - 1901) الرئيس الخامس والعشرين للبلاد قائلاً: «إن لدينا تفويضاً بفرض إرادتنا على بقية الأمم والشعوب.. إننا تلقينا هذا التفويض مباشرةً من السماء».

هذا التصريح المثير والخطير، تكرر مرة ثانية عقب غزو الولايات المتحدة للعراق في مارس عام 2003، ففي لقاء جرت وقائعه في البيت الأبيض، أخبر الرئيس بوش الابن، المفاوض الفلسطيني المعروف الدكتور «نبيل شعت» بأن الله أبلغه بضرورة غزو العراق وإسقاط صدام حسين.

من بريجنسكي إلى أولبرايت

هناك عقول مثل زيجينو بريجنسكي «حكيم أميركا الأشهر، ومستشارها للأمن القومي في زمن كارتر»، تقوم على نقد ونقض فكرة الاستثنائية الأميركية، لا سيما إذا ارتبطت في أذهان العالم بجزئية مطاردة الإرهاب بنوع خاص. في مؤلَّفه الشهير «الاختيار.. السيطرة على العالم أم قيادة العالم»، يحدّثنا الرجل العاقل، بأن التركيز الأساسي على الإرهاب -كما في حال قانون «جاستا»- جذاب سياسياً على المدى القصير، فهو يتميز بالبساطة، وبتضخيم العدو المجهول.

واستغلال المخاوف الغامضة يمكّن من حشد الدعم الشعبي، لكن الاعتماد على ذلك كاستراتيجية بعيدة المدى يفتقر إلى القوة المستمرة، ويمكن أن يكون باعثاً على التقسيم على الصعيد الدولي، ويمكنه أن يولّد جواً من عدم التسامح مع الآخرين (كل من ليس معنا فهو ضدنا)، ويطلق العنان للعواطف العصبية، ويمكنه أن يخدم كنقطة انطلاق لوصف أميركا الاعتباطي للدول الأخرى (بالخارجة على القانون).

ونتيجة لذلك، فإنه يشكل خطراً من أن تصبح صورة أميركا في الخارج أنها منهمكة في شؤونها الخاصة، وأن تكسب الأيديولوجيات المعادية لأميركا مصداقية دولية، بتسمية الولايات المتحدة بأنها شرطي عيّن نفسه بنفسه.

من بريجنسكي إلى مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد كلينتون، ففي مؤلفها «الجبروت والجبار.. تأملات في السلطة والدين والشؤون الدولية»، تطرح بشكل واضح جدلية العلاقة بين فكرة الاستثنائية الأميركية، ومدى التزام السلطة في البلاد بالقوانين الدولية والأعراف العامة. إنها تضع الجميع أمام استحقاق سؤال مركزي: «هل الأميركيون خاضعون للقواعد ذاتها التي تخضع لها الأمم الأخرى أم لهم حق التصرف كما يحلو لهم؟». 

تنكر أولبرايت على الرئيس ماكينلي قوله «إن لدى الأميركيين تفويضاً بفرض إرادتهم على البشرية جمعاء»، وعندها أن سياسة الهيمنة تتناقض مع الصورة الذاتية للولايات المتحدة، وتشكل طريقة رديئة لحماية مصالح البلاد. تضع أولبرايت يدها على جرح «الاستثنائية الأميركية» الخطير، فقد تبين لها أن: «تطبيق تلك الاستثنائية في خدمة ما اعتقد قادتنا أنه المبادئ الصحيحة والمثل العليا -كما هو الحال في العراق- استنزاف مميت للموارد الأميركية والقوة العسكرية والهيبة». 

الاستثناء الأميركي عند أولبرايت لا يَدين بعمره الطويل إلى قوة الولايات المتحدة، بل إلى الحكمة والانضباط اللذين مورست بهما تلك القوة في الغالب، بما في ذلك عدم استخدام القوة العسكرية فحسب، بل أيضاً المقدرات التي يمكن أن تسهم في أمن أميركا وسمعتها الطيبة، و«جاستا» دون أدنى شك ليس واحدة من تلك الآليات.

الاستخدام الحذر للقوة

في خطابه الافتتاحي عام 2009، ذكر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن: «قوتنا تتزايد من خلال استخدامها الحذر، كما ينبع أمننا من عدالة قضيتنا، وقوة نموذجنا والتمسك بصفات التواضع والانضباط».

كان أوباما ملتزماً حتى الساعة بهذه الرؤية، وقد عبّر عن ذلك عملياً برفض مشروع قانون «جاستا» قبل إقراره رسمياً، بل استخدم الفيتو ضده.

في بداية فترة مسؤوليتها كوزيرة لخارجية أميركا في إدارة أوباما الأولى، كانت هيلاري كلينتون تؤكد أن: «أميركا لا يمكنها حل أكثر المشكلات إلحاحاً، كما لا يمكن للعالم أن يحل تلك المشكلات دون أميركا، بل يتعين علينا أن نستخدم ما يطلق عليه القوة الذكية، وهي سلسلة كاملة من الآليات التي تحت إمرتنا».

هل يمكن اعتبار «جاستا» من بين أدوات وآليات القوة الذكية؟ وإن لم يكن ذلك كذلك فهل مخاوف هيلاري من خسارة الانتخابات الرئاسية هي ما دفعها إلى تأييد «جاستا» في الحال والعمل على تطبيقه حال بلوغها البيت الأبيض؟

«القوة لا تعني دعماً مجانياً للاستثنائية»، هكذا يخبرنا البروفيسور «جوزيف ناي» أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد، وصاحب تعبير «القوة الناعمة»، فالتفوق لا يعني الإمبراطورية أو الهيمنة، لا سيما أن أميركا اليوم، وكما يقال باللغة اللاتينية، باتت «الأول بين متساويين».

ولم تعد الولايات المتحدة تتقدم الجميع بامتياز في عالم متعدد الأطراف ومتنوع الأقطاب... هل يمكن أن تكون أميركا عند لحظةٍ ما قوة استثنائية حقيقية، بعيداً عن «غطرسة جاستا» الإمبراطورية؟

يمكن أن تنتصب قلعة فوق تلة بمفردها فقط، وتلقي بظلها المرعب على كل ما هو تحتها... إذا اتصفت أميركا بهذه الصفة، فسوف تصبح محط الكراهية العالمية وهذا هو طريق «جاستا» المؤكد. في المقابل، فإن مدينة فوق تل، يمكنها أن تضيء العالم بأمل التقدم الإنساني، لكن فقط في بيئة يكون فيها ذلك التقدم مؤكِداً لرؤية وحقيقة يمكن للجميع الوصول إليها، لا يمكن أن تُخفي مدينة مبنية على جبل... لا سيما إذا كانت أنوارها لجميع الناس حقيقية غير مغشوشة ولا منحولة. 

لحظة اختيار واختبار حقيقيين يعيشها العالم كله وليس أميركا فحسب، هل سيمضي «جاستا» قدماً أم ستكون له مراجعة أمريكية عميقة لاحقاً؟

إميل أمين- الاتحاد الاماراتية-