ملفات » التحالف الإسلامي العسكري

سلطنة عمان.. كيف ينجح قابوس في السير على حبال السعودية وإيران معًا؟

في 2017/01/19

أبرز تقرير مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، للكاتبتين دينا إسفندياري، الباحثة والزميلة بمركز دراسات العلوم والأمن بقسم الدراسات الحربية في كلية كينجز كوليدج لندن، وآرياني طباطباي، المتخصصة بالدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، القرار المفاجئ بانضمام عُمان للتحالف الذي تقوده السعودية لمواجهة المجموعات الإرهابية، ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)؛ إذ إنَّ العلاقة بين السعودية وعُمان شابها الكثير من التوتر في ظل استمرار علاقة السلطنة بإيران، ورفضها مؤخرًا الانضمام لعدة ترتيبات وجهود أمنية خليجية مشتركة.

وجاء قرار مسقط بالانضمام لتحالف الرياض، والذي يحمل اسم «التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب»، ليحمل أكثر من دلالة، أهمها استعداد عُمان لتحوُّل سياسيّ وعسكريّ واقتصاديّ نحو الغرب، وأن السعودية أصبح لها اليد العليا في المنطقة. ومع ذلك، ترى الكاتبتان أن التحرك الأخير لا يمثل تغيرًا في الموقف السياسي العُماني، بل هو في الحقيقة استمرار لاستراتيجية مسقط التي تتبعها منذ سنوات طويلة في الموازنة بين السعودية، وإيران.

التحالف الإسلامي

بحسب التقرير، قادت السعودية تأسيس تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب في ديسمبر/ كانون الأول 2015، وهو التحالف الذي يضم 40 دولة إسلامية، ليس من بينها العراق وإيران -الدول ذات الأغلبية الشيعية في المنطقة- وهو ما يأتي تأكيدًا لرفض السعودية للتدخل الإيراني في الشأن العربي. ومع إعلان تأسيس التحالف في البداية، رفضت عُمان الانضمام؛ حفاظًا على سياستها الخارجية المستقلة، ولكي لا تفسد وضعها القائم مع إيران.

ويأتي التغيير الأخير في موقف مسقط من الانضمام للتحالف نتيجة لتزايد حالة الإحباط وخيبة الأمل من إيران، إذ توقعت عُمان مكاسب اقتصادية أكبر مع إعادة اندماج إيران في المجتمع الدولي من جديد، بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015، إلا أن عُمان لم تستفد بالقدر المطلوب، خاصة بعدما أعطت إيران الأولوية لإقامة مشاريع مع الشركاء الأكثر ربحًا، مثل الاتحاد الأوروبي. في هذا الوقت، شعرت عُمان بأن طهران تتباطأ في تنفيذ عدد من المشاريع المشتركة، مثل خط الغاز بين الدولتين، إذ وقعت عُمان في 2013 على مذكرة تفاهم تبدأ بموجبها تصدير 28 مليون متر مكعب من الغاز إلى إيران في 2015، إلا أن مسار خط الغاز تغير في 2016، ليتأخر موعد التشغيل إلى 2017.

يؤكد التقرير أن العلاقة بين مسقط وطهران هي علاقة طويلة الأمد ومستمرة، إذ استفادت مسقط من الدعم الإيراني في القضاء على تمرد كبير في البلاد في سبعينات القرن الماضي. واليوم، تعد عُمان شريكًا سياسيًّا واقتصاديًّا بارزًا لطهران. في الفترة بين 2012 و2013، تزايد حجم التجارة بين البلدين بنسبة 70%، ليصل إلى 873 مليون دولار. وبنهاية 2015، تجاوز الرقم مليار دولار. رحبت عُمان أيضًا بالاستثمار الإيراني المباشر في عدة مشاريع تهدف بالأساس لتنويع مصادر اقتصاد البلاد بعد أزمة النفط.

توازن بين الخليج وإيران

تدلل الكاتبتان على قوة العلاقة بين طهران، ومسقط بما حدث لدى مهاجمة السفارة السعودية في طهران في يناير/ كانون الثاني 2016، وما نتج عنه من قيام دول مجلس التعاون الخليجي بقطع، أو تقليل علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، إلا أن عُمان لم تحذُ حذوهم، واكتفت باستنكار الموقف فقط، بل وذهب وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله في زيارة إلى طهران في فبراير/ شباط التالي، لمناقشة سبل تعزيز العلاقات بين البلدين. وفي مارس/ آذار، أعلنت مجموعة «إيران خودرو» المنتجة للسيارات إنشاء خط إنتاج للسيارات في عُمان، باستثمار مشترك قيمته 200 مليون دولار.

بحسب التقرير، تفضل عُمان تسوية الخلافات من خلال التعاون المشترك، بدلًا من سياسة حافة الهاوية، أو سياسة المواقف الغاضبة، وهي السياسات التي ترسم العلاقة بين السعودية، وإيران حاليًا. يؤكد التقرير أيضًا وجود نقاط اختلاف بين مسقط، وطهران، ومن بينها خلافهم حول دور القوى الأجنبية في المنطقة، ففي الوقت الذي ترفض فيه طهران التدخل الغربي، تعتمد مسقط -كحلفائها في مجلس التعاون الخليجي- على القوى الأجنبية عاملًا مساعدًا لتحقيق الأمن.

وعلى الرغم من الشائعات التي تشير إلى مغادرة عُمان لمجلس التعاون الخليجي، لا ترغب السلطنة في أن تغضب حلفاءها في الخليج، إذ تظل دول مجلس التعاون الخليجي بمثابة السوق الرئيسي للمنتجات العُمانية. بحلول عام 2010، مثلت نسبة استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في عُمان قرابة 25%، مع استثناء النفط والغاز، وهي النسبة التي ازدادت لتصل إلى 50% فيما بعد.

تقول «فورين أفيرز» إن عُمان هي دولة صغيرة نسبيًّا، وغير مركزية في الخليج، وأنها تحظى بموارد أقل من جيرانها. دائمًا ما راهنت عُمان على العلاقات الودية مع جيرانها المباشرين، وهو السبب الذي قاد السلطان قابوس بن سعيد إلى تبني محادثات  حول الأمن الإقليمي مع دول الخليج عقب الاستقلال عام 1967، ومن بينها إيران والعراق. ويؤكد التقرير أيضًا أنه بعيدًا عن عدم رغبة عُمان في الانفصال عن مجلس التعاون الخليجي، فإن تكلفة هذا الانفصال باهظة، ولن تكون مسقط قادرة على تحملها.

دور الوسيط

وبفضل السياسة الخارجية المتوازنة والمستقلة، دائمًا ما تلعب عُمان دور الوسيط في المنطقة. أثناء حرب العراق، وإيران على سبيل المثال كانت هي الدولة الوحيدة التي واصلت علاقاتها مع إيران، كما ساعدت في النهاية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وفي الفترة بين 2010 و2011، تفاوضت عُمان وسهلت إطلاق سراح ثلاثة أمريكيين محتجزين في إيران، وفي 2012، استضافت مسقط أول محادثات ثنائية عالية المستوى بين إيران، والولايات المتحدة، والتي أدت في نهاية المطاف إلى المفاوضات النووية، واتفاقية 2015.

بحسب التقرير، عملت عُمان أيضًا طوال الخط للحفاظ على وجود علاقات مع كل أطراف الصراع السوري، كما استضافت المحادثات بين حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، وبين الحوثيين المدعومين من جانب إيران. ومع ذلك، تقول الكاتبتان إن جهود مسقط للوساطة لم تكن ناجحة دائمًا مع دول الخليج، كما كانت العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي رفض المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، كما رفضت الانضمام للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وهو ما أثار الكثير من الانتقادات لمسقط خلف الأبواب المغلقة، لا سيما في الرياض.

وفي ضوء ذلك، تحاول مسقط تعديل الأوضاع مع الرياض بانضمامها للتحالف الإسلامي، وهو ما يأتي على حساب إيران بالفعل، على الرغم من أن بطء طهران في اتخاذ قرارات تتعلق بالصفقات بين البلدين بعد الاتفاق النووي، قد تسبب في إحباط مسقط بالفعل. ومع ذلك، تحسنت الأوضاع بشكل جزئي مع رفع العقوبات الدولية عن إيران، لتعود طهران، وتعطي الأولوية لعلاقاتها مع عُمان مرة أخرى، وتُركز على إنهاء تفاصيل مشروع خط الغاز، ومشروع خط إنتاج السيارات. في الوقت الحالي، ترى إيران في عُمان وأرمينيا أفضل شركائها في المنطقة.

على المستوى السياسي، تتبنى عُمان منهجًا براجماتيًّا على طول الخط. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، اعترف يوسف بن علوي -وزير الشؤون الخارجية العُماني- بأن إيران تلعب دورًا مشروعًا في المنطقة، وأضاف أنه ليس من صالح دول مجلس التعاون الخليجي أن تتحد في وجه دولة مثل إيران. جاءت تصريحات أخرى لمسؤولين عُمانيين أيضًا تقول بأن الصراع الطائفي في الخليج لا يصب في صالح السلطنة، وأنهم يظنون أنه من غير الممكن عزل إيران، أو طرح ذلك الخيار.

رؤية مختلفة

بحسب التقرير، ترى مسقط أن إيران هي جزء من المنطقة، وهي قوة لا يستهان بها، بالإضافة لامتلاكها مساحة وتعداد سكاني كبيرين، وموارد هائلة. ربما لم يعد جيشها يملك نفس الإمكانيات التي كانت لديه قبل الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أنها ما زالت قادرة على تأكيد نفوذها في المنطقة بالكامل، بما في ذلك مضيق هرمز، الذي تتشاركه كلّ من عُمان وإيران. لذلك، تواصل مسقط دائمًا دعوتها لحوار بين طهران، والرياض لنزع فتيل التوتر بينهما.

في الوقت نفسه، لا يمكن لعُمان أن تتجاهل علاقاتها مع دول الخليج، وهي بالفعل تدفع ثمن رفضها لمزيد من التقارب والتحالف مع السعودية، إذ تعامل كدخيل على مجلس التعاون الخليجي، بل وكـ«عملاء لإيران». وهنا ينصح التقرير عُمان بالحفاظ على حالة الاستقرار، ويرى أنه من غير المفاجئ أن يأتي انضمام عُمان للتحالف الإسلامي بعد شهرين فقط من اتهام البلاد بشكل علني بالسماح لإيران بتهريب الأسلحة للحوثيين، وهو ما تسبب في انتقادات حادة لمسقط من دول مجلس التعاون الخليجي.

على مدار عقود، دائمًا ما تمكن السلطان قابوس من الحفاظ على سياسة خارجية متوازنة ومحايدة لبلاده، وهو ما جعله ينتفع من الدعم العسكري الإيراني، ومن الحماية الأمنية السعودية، بالإضافة لعلاقات اقتصادية مع كليهما. وترى الكاتبتان أن انضمام مسقط للتحالف الإسلامي سيكون خطوة في الطريق ذاته. على الرغم من أن تلك السياسة المتوازنة -في ظل التوترات التي تنتاب المنطقة- ربما تقود إيران أو السعودية إلى تعزيز التنافس بينهما؛ لتعويض آثار القرارات العُمانية، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن، وهو دليل على نجاح السياسة العُمانية.

فورين أفيرز-