ملفات » الخليج 2016

رهانات التحول.. هل تستطيع السعودية إصلاح نفسها؟

في 2016/12/31

في عام 2017، ستستمر السعودية في متابعة الهدفين الرئيسيين اللذين حدّدهما الملك «سلمان» حين اعتلى العرش في يناير/ كانون الثاني عام 2015، الحدّ من الإنفاق الحكومي واعتماد الاقتصاد على عائدات النفط، وتعزيز موقف المملكة كقوّة إقليمية مهيمنة تستطيع مواجهة أية تهديدات، وخاصةً من قبل إيران.

ويشرف ابن الملك، البالغ من العمر 31 عامًا، ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، والذي يشغل أيضًا منصبي وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، على الإصلاحات في البلاد. ويتمتع الأمير بشخصية كاريزمية وحيوية، مع التزام واضح وجدية في الإصلاح، قد أثار إعجاب الشباب السعودي (70% من السعوديين أقل من 30 عامًا)، كما اكتسب إعجاب العديد من المراقبين الأجانب. وقد تعهّد بجعل الحكومة أكثر خضوعًا للمساءلة وتمتّعًا بالشفافية، كما وعد بتوفير مزيد من الفرص الاقتصادية لمواطني المملكة.

إلّا أنّ الإصلاح سيكون صراعا عبثيا، لأنّ الدولة توظّف ثلثي سكانها، بالإضافة إلى الثقافة الممتدة منذ عقود بالاعتماد على الدعم والمساعدات والاستحقاقات الوظيفية السخية التي تقدّمها الحكومة. وسيكون من الصعب فطام السعوديين عن الصدقات والإعانات التي تقدّمها الحكومة، ومحاولة دمجهم في اقتصاد لا تكون فيه الدولة هي الطرف المهيمن.

ولتحقيق أهدافها، ستضطر الحكومة لخفض الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم والطاقة ودعم المرافق. بالإضافة إلى فرض أشكال جديدة من الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة، وضرائب الأراضي. كما ستعمل على خلق بيئة تنافسية بين شركات القطاع الخاص لخلق فرص عمل أكثر في المستقبل. وبالتالي، سيتعين على أسرة آل سعود إعادة تشكيل العقد الاجتماعي مع رعاياها. واستنادًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، الفضاء الرئيسي لتعبير السعوديين عن آرائهم بحرية، سيطالب الشعب السعودي بأكثر من إبداء رأي رسمي في الحكومة.

أكثر إلحاحا

وأصبحت الإصلاحات السعودية أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط المستمر، وعجز الموازنة الذي وصل إلى 16 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي السعودي، الذي انخفض من 745 مليار دولار عام 2014، ليصل إلى 545 مليار دولار. وتمّ تفصيل خطّة الأمير «محمد» في وثيقتين، رؤية 2030 التي أطلقها في أبريل/ نيسان عام 2016، وبرنامج التحوّل الوطني، الذي أعلن عنه بعد ذلك بشهرين ويسرد السياسات التي من المفترض اتباعها حتّى عام 2020

وتعرض كلتا الوثيقتان أهدافًا طموحة، تظهر الرغبة في التعرّض لبعض المحرّمات. ويحدّد برنامج التحول الوطني الأهداف المالية، ويسرد مسؤوليات إدارية جديدة، ويقترح العديد من المبادرات والأساليب لقياس الأداء، لكنّه لا يحدّد كيفية تحقيق تلك المقترحات. وفي حين سيكون التنفيذ السليم بالغ الأهمية لنجاح البرنامج، عبّر العديد من المراقبين عن شكوكهم حول مدى جاهزية الإدارة السعودية الحالية لتنفيذه بفعالية.

ومع ذلك، لا شكّ في أنّ النظام الاقتصادي الحالي للمملكة لا يمكن تحمّله. فالمصدر الأساسي لعائدات المملكة، النفط، يواجه الآن المنافسة من الإمدادات البديلة، مثل النفط الصخري، وتكنولوجيا الطاقة البديلة، مثل الرياح والطاقة الشمسية. وكذلك تمثّل الرواتب والعلاوات الحكومية عبئًا لا يمكن السيطرة عليه، حيث تمثّل 50 بالمائة من الموازنة.

لكن، من الجدير بالذكر أنّ الأمير «محمد» قد نفّذ بالفعل إصلاحات غير مسبوقة. فقد خفّض دعم الطاقة، وخفّض رواتب الموظّفين بنسبة 16 بالمائة، ويناقش خططًا لخصخصة عدّة قطاعات اقتصادية مثل الرعاية الصحية والمياه والكهرباء. والأهم من ذلك، تدرس الحكومة السعودية طرح اكتتاب عام أولي بـ 5 بالمائة من شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة، أرامكو.

وتأمل الحكومة في تحقيق 100 مليار دولار من عملية البيع، والتي ستموّل، إلى جانب مصادر أخرى، أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، والذي ستتركّز استثماراته على تنويع مصادر الدخل. وبالطبع، تأتي هذه الخطّة مع بعض المخاطر، لأنّ الميزانية العمومية لشركة أرامكو بجانب الأرقام الحقيقية لاحتياطيات النفط سيتم مراجعتها، ولن تحظى مرّة أخرى بالهالة السيادية والسرّية التي كانت تتمتّع بها.

الإصلاح السياسي

وستكشف مثل تلك المراجعة إلى أي مدى تغوّلت يد الأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية على عائدات الشركة من أجل تعزيز شرعيتها. وهذا بالمقابل، يشدّد على أهمية وجود إصلاح سياسي، وهو ما لم يذكر في رؤية 2030 أو في برنامج التحوّل الوطني. لكن بلا شك، سيتعين تغيير النظام السياسي، لأنّ ردّ فعل السعوديين لن يكون جيدًا على فقدان الاستحقاقات الحكومية، إذا وجدوا أنّ الأسرة الحاكمة لا تزال تتمتّع بسخاء الدولة.

لكن وعلى الرغم من أنّ مسألة الإصلاح السياسي حسّاسة للغاية لدى الأسرة المالكة، اتّخذ الملك «سلمان» عدّة خطوات مشجّعة. على سبيل المثال، فقد جرّد الشرطة الدينية من إمكانية مضايقة واعتقال الناس في الأماكن العامة لمخالفتهم المعايير الإسلامية. وقد وجّه رسالة بأنّ العائلة المالكة ليست فوق القانون، بعد سماحه بمحاكمة وإعدام أحد الأمراء بتهمة القتل، وآخر تمّ جلده بتهمة لم يكشف عنها.

وأشار الأمير «محمد»، من جانبه، أنّه قد يسمح للمرأة بالقيادة في المستقبل القريب، لأسبابٍ ليس أقلّها حاجة إصلاحاته الاقتصادية لمزيد من المشاركة النسائية في العمل. لكنّ إصلاحاته ستواجه مقاومة بالتأكيد. ففي حين أنّ تحويل اقتصاد دولة ريعية إلى حدٍّ كبير بالغ الصعوبة، فإن إصلاح النظام الملكي المطلق أكثر صعوبة، ومن المرجّح أنّ العديد من أعضاء البيروقراطية السعودية سيكونون غير سعيدين بالإصلاحات، ليس فقط لصعوبة التغيير، ولكن أيضًا لأنّ شركات استشارات أجنبية مثل شركة ماكينزي وشركاه ومجموعة بوسطن الاستشارية قد تمّ الاعتماد عليها من أجل صياغة السياسات الجديدة.

لكن، بغض النظر عمّن يتحمل المسؤولية، لا مفرّ من تنويع السعودية لاقتصادها وإصلاح نظامها السياسي، وإلّا ستنهار كل الترتيبات القائمة في نهاية المطاف. وقد لا يكون العام المقبل أفضل مما مضى، أسعار النفط منخفضة، والمنطقة تشهد عدم استقرار بشكلٍ متزايد، والعلاقة مع إيران لا تزال عدائية، ولكن كل هذا يعطي القيادة السعودية الفرصة لفرض التغييرات المزعجة.

من المرجّح أن يستمر ولاء السعوديين لآل سعود، لأنّه لا يوجد قيادة بديلة. لكن لا ينبغي الاستهانة برهانات التحوّل الجاري في المملكة العربية السعودية، نظرًا لدورها الكبير في إنتاج النفط العالمي. فلن يؤثّر نجاحها أو فشلها على الاستقرار الإقليمي فقط، بل وعلى الاستقرار العالمي كذلك.

برنارد هايكل - ليفمنت- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-