ثقافة » شؤون جامعية

الموسيقى وجامعاتنا

في 2017/04/07

شاهدت مقطعا للفنانة بلقيس أحمد فتحي وهي تتحدث في جامعة أبوظبي التي تخرجت هي منها. وحتما، عند مشاهدتي الفيديو أن أذكر جامعاتنا والفن.

آخر مرة، وربما الوحيدة، أقيم حفل فني في مسرح جامعة الملك سعود قبل 30 عاما أو تزيد بمناسبة دورة الخليج التي أقيمت في الرياض، وتزامنت مع افتتاح ملعب الملك فهد الدولي، وهو حفل لم يكن للجامعة فيه سوى المكان، وكانت أول وآخر مرة ترن الموسيقى في مسرح الجامعة العتيدة.

جامعاتنا مفصولة عن الوسط الفني، وعن الموسيقى، وعن المجتمع بشكل عام أيضا بلا سبب واضح من النظام.

قبل عام ناور أحد المسؤولين عن احتفال جامعة مجاورة ليدخل، لأول مرة، خلفية موسيقية في فقرة وحيدة من فيلم وثائقي يعرض ضمن احتفال داخل الجامعة، ومع أن الأمور انتهت بسلام، إلا أن رسائل انهالت على جواله من زملاء له في الجامعة توبخ وتحذر وتنصح.

النظام لا يمنع الجامعات من «الاستعانة» بالموسيقى ولا من استقبال الفنانين، لكن الجامعات تمنع نفسها.

لكل منطقة طبيعتها وتراكماتها، نحن في جيزان لنا شخصيتنا الثقافية والفنية التي نعبر عنها كلما لاحت لنا الفرص في المهرجانات والاحتفالات، وحين تم افتتاح جامعة كان من محاسن الصدف أن تولى إدارتها الدكتور محمد

آل هيازع (الوزير السابق ومدير جامعة الفيصل حاليا)، الذي فهم شخصية المنطقة وطبيعة مجتمعها، ومنح الجامعة فرصة ألا تكون نسخة من غيرها، سواء في برامجها الأكاديمية أو في اهتمامها بشخصية المنطقة، ومع أن الدكتور الهيازع نفسه لم يكن مختلطا بالمجتمع إلا في مناسبات العزاء وعيادة المريض، إلا أنه ربط الجامعة بالمجتمع بأكثر من قناة، ومن بين تلك القنوات الفن والثقافة عبر اثني عشر ناديا طلابيا، حتى لا يكاد يخلو مجلس أو نقاش في جيزان من أخبار الجامعة ونشاطاتها والمواقف منها.

حازت جامعة جازان على جوائز عن أنشطتها الثقافية والبحثية والفنية أيضا، فقد حصد مسرحيوها جوائز عالمية عن بعض مسرحياتهم، كما درجت جامعتنا على احتفالين سنويين كبيرين يحضرهما ضيوف من جامعات أخرى، أحدهما باليوم الوطني والآخر بتخرج الطلاب والطالبات، وتقديم أعمال فنية جادة يكتب أشعارها غالبا طلاب أو طالبات أو منسوبو الجامعة، أما الأداء والإخراج فكله من شباب الجامعة، كما قدمت الجامعة أوبريتا فنيا للمهرجان الشتوي، هو حتى الآن من أجمل الأوبريتات الوطنية اكتمالا.

قبل أسبوع احتفلت الجامعة بتخرج دفعتها الثانية عشرة، ومن بين فقرات الاحتفال عمل فني مدته 28 دقيقة، لكن الجامعة اختصرته إلى 20 دقيقة مضحية بما أجزم أنه أجمل ما قدمه الفن السعودي كله (أعيدها ثانية: الفن السعودي كله) للأب والأم. وهو مؤشر يجعلنا في جيزان نخاف على مستقبل جامعتنا وتفكيرها، إذ كان يمكن ببساطة الاتفاق مع مكتب أمير المنطقة للقبول بتمديد الحفل سبع دقائق فقط، أو كان يمكن تقليص فقرات أخرى غير الفقرة الفنية، إن هذا الحذف يشير إلى أن الموسيقى هي الفقرة الأضعف والأهون بجانب الفقرات الأخرى في الحفل.

عبر سنواتها القليلة تلقت جامعة جازان عتابات واحتسابات من محتسبين جوّالين، لكن الجامعة أكملت طريقها ونهجها متماشية مع طبيعة جيزان الثقافية والفنية والعلمية، ولن نقبل التراجع عنها.

أعتقد أن تعاطي الجامعة مع الفن وأهله عبر احتفالاتها أو عبر استقبالها للفنانين ليتحدثوا إلى الطلاب لن يكون عملا مخلا بواجبات الجامعات ووقارها، إن لم يكن يدعم اهتمامها بطلابها وبالمجتمع الحاضن لها.

الفن ليس ترفا، بل ضرورة، والموسيقى أداة تربوية كما هي فن رفيع، فما الذي يجعل جامعاتنا غائبة عنها ومتوجسة منها؟

أنا لا أطلب من الجامعات أن تقيم حفلات فنية كل شهر، لكن أطلب منها أن تنظر في إشراك الموسيقى ضمن احتفالاتها الكبيرة. إن فقرة صغيرة من الموسيقى سنويا ستضيف للجامعة ولن تنقص منها.

أحمد عطيف- الوطن السعودية-