ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

الملك ملتزم بخطة الإصلاح.. وإلغاء التقشف لتعزيز شعبية «بن سلمان»

في 2017/05/03

من بين التجارب الاجتماعية والاقتصادية الأكثر دراماتيكية في العالم هو ما يحدث الآن في المملكة العربية السعودية. حيث أطلق الأمير الشاب «محمد بن سلمان»، قبل عامٍ من الآن، خطةً طموحةً لإصلاح المملكة المحافظة الغنية بالنفط. ويسعى برنامج الإصلاح، الذي سمي بـ «رؤية 2030»، إلى تغيير واقع البلاد من اعتمادها شبه الكامل على عائدات النفط والسخاء الحكومي، وتحويلها إلى نظامٍ أكثر توازنًا وأكثر حداثةً واستدامةً بحلول عام 2030.

لكن في الأسبوع الماضي، ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لإطلاق خطة التحديث في أبريل/نيسان الماضي، أعلنت المملكة تراجعها عن بعض تدابير التقشف الرئيسية. ويثير هذا التراجع سؤالًا محوريًا وهو، هل يعدّ ذلك علامةً على تعثّر الخطة، أو علامةً على نجاحها؟

وكانت خطة «رؤية 2030»، المشروع التحويلي لولي ولي العهد «محمد بن سلمان»، دائمًا محفوفة بالمخاطر. وعلى الرغم من ذلك، كانت القليل من السياسات أكثر تسببا في الاستياء الشعبي من غيرها، مثل التخفيضات في الإعانات والرواتب والاستحقاقات الحكومية. وتشكل التدابير التقشفية، على محدودية حجمها، جزءًا هامًا من الجهود المبذولة لتقليص دور القطاع العام في المملكة، حيث تستوعب الحكومة حاليًا النسبة الأكبر من الوظائف في البلاد، إضافةً إلى الحد من سيطرة صناعة النفط على الاقتصاد.

وما جعل الخطة أكثر خطورةً هو ما احتوته من إجراءات أخرى للإصلاح الاجتماعي. وتتطلع رؤية 2030 إلى تحقيق أكثر من مجرد التحول الاقتصادي. وهي محاولة لإعادة تشكيل واحدة من أكثر الدول المحافظة اجتماعيًا ودينيًا في العالم إلى مجتمعٍ أكثر ليبرالية وتسامحا. وهذا هو السبب في توقع بعض الناس أنّ المقاومة من المؤسسة المحافظة والسلطات الدينية والبيروقراطية الضخمة من المرجح أن تحبط الخطة.

وشهد بطل الخطة، الأمير «محمد»، البالغ من العمر 31 عامًا، آفاقه المهنية، ومسؤولياته الحكوميه، ترتفع بعد وقت قصير من صعود والده الملك «سلمان» إلى العرش. ولا تقتصر مسؤوليات الأمير «محمد» على تحديث الاقتصاد كرئيسٍ لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، فهو أيضًا وزير الدفاع خلال هذه الفترة المضطربة في الشرق الأوسط، وكان المسؤول الأول عن قرار الحرب التي تقودها السعودية في اليمن. ويأتي كذلك ثانيًا في ترتيب خلافة والده خلف ولي العهد الأمير «محمد بن نايف».

وعندما أعلن الأمير عن خطته، «رؤية 2030»، أبرز «محمد بن سلمان» برنامج «التوازن المالي» من بين الجوانب الأخرى للرؤية. وفي ذلك الوقت، سجلت المملكة عجزًا ماليًا قياسيًا بلغ 98 مليار دولار من الناتج الإجمالي المحلي للمملكة لعام 2015. ومع تراجع أسعار النفط من 100 دولار للبرميل إلى أدنى مستوىً له وهو 30 دولارًا في أواخر عام 2015، تحول التحذير الدائم من مخاطر الإفراط في الاعتماد على النفط إلى واقعٍ خطير. وكانت البلاد تحرق احتياطياتها النقدية من أجل تغطية العجز، ولم تظهر أي نهاية محتملة للركود القادم.

وتهدف خطة الأمير «محمد»، بعيدة المدى، إلى بيع جزءٍ من شركة النفط الوطنية، أرامكو، وتحفيز الصناعات غير النفطية. وخرجت دعوات من قبل صندوق النقد الدولي لخفض الدعم وتقليص الرواتب الحكومية. حيث أنّ ثلثي العمال السعوديين يشغلون وظائف حكومية.

ويمثل عجز ميزانية عام 2015 نسبة 16% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2016، بقي حجم العجز نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي مقاربًا لتلك النسبة.

وفي سبتمبر/أيلول، بدأت السلطات بالفعل في خفض الإعانات، وأدخلت تغييراتٍ أكثر خطورة من الناحية السياسية. فقد ألغت الحكومة المكافآت السخية التي كانت تذهب إلى موظفي الدولة، وخفضت رواتب الوزراء بنسبة 20%. وخفضت كذلك الامتيازات الأخرى، بما في ذلك توفير السيارات لكبار المسؤولين. وكانت هذه الخطوة علامة لكل من السعوديين والأسواق المالية على جدية خطط الإصلاح.

ويأمل المستثمرون الأجانب منذ فترةٍ طويلة أن تجعل المملكة اقتصادها أكثر ديناميكية وانفتاحًا. ولعل المسألة الأهم التي تحيط بهذه المسألة هي مسألة خلافة العرش. وفي حين أنّ «محمد بن سلمان» هو الثاني في خط الخلافة، يمكن أن يتغير هذا الوضع بجرة قلمٍ من والده. ومع ذلك، إذا ورث ولي العهد «محمد بن نايف» العرش كما هو مخطط له حاليًا، فلن يكون هناك ما يضمن أن تظل «رؤية 2030» سارية المفعول.

وهناك تعميمٌ يقال حول ذلك الأمر، إذا خلف «محمد بن سلمان» والده، فستستمر عملية الإصلاح. وإذا كانت الإصلاحات ناجحة، يصبح من المرجح أكثر أن يخلف والده.

القرارات الأخيرة

وهذا ما يوضح أهمية فهم ما جرى الأسبوع الماضي.

في سلسلة من المراسيم التي تضمنت قرارات رئيسية جديدة حول تعيين بعض الأفراد، أعلنت الحكومة إعادة معظم البدلات وتخفيضات الرواتب والدعم التي كانت مطبقة قبل إجراءات التقشف. وقد اشتكى موظفو الحكومة، الذين يشكلون الغالبية العظمى من المواطنين العاملين، من أنّ تلك التخفيضات قد تسببت في مشقة وعبء على حياتهم اليومية.

وفي الوقت نفسه، كانت هناك تحفظات في الدوائر المحافظة حول الإصلاحات الاجتماعية التي أُدخلت في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك القيود الجديدة على عمل الشرطة الدينية.

فهل كان هذا التراجع علامة على البحث عن بعض الهدوء، أو علامة، كما ادعت الحكومة، أنّ الاقتصاد يزداد قوة؟

أعلن نائب وزير الاقتصاد «محمد التويجري» أنّ عجز الموازنة في الربع الأول من عام 2017 جاء أقل بكثير مما كان متوقعًا، حيث وصل إلى 7 مليارات دولار، أي نحو نصف ما توقعته الحكومة.

ويدعم هذه الأرقام المحللون الذين يقولون أنّ الزيادة المطردة في أسعار النفط تساعد على تضييق العجز.

وتقول السلطات أنّ مبيعات النفط ستصل إلى 128 مليار دولار هذا العام، أي أكثر بنحو 50% عن عام 2016. كما يتوقع زيادة الإيرادات غير النفطية أيضًا، وهي أساس برنامج الإصلاح، على الرغم من الزيادة المتواضعة مقارنةً بالعائدات النفطية بما يقارب 6.5%.

وفي الواقع، من المنطقي، اقتصاديًا، تحفيز الاستهلاك المحلي، الذي تراجع بعد التخفيضات في سبتمبر/أيلول. وقال «محمد بن سلمان» مؤخرًا، في إحدى المقابلات، أنّ الدعم الشعبي للإصلاح هو أهم عامل في تحقيق النجاح.

وكان من بين التغييرات التي أعلنها القصر، الأسبوع الماضي، تعيين اثنين من أشقاء الأمير «محمد» في مناصب جديدة. وسيصبح شقيقه الأصغر «خالد»، الذي لا يزال في العشرينات من عمره، سفيرًا سعوديًا لدى الولايات المتحدة. وسيتولى شقيقه الأكبر «عبد العزيز» منصب وزير الدولة لشؤون الطاقة، وهو المنصب الذي سيؤدي من خلاله دورًا رئيسيًا في دفع الخصخصة.

ويقال أنّ «خالد»، الذي درس وتدرب عسكريًا في الولايات المتحدة، مقربٌ جدًا من «محمد». ما يعني أنّ التحركات الأخيرة قد تكون مؤشرًا واضحًا على اتجاه الملك وابنه لتعزيز قبضتهما على دفة الحكم.

وبالنظر إلى المراسيم الأخيرة معًا، نرى أنّ الملك لا يزال ملتزمًا تجاه ابنه وبرنامجه الإصلاحي. ولم يكن التراجع عن تدابير التقشف إلا لتعزيز مكانة الأمير محمد الشعبية، دون التسبب في ضررٍ كبيرٍ لخطط الإصلاح.

وأظهر استطلاعٌ للرأي أجراه، مؤخرًا، مركز الاستطلاع وقياس الرأي الحكومي أنّ 85% من الجمهور سوف يدعمون الحكومة ضد السلطات الدينية إذا ما اضطروا للاختيار. ويشير هذا الاستطلاع ونشر نتائجه إلى التزام الحكومة بالمضي قدمًا في خطط الإصلاح رغم القوى المناهضة له. ولا يزال الطريق إلى الإصلاح خطرًا، لكن يظهر الملك وأبناؤه العزم على الاستمرار فيه.

وورلد بوليتيكس ريفيو- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-