اقتصاد » احصاءات

هل يمكن للسعودية النجاة مع أسعار نفط أقل من 60 دولارا؟

في 2017/01/20

مع تماسك اتفاق إنتاج أوبك، على الأقل حتّى الآن، بدأت التساؤلات حول مستقبل أكبر منتج للنفط في المنظمة. لقد كانت السنوات الأخيرة غريبة على المملكة العربية السعودية، وشهدت خلالها أول عجز في الميزانية في تاريخها الحديث، وسط انخفاض أسعار النفط وارتفاع المنافسة مع باقي أعضاء أوبك وازدهار النفط الصخري الأمريكي.

ومؤخرًا، تركّز الحديث في المملكة حول مستقبل المملكة، مع مبادرة رؤية 2030، والتي تأمل من خلالها تنويع الاقتصاد وإنهاء الاعتماد الكامل على النفط والغاز. لكن هل أكبر منتج للنفط في العالم والزعيم الفعلي لمنظمة أوبك قادر على تجاوز ذلك؟

على المدى القصير، ستستمر الرياض الشعور بالألم الناتج عن انخفاض أسعار النفط عن المعتاد. وقد تقلّص معدل النمو في المملكة، وأعلن صندوق النقد الدولي في 16 يناير/كانون الثاني أنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي في السعودية سيبلغ فقط 0.4 بالمائة في عام 2017. وتأتي هذه التقديرات على أساس استمرار أسعار النفط المنخفضة، والأهم من ذلك انخفاض إنتاج النفط بعد اتفاق أوبك. وكانت السعودية قد وافقت على إبقاء إنتاجها أسفل 10 مليون برميل يوميًا. وقد أدّى هذا إلى خفض توقّعات النمو، والتي وصلت إلى 2 بالمائة في أكتوبر/تشرين الأول، وفقًا لبلومبيرغ.

ويأتي هذا بعد نمو ضعيف في عام 2016 بلغ 1.4 بالمائة. وإذا استقرّت أسعار النفط، وشهد الاقتصاد تحسّنًا في التوقّعات، قد يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.3 بالمائة في عام 2018.

ورفضت الحكومة السعودية توقّعات صندوق النقد التي اعتبرتها متحفّظة للغاية. وأعلن المتحدّث باسم الحكومة أنّ النمو السعودي قد يرتفع فوق تقديراتها بنسبة 1 في المائة، مشيرًا إلى الاستثمار المتوقّع في الطاقة المتجدّدة ومجموعة الحوافز التي تعدّها الحكومة من أجل القطاع الخاص، وفقًا لبلومبيرغ.

ومثّلت القيادة السعودية محورًا هامًا في اتفاق خفض إنتاج أوبك، بعد أن قاومت مثل هذا الاتفاق لسنوات. لكنّ هذه المقاومة خارت أمام تآكل احتياطيات النقد الأجنبي والازدهار الذي شهده قطاع الطاقة الأمريكي، والحاجة لخطوات لرفع الأسعار. وقد أدهشت هذه الخطوة بعض المحللين، ويبدو أنّ اتفاق أوبك سيستمر، على الأقل، لبعض الوقت.

وتتجه الحكومة، بجانب خفض الإنتاج، إلى خفض الإنفاق. وخرجت موازنة عام 2017، كأثر موازنة مفصّلة في تاريخ البلاد، وشهدت تدابيرر قاسية للعمل على استقرار الوضع المالي للبلاد، والذي شهد عجزًا في عام 2016 نتيجة أسعار النفط المنخفضة. وفي الاقتصاد السعودي، الدولة هي أكبر جهة موفّرة للوظائف وأكثرها إنفاقًا، اعتمادًا على الثروة التي تتوفّر ببيع النفط والغاز. وتمّ تقدير حجم التقليص المطلوب في الإنفاق في مشاريع البناء والبرامج الاجتماعية بـ 20 مليار دولار، لأجل المساعدة في توازن الميزانية. وكان العجز في عام 2016 يقارب 12.6 بالمائة، بعد انخفاضٍ بـ 15 بالمائة في عام 2015، وإذا بقيت أسعار النفط بين 43 و50 دولارًا أمريكيًا للبرميل، كما تتوقّع المملكة، فستتقلص الفجوة في الميزانية بشكل أفضل في عام 2017. وتتوقّع التقديرات الرسمية السعودية أن ينخفض العجز إلى 7.7 بالمائة في عام 2017.

وتعتمد التوقّعات المالية الحالية على برنامج التحول الوطني الذي يهدف إلى إحداث التوازن في الميزانية بحلول عام 2020. وتعرف الخطة أيضًا باسم «رؤية 2030»، والتي تمّ الإعلان عنها عام 2016، وتنوي المملكة من خلالها تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط. ومن المقرّر القيام بخصخصة جزئية في عملاق الطاقة السعودي، شركة أرامكو، وسيتم استغلال العائدات من هذه الخصخصة في مجالات التصنيع والسياحة وباقي القطاعات.

وتضمّنت اللمحات التي هدفت إلى بناء ثقة المستثمرين بيع السندات السيادية العام الماضي بقيمة 17.5 مليار دولار، وهو الأكبر من نوعه في التاريخ، وهي الخطوة التي جذبت عطاءات بلغت في مجموعها 67 مليار دولار، وفقًا لبلومبيرغ. واستشرافًا للمستقبل، يتوقّع من الحكومة السعودية أن تطرح سندات أخرى بقيمة 15 مليار دولار في السوق الدولية هذا العام، الأمر الذي سيرفع مستوى الدين إلى 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020. وذلك على أمل أنّه بحلول ذلك الوقت تكون الميزانية قد استعادت عافيتها، بإيعاز من مبيعات أرامكو السعودية.

وتحفّز المستثمرون بفعل استقرار معدّل الريال السعودي مقابل الدولار، والقوّة المستمرّة في قطاع النفط (الذي لم يعطِ أيّة إشارة على التباطؤ)، والاهتمام الواضح من قبل الحكومة السعودية بالإصلاحات المالية والاقتصادية الجادة. وسيجعل هذا من السهل على الدولة السعودية تمويل كل احتياجاتها في السوق العالمية.

خطة قصيرة الأمد

لكنّ ذلك على المدى القصير. فالاقتراض يمكنه تغطية العجز في الميزانية لوقتٍ ما، وتحتاج القطاعات غير النفطية إلى دفعةٍ لأجل تحقيق رؤية 2030. والمشكلة هي أنّ القطاعات غير النفطية السعودية لا تعد بالكثير، مع وجود الاقتصاد غير النفطي في حالة ركود قبل إصدار بيانات الربع الثالث لعام 2016. وينبغي أن يعزّز اقتراض المملكة المتزايد في العقود في عام 2017 النمو غير النفطي ليرتفع من 0.2 بالمائة إلى 0.8 بالمائة، على أمل أن يصل إلى 1.9 بالمائة في عام 2018، وفقًا للمؤشّر المالي لأسعار المستهلك.

وسينمو الدين العام من 1.6 بالمائة في عام 2014 إلى 23 بالمائة في عام 2018. ويبقى هذا معدّلًا منخفضاّ تاريخيًا بالنسبة لبلد بحجم السعودية، لكنّ النمو الكبير في حجم الدين قد يخيف المستثمرين والأسواق لتجنّب قبول المزيد والمزيد من الدين السعودي، المطلوب على الأرجح لتمويل النمو المستمر في عام 2017.

لذلك، ومع تفاؤل التوقّعات السعودية، واستمرار الخطاب السعودي حول أسعار النفط آملًا ومتفائلًا، تحوم الغيوم العاصفة في أفق مملكة النفط. وإذا نجحت رؤية 2030، واستطاعت البلاد الخروج عن الاعتماد على النفط والغاز، وتعزيز نمو القطاعات غير النفطية، ومعالجة الميزانية في خمس إلى 10 سنواتٍ قادمة، عندها سيكون هناك مبرر للحماس السعودي. لكن لا يزال النفط هو العامل الأول في صورة الاقتصاد السعودي، وتعتمد تأكيدات موازنة عام 2017 والتوقّعات المستقبلية على افتراضات عودة أسعار النفط إلى 60 دولار للبرميل بحلول عام 2018. وإذا لم تحدث تلك الزيادة، واستمرّت المملكة في بيع المزيد من السندات ومراكمة المزيد من الديون، قد تذهب الأوضاع في الرياض إلى طريقٍ أكثر اضطرابًا.

أويل برايس دوت كوم- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-