ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

«2030» من زاوية أخرى

في 2017/01/13

يقول أحد الحكماء: «من كوارث البشر أنهم قد يمحون كل تاريخك الجميل مقابل موقف آخر لم يعجبهم».

إن الحديث عن قضايا المجتمع لا شك أن لها كُتابها ولها أهميتها عند كثير من أفراد المجتمع، إذ يعتبر الحديث عن القضايا المجتمعية الداخلية امتداداً للحال الشعبية السائدة والأحداث المتداولة في المجتمع، والواجب نقلها بطريقة أكثر علمية ووضوح حتى الوصول إلى صورة مقنعة.

منذ إعلان رؤية المملكة 2030، لم تكف معظم مواقع التواصل الاجتماعي وبعض ممن ينقدون من خلالها من الحديث عن «الرؤية» وتحليلها والحكم عليها وجلدها من جهة وترميمها من جهة أخرى، وتارة ينادي ذاك الفريق بعالمية أفكاره ومحلية الخصم المقابل، وتارة يذهب الفريق الثاني بالتغني بالإنجازات مقابل ما تم عن الفريق الآخر، وتنتقل الكرة من هنا وهناك ويبدأ الهجوم حتى تأتي أقلام المدافعين مرة أخرى لقطع تلك الكرة ورميها في الجانب الآخر، وتستمر تلك المناورات حتى نفاد ما يمكن نفاده من صبر أو حبر أو بطارية للجوال أحياناً.

إن الحكمة هي البحث في حقائق الأشياء وليس الخوض في ما سيحصل والجزم على نتائج حصوله، كما أن كل من تناول «رؤية 2030» بشيء من السلبية فهو ظالم لنفسه مقيد للحقيقة، لأن «الرؤية» لم تبدأ نتائجها بالظهور حتى الآن! هذا من جهة، ومن جهة أخرى وهو المهم بنظري هو حقيقة أهمية «الرؤية» من زاوية مواجهة التحديات السياسية المستقبلية.

يجب أن يعلم نقاد «الرؤية» أن المملكة ليست كأي بلد متقوقع و«منضوٍ» على نفسه وكل تفكيره متى ترصف الشوارع وتنار الطرق، على أهمية تلك المشاريع، المملكة مهد الرسالة ومنطلق الإسلام، فهي راعية للإسلام والمسلمين ويتوجب في ذلك مساعدة المسلمين في كل العالم وتقديم العون لهم بكل الطرق، وذلك ولا شك يتطلب جهود جبارة، كما أن المملكة تقع في منطقة ملتهبة فيها الصراعات وتحاوطها التحديات ويكثر فيها ومنها الحساد ولم تنل المشاريع الغربية الجيواستراتيجية منها!

إن من المحزن ألا يعلم النقاد أن الرؤية الاستراتيجية ضد المنطقة هي حرب اقتصادية بامتياز، وأن زمن الحروب التقليدية انتهى وولى، فلا أعتقد أنك يوماً ستسمع عن إنزال النورماندي، أو حرب عالمية ثالثة أو رابعة، ولا أعتقد أنك ستقرأ مذكرات عن هتلر أو تشرشل ولا حتى ستالين.

أدركت القوى العالمية أن السيطرة على العالم لا تكون بالحروب والقتال والتخريب والدمار، وإنما تتم السيطرة على العالم بالاقتصاد والمال، فكل ما كنت متحكم بثروات العالم كل ما كنت مسيطراً، فكل ما تراه حولك من تخريب ودمار وشعارات الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة، والميليشيات وأخوات الجبهات من مسميات وتعبيرات، كلها مبررات لقوى التخريب والدمار للوصول إلى مصالح جيواستراتيجية تقود لمنافع اقتصادية في المنطقة، لفرض أجندتها والتحكم بالشعوب والثروات.

إن القارئ في السياسات الدولية والدراسات الاستراتيجية يعلم يقيناً أن هدف القوى الكبرى هو السيطرة على المزيد من الثروات وزرع بؤر توتر فيها، وإيهام العالم أنها القادرة على إنهاء وإيقاف تلك التوترات لتحقيق مزيد من الصفقات الاقتصادية.

إن تنصيب مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ما هو إلا بداية الفصل الآخر من الدمار، وهو الدمار الاقتصادي لشعوب المنطقة، إذ ذكرت في مقالة سابقة بداية الانتخابات عن توقعي تولي ترامب سلطة البيت الأبيض، لأن هذا الرجل هو أفضل مرشح لتلك المرحلة بتفكيره الاقتصادي البحت، والذي يريد تحقيق أهدافه الاستراتيجية من طريق المال والاقتصاد وتوريط المنطقة بمشكلات أكثر، ومحاولة استنزاف ما يمكن استنزافه اقتصادياً لإضعاف عناصر القوى الوطنية وتفكيك ما يمكن تفكيكه لمصالح جيواستراتيجية، وأن أفضل طريقة لمواجهة تلك المخططات هي نتائج «رؤية 2030» والصبر على ذلك.

عملت المملكة منذ عقد من الزمن تقريباً على حماية وصيانة الجبهة الداخلية ومحاولة ترميم ما يمكن ترميمية في المناطق العربية، لـ«لمّ» الشمل العربي والإسلامي، وكان ذلك وفق ما تقضية تلك الفترة وبطرق تختلف عن معطيات الفترة الحالية.

إن حماية البلاد والمقدسات في السنوات الخمس المقبلة على الأقل من منظور استراتيجي ومن توقع شخصي هي ببناء اقتصاد قوي ومتين وجذاب، ينافس الدول الكبرى ويسعى لفرض نفسه في الأسواق العالمية ويكسب ثقة الدول الصناعية وكل المستثمرين في العالم، إذ إن ذلك من شأنه تحييد بلادنا من كيد الكائدين ومن تفكير الحاقدين، لأن القوة الاقتصادية ولا شك تدفع عنك البلاء، وبها تستطيع الدولة رعاية شؤونها ومواطنيها ودعم الدول العربية والمحافظة على الهوية الإسلامية في دول العالم، وعلى إدارة الركن الخامس من الإسلام خير إدارة، ومن نقل المواطن والمقيم إلى مشارك قوي وفعال في المجتمع.

إن المنطقة تمر بمنعطفات ساخنة، ويتوجب على كل ذي لب الالتفاف خلف القيادة الرشيدة التي ولا شك تنظر إلى أبعد مما كتبت وقرأت.

يقول ميخائيل نعيمة: «ما أسرع الناس في خلق أسباب الشقاق وما أبطأهم في خلق أسباب الوفاق».

أسال الله أن يحفظ البلاد والعباد من كل مكروه.

رائد العسكر- الحياة السعودية-