ملفات » الخليج 2016

ظلال «الدولة الإسلامية» تخيم على السعودية

في 2016/12/28

كان تحذيرًا شديد اللهجة في ذروة معركة حلب من «ميشيل كيلو»، المعارض السوري البارز، أنّ تدخل السعودية في شؤون بلاده سيتحول ببساطة «خرابًا يدمرهم في نهاية المطاف».

وأضاف: «إذا لم تصل الأحداث في بلادنا إلى نهاية، سيتحرك الإرهابيون باتجاههم أضعافًا مضاعفة. وسنرى في نهاية المطاف ماذا سيحدث لهم. إنّهم يعيشون فقط لأنّ لديهم المال».

ويلعب تحذير «كيلو»، أو قل تهديد «كيلو»، على وتر ما يخاف منه الكثيرون في دول الخليج. وقد قاد دعم السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي للثوّار الذين يقاتلون الرئيس «بشار الأسد»، إلى إطالة مدى الحرب، دون تحقيق أهداف حقيقية وسيكون لذلك عواقب غير مقصودة. وقد تواجه مناطق الخليج تدفقًا للمسلحين بعد الهزائم المتتالية لجماعات مثل الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في العراق وسوريا.

ووفقًا لـ«صوفان جروب»، يوجد 2500 سعوديًا يقاتلون لصالح مثل تلك الجماعات، وهو العدد الأكبر بين دول الخليج. وعلى النقيض، يوجد فقط 70 كويتيًا يقومون بالمثل.

وقد بلغ التهديد بالفعل حدود دول الخليج، وحدثت عدّة هجمات داخل السعودية أعلنت فيها «الدولة الإسلامية» مسؤوليتها أو تمّ إلقاء اللوم عليها. ووفقًا لخبير مكافحة الإرهاب دكتور «مصطفى العامي» من مركز أبحاث الخليج، ألقت السعودية القبض على 500 شخص على صلة بالدولة الإسلامية منذ عام 2014، لكنّ الهجمات لا تزال مستمرة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، ألقت السعودية القبض على 4 أشخاص من محافظة شقراء بسبب ما قيل عن تدبيرهم لهجوم على استاد الجوهرة لكرة القدم خلال مباراة بين السعودية والإمارات وأخذهم الأوامر من «الدولة الإسلامية» في سوريا. وقبل شهر، تمّ إلقاء القبض على 17 شخصًا بسبب التنسيق مع «الدولة الإسلامية» والتخطيط لهجمات على مدنيين وأفراد أمن ومواقع حكومية.

وفي يوليو/ تموز، استهدفت 3 هجمات انتحارية مدنًا سعودية في جدة والقطيف والمدينة. وفي جدة، أصاب مغترب باكستاني 2 من ضباط الأمن في هجوم استهدف القنصلية الأمريكية. وتمّ استهداف مسجد للشيعة في القطيف. وفي المدينة، استهدف تفجير مكتبًا للأمن بالقرب من المسجد النبوي. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجمات، لكن الشكوك، كالعادة، تشير إلى «الدولة الإسلامية».

وفي الكويت، في الوقت نفسه، تمّ اعتراض شبكة «للدولة الإسلامية» في يوليو/ تموز، بعد عام من قتل المجموعة لـ 27 شخصًا في هجوم انتحاري على مسجد للشيعة.

وقد تكون «الدولة الإسلامية» الآن قادرة على اللعب في قضايا عميقة الجذور لتقسيم دول الخليج، بما في ذلك الطائفية التي مزّقت دولًا مثل العراق وسوريا، حيث استهدف التنظيم مواقع للشيعة في القطيف في المنطقة الشرقية السعودية الغنية بالنفط، حيث يقطن غالبية الشيعة في البلاد.

وتواجه الكويت تهديدات مماثلة، حيث يبلغ الشيعة 30% من سكانها، والذين يحتفظون حتّى الآن بعلاقات جيدة مع الأغلبية السنية في البلاد.

ووقعت هجمات القطيف ضمن النعرة الطائفية التي تحدّث بها علنًا «أبو مصعب الزرقاوي»، زعيم «الدولة الإسلامية» في سنوات تكوينها في العراق، والذي تعهّد باستهداف الشيعة لتعزيز موقف التنظيم بين السنّة في العراق، وهي الاستراتيجية التي اعترض عليها «أيمن الظواهري» زعيم القاعدة.

شبكات غير متطورة

ومع ذلك، فإنّ شبكات المسلحين في دول الخليج غير متطورة، وقال «العاني» أنّ «الدولة الإسلامية» تفتقر لوجود «هيكل حقيقي» في السعودية، ولا تزال بعض الخلايا الصغيرة والأفراد يعملون داخل البلاد. وهؤلاء عبارة عن سعوديين يفتقرون للتدريب الجيد بشكل عام، وهذا يوضّح ضعف التنفيذ في معظم الهجمات داخل السعودية.

وأضاف العاني أنّ «هؤلاء المسلحين من بين الأقل تعليمًا، وعزلة اجتماعية، وبحثًا عن الغاية».

ورغم ذلك تبقى أعداد المجندين قليلة رغم بروز شخصيات مسلحة في سوريا، مثل عضو «الدولة الإسلامية»، «تركي بن علي» والشيخ «عبد العزيز القطري» مؤسس جند الأقصى، الذي اندمج مؤخرًا مع جبهة النصرة. وفشلت «الدولة الإسلامية» في جذب الشباب الخليجي، على عكس القاعدة في الماضي، والتي أسسها سعوديون.

وقال «العاني»: «يمكن تفسير ذلك بأنّ على العكس من القاعدة، التي هيمن عليها السعوديون، فإنّ الدولة الإسلامية يحكمها العراقيون والأردنيون».

كما انخفض تواجد وتأثير إعلام التواصل الاجتماعي للدولة الإسلامية بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، بعد تقلّص «الخلافة» في سوريا والعراق، ومع ضغط إعلام أعدائها بـ «حرب إلكترونية» جديدة ضد الجماعة.

وقال «عبد الخالق عبد الله»، الباحث الإماراتي المتخصص في شؤون الخليج، أنّ صورة التنظيم قد تظل منخفضة في دول الخليج.

وأضاف: «تناشد الدولة الإسلامية كل مسلم في دول الخليج يحلم بالصحوة الإسلامية. ومع ذلك، كلما خسرت الخلافة الأرض، تراجعت قوّة تأثيرها وانخفضت قدرتها على مداعبة الخيال».

وماذا عن المال الذي أشار إليه كيلو؟ تمّ اتهام السعودية بشكل متكرر بدعم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، تمّ التجسس على البريد الإلكتروني الخاص بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، ووجد اعتراف لكلينتون بأنّ شخصيات من السعودية وقطر قد قدّموا الدعم للدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات.

بين السعودية و«الدولة الإسلامية»

كما تجد السعودية نفسها في مأزق بأنّ الدولة الإسلامية قد استلهمت أفكارها من الوهابية، التي تسود في المملكة.

ولم يرغب أي من المحللين الذين تحدّثت إليهم «ميدل إيست آي» في مناقشة تلك الادّعاءات. وقد أنكرت السعودية وحلفاؤها مرارًا وتكرارًا التمويل المباشر ودعم «الدولة الإسلامية» والجماعات الشبيهة، وأكّد مسؤولون أمريكيون أنّ الأموال التي تمّ ضخّها في ساحة المعركة أتت عن طريق مستثمرين.

وقد طعنت «الدولة الإسلامية» مرارًا وتكرارًا في شرعية آل سعود، واعتبرتهم عملاء للولايات المتّحدة.

ويقول الخبير الأردني «حسن أبو هنية»، الذي يركز على نشاطات العنف: «يؤكد التنظيم على أنّ السعودية موالية للغرب ولا تمثّل الإسلام السنّي الصحيح».

وفي الواقع، هدّد «أبو بكر البغدادي»، الذي نصّب نفسه خليفة للدولة الإسلامية، السعودية في أكثر من مناسبة وخطبة، آخرها في نوفمبر/ تشرين الثاني، وأعلنت «الدولة الإسلامية» عددًا من الولايات في المملكة مثل نجد والحجاز.

ودعا «البغدادي» أتباعه لإطلاق «هجمات متتابعة» داخل السعودية، بسبب «انحياز السعوديين إلى الدول الكافرة في حربها على الإسلام والسنّة في العراق وسوريا».

الأزمة الاقتصادية

ويوجد اتجاه آخر في الخليج قد يساعد أيضًا «الدولة الإسلامية» على التجنيد، وهو مواجهة المنطقة لأزمة اقتصادية منهكة هذا العام.

وتحدّثت مصادر أمنية، بشرط عدم الكشف عن هويتها، حول أنّ السعودية تشهد تدفقات غير مسبوقة لرؤوس الأموال إلى الخارج، مع وجود أفراد من العائلة المالكة وعائلات رجال الأعمال ينقلون أموالهم إلى خارج البلاد.

وأظهرت الميزانية الأخيرة للمملكة عجزًا بلغ 98 مليار دولار. وخفّضت الرياض رواتب وزرائها بنسبة 20 بالمائة وقالت أنّها ستخفّض أجور أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15 بالمائة وكذلك موظفي القطاع العام.

واعترف الملك «سلمان» مؤخرًا بأنّ السياسات الاقتصادية كانت «مؤلمة» لكنها لازمة من أجل تأمين مستقبل البلاد خلال الظروف الصعبة.

وتعد هذه قضية مثيرة للقلق بالنسبة لـ«أبو هنية». وفي حين يظهر أنّ السعودية ودول الخليج قد احتوت التهديدات المسلحة الحالية، قد يكون المستقبل مختلفا.

وأضاف: «قد يؤدي ضعف العقد الاجتماعي في دول الخليج بجانب التنافس السياسي إلى دفع الناس للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في المستقبل».

ميدل إيست آي- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-