اقتصاد » فرص عمل

العمالة الأجنبية في دول الخليج.. إشكاليات وممارسات

في 2016/12/07

 لست في صدد التحدث عن آثار وجود العمالة الوافدة في سائر الدول الخليجيّة بوجه خاص على على التركيبة السكانية والديموغرافية في منطقة الخليج حيث قارب عدد العمالة الأجنبية الداخلة في سوق العمل ما يساوي نصف عدد السكان الأصليين تقريبا،  وسبق وإن طُرِحَتْ الأبعاد والآثار السلبيّة ومخاوف تواجدهم والإشكاليات الناجمة عن ذلك  غير أن أغلب دول الخليج العربي وضعت خططا  استراتيجية طموحه لمستقبل اقتصادي واعد وتنمية شاملة وإصلاحات اقتصادية  كبرى تتطلب الكثير من الإمكانيات والمهارات في الوقت الذي نجد فيه أكثر من 70% من المواطنين الخليجيين يعملون في القطاع العام  تاركين القطاع الخاص والبنوك والمصارف والمؤسسات الخدمية كالمستشفيات والمدارس والمؤسسات العقارية والإنشائية والاستشارية  في أيدي عمالة وافدة  تُجَيِّر السوق وفق مصالحها  وهناك نماذج كثيرة توضح أشكال الخضوع منها أهمها:  اقتصار بعض القطاعات على جنسيات بعينها، ونجلزة القطاع الخاص حتى بدت اللغة العربية دخيلة على السوق، وبالتالي فإن كل المؤشرات تقول بأن  تنفيذ الخطط ستواجه عراقيل إذا ما وقفت في طريق  وجود العمالة،  هذا بالإضافة إلى إن  تنفيذ تلك الخطط  سيكون من قبل عمالة  وافدة شرعية وغير شرعية   والبعض منها مدرب تدريبا متوسطا وآخر غير مدرب التدريب المناسب للمشروعات المستقبلية.
فكيف نتوقع  مستقبل الخطط في دول الخليج العربي وهي تعاني حاليا من تفشي الممارسات غير المحمودة إداريا، وفنيا  واستفحل خطرها في المنظومة المهنية مع الزيادة المطردة للعمالة الوافدة في السوق  كالاحتيال والغش والرشاوى  وتزايد في عدد العمالة غير المشروعة وغيرها الكثير .
فالكثير من العمال يهجرون أوطانهم باحثين عن حلم الثراء وتلبية احتياجات الأسرة إلى الدول ذات النمو الاقتصادي المتصاعد؛ بل إنّ البعض منهم يخاطر بالهجرة غير المشروعة وآخر يقبل بأي فرصة تتاح له  وإن كانت لا تتلاءم مع مهاراته ولإتمام الحلم  ويتحمَّل العامل الوافد نارين؛ نار الغربة، ونار الديون، وقد نغفل دون قصد منا البعد الإنساني لقضية العمالة الوافدة  دون قصد منا  إلا أن هذا البعد هو الأساس لكثير من المشكلات التي نواجهها في مسألة العمالة غير المشروعة أو المشروعة. غير أنّ السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا نتوقع من إنسان هاجر مضطرا  وهو مكبل بالديون؟  هل نتوقع منه أن يقف مكتوف الأيدي بعد غربته أم إنه سيسلك  كافة الطرق والسبل لتوفير حاجته وسداد ديونه.
وتعد دول الخليج العربي منطقة جاذبة للعمالة لسببين: الثقافة الترحابية، والمستوى المعيشي المرتفع إضافة إلى وجود فجوات في سوق العمل  وتعد ميزة إضافية لجذب العمالة.  إلا أن أهم مايعيب سوق العمل الخليجي هو سهولة بقاء وجذب  العمالة الوافدة غير المشروعة  كالعمالة المنتهية تأشيراتهم أو “العمالة الهاربة” أو “عمالة أسواق الظل” .
ومن الطبيعي أن تواجه الدول الغنية من جراء الهجرات غير المشروعة فمن طبيعة الإنسان أن يرحل بحثا عن مصدر الرزق  ولا يمكن منع تلك الهجرات أو تفاديها  لكن ما يعد خطرا على التركيبة  السكانية  عندما يزداد أعدادهم، وهم يمثلون في أغلب دول الخليج ما يماثل عدد السكان الأصليين وسوق العمل أو أكثر .
وتكمن مشكلة العمالة غير الشرعية في أنها  شكل من أشكال الأنشطة غير القانونية التي تدمر  النسيج الاجتماعي والاقتصادي والأمني ولا يمكن الاعتماد عليها في بناء المستقبل  فهناك من أصحاب المصالح من يتعمدون استغلال الثغرات القانونية في  إدارة شبكات  منظمة للعمالة غير الشرعية كالأنشطة  المختلفة في أسواق الظل، والدعارة، والسرقات والمخدرات  وغيرها من المجالات  ومن جانب آخر فإنه  يصعب على أصحاب الأنشطة القانونية  والشركات من ملاك المشروعات التنافسية  مع المؤسسات التي توظف “العمالة السائبة” – إن جاز التعبير – فالالتزام بقواعد السوق مكلف ماديا. أمَّا العمالة غير الشرعية فتوظيفهم لا يكلف شيئا لأن الأول ملزم الالتزام بقواعد السوق وقوانينها ودفع الضرائب وتطبيق العقود الشرعية أمَّا العمالة غير الشرعية فليسوا ملزمين بالعقود ودفع الضرائب كما إنه ليست لهم أية حقوقوإن تم انتهاك حقوقهم يلتزمون الصمت خوفا من الترحيل  ومن الصعب ملاحقتهم، أو مطالبتهم حتى وإنْ ارتكبوا المخالفات أو الجرائم لذلك قد يخسر المستهلكون حقوقهم أيضا  كما تخسر الدولة!
ويعد الاحتيال من أكثر الأسباب التي تنمي وجود العمالة غير المشروعة  فالوسطاء الأجانب في وطن الأم والبلد المضيف يساعدون في استمرار المشكلة  والتوظيف غير القانوني  للعمالة  فغالبا من تكون المهن المذكورة في التأشيرات مختلفة عن الوظيفة الحقيقية  لذلك من المهم  معالجة المسألة من جذورها من خلال تشديد القوانين لمحاربة سوق الظل  بتشديد القوانين والغرامات والعقوبات على سماسرة سوق الظل وتعديل عقود العمل  مع الدول المصدرة للعمالة  بما يكفل حقوق الدولة المضيف والمستهلك الذي عادة ما يكون ضحية  خصوصا في مسالة العمالة المنزلية الهاربة.
والأمر أخطر من التعامل مع قضية الهجرة من منطلق اقتصادي فقط  لأن البعد الإنساني  أساس الأزمة والشرور فنحن أمام مشكلتين؛ مشلكة  عمالة تبحث عن (أموال) للوفاء بمتطلبات أُسَرٍ عالقةٍ في الوطن و أُسَر قد تتعرض للإساءة والاستغلال.
 إن العمالة غير المشروعة تمثل مشكلة معقدة وتحتاج إلى حلّ  لأنها لا تشكل مشكلة اقتصادية فحسب بل  تتعدى ذلك إلى خلق العديد من التراكمات والمشكلات الأمنية  والاجتماعية والإنسانية  والاستراتيجية نظرا للمشكلات  والجرائم والانتهاكات الناتجه عن تواجدهم غير المشروع  فالدخول بريا أو بحريا عن طريق التهريب والهروب المنظم من الكفلاء  وجشع بعض الكفلاء بقيامهم بتسريب العاملين للعمل في أنشطة غير شرعية والأنشطة غير المسجلة رسميا  كلها تحمل  تحت طياتها أبعادا  غير إنسانية.
ولا يختلف اثنان على أننا مازلنا نحتاج إلى أيدي عاملة ماهرة في المجالات الفنية  فالتنمية الاقتصادية تعتمد بشكل عام على  المورد البشري المتخصص  ومن ينطر  إلى تركيبة العمالة في الدول الخليجية يجد أن هناك فجوات كثيرة  تتيح  المجال لاستقطاب أكبر نسبة للعمالة من الخارج ويمكن تلخيص الأسباب في النقاط التالية:
–         أولا – نقص  في البرامج الحرفية والمهنية  مقارنة بحاجة القطاع الاقتصادي التي تستقطب أيدي عاملة وطنية بمختلف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية  أي مؤسسات معنية بتأهيل المواطنين بغرض إيجاد مصادر رزق لهم.
–         ثانيا – المؤسسات المهنية التي تتولى التدريب على الحرف مازالت مقتصرة على تخصصات بعينها وتستوعب عددا يسيرا من المدخلات
–         ثالثا – المشهد التعليمي مشتت بين أكثر من جهة وهذا يعرقل مسألة تحديد  سياسيات التعليمية في العقود الثلاث الأخيرة لعبت دورا غير مباشر في  زياده الفجوة في منظومة العمل  وزيادة العمالة الوافدة فقد أصبح التركيز الأكثر على التعليم الأكاديمي  والاتجاه نحو تخريج حملة المؤهلات العليا على حسب الحرف والمهن  الحرفية  متجاوزين الطبيعة الكونية في أن البشر غير متساوين في المهارات والقدرات وإن المجتمعات تحتاج إلى الحرفي كحاجتها إلى  الطبيب أو المهندس مما ساعد على تكوين ثقافة عمل  منفرة من الحرف واعتبارها وظائف دنيا.
–         رابعا – ترفض بعض الأسر امتهان أبنائها لبعض الحرف لكونها غير مجزية علما بأن أغلب الحرف تتطلب مهارة فنية كما ساعدت التكنولوجيا الحديثة في تقليل المشقة ويمكن أن تكون لبنة أساسية في القطاعات الصناعية والتكنولوجية والإنشاءات
 وهناك حلول كثيرة ممكن أن تقلل من حدة المشكلة  ومن أبرزها التطبيق الصارم للقوانين  كعقوبات ضد العمال غير الشرعيين وأصحاب الأعمال الذين يثبت توظيفهم كغرامات كبيرة وتحمل تكلفة الترحيل وأية مصروفات أخرى،  وضع استراتيجية لمكافحة العمل غير المشروع بجملة من القوانين وحملات توعية الرأي العام بتبعات القضية إلى جانب فتح معسكرات إيواء مؤقتة لجمع العمالة غير المشروعة  لتصحيح أوضاعهم القانونية ومعالجة أوضاعهم إنسانيا وخاصة لمن يمتلكون مهارات عمل تتوافق مع احتياجات السوق وذلك بفتح المجال أمام المؤسسات والشركات الجادة  لاختيار العاملين من هذا المعسكر وترحيل البقية إضافة إلى تكثيف حملات التفتيش  لضبط الأعمال غير المشروعة .

مرفت عبد العزيز العريمي- رأي اليوم-