ملفات » قمة العزم

هل شاهد الملوك والرؤساء العرب فيلم «نيكسون» قبل قمة «العزم والأمل»؟

في 2017/05/24

قبل هزيمة 1967م زار «كارنجيا»، الصحفي الهندي، (إسرائيل) ليجري لقاء مطولًا مع وزير الدفاع الأسبق «موشى دايان»، وشرح الأخير للصحفي المعروف آنذاك نظرية تدمير (إسرائيل) للطائرات العربية في أماكنها في المطارات وبالتالي تصبح سماء الطيران والقصف ملكًا لها وتحسم المعركة لصالحها قبل أن تبدأ.

فغر «كارنجيا» فاه وقال لـ«دايان»:

ـ كيف يمكنكم أن تكشفوا خططكم بهذه الطريقة؟

فرد الأخير ببرود شديد:

ـ لا عليك فالعرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يُطبقون .

وبناء عليه قام الهندي بتأليف كتاب «خنجر إسرائيل» راويًا الحوار فيه قبل الهزيمة بفترة أكثر من كافية، ولم يقرأ العرب بالفعل ولم يدققوا حتى حكى الرجل بنفسه القصة لاحقًا؟

فيلم لا كتاب

لما تولى الرئيس المخلوع «حسني مبارك» حكم مصر في أكتوبر/تشرين الأول 1981م طلب الرئيس الأمريكي آنذاك «رونالد ريجان فيلمًا وثائقيًا عن نشأة وحياة الرئيس الجديد، آنذاك، منذ كفر مصيلحة، القرية التي ولد فيها، حتى الاتحاد السوفيتي حيث درس في منحة عسكرية، وصولًا لقيادة القوات الجوية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م ورئاسة الجمهورية ولم يكن «ريجان» يحب قراءة التقارير أو ما شابه، وأجيب إلى طلبه بفيلم سري ليس من المُفترض ان يريى النور ولو بعد حين!

والشاهد أن الرؤوساء والزعماء العرب الذين اجتمعوا في الرياض أو حتى أرسلوا وفدًا عالي المستوى لو أنهم شاهدوا فقط فيلم «نيكسون»؛ الذي تم إنتاجه عام 1995م، بعد شهور من وفاة واحد من أشهر الرؤوساء الأمريكيين، (تُوفي  نيكسون في 22 من أبريل/نيسان 1994م، وظهر الفيلم الأمريكي إلى العلن في 213 دقيقة في 20 من ديسمبر/كانون الأول 1995م)، لو أنهم شاهدوا الفيلم لعلموا ما يٌحاك لهم من قبل إدارة الرئيس الأمريكي الجمهوري، مثل «نيكسون، دونالد «ترامب.

«نيكسون وهوليود»

لدينا، هذه الظهيرة، فيلم مُربك للمشاهد الجيد الذي يعرف كيف يقرأ ما بين المشاهد، فهو يستمر إلى أكثر من 3 ساعات ونصف الساعة، عبر مئات المشاهد غير المتراصة زمنيًا، أو التي تعمد المخرج «أوليفر ستون» صياغتها كتابة بمشاركة السيناريست «كريستوفر ويلكينسون»، ثم مشاهدًا بمشاركة تقنيات السينما الدرامية المعروفة بالإضافة إلى مشاهد وثائقية وتسجيلية من حياة «نيكسون»، وفي جميع هذه الحالات نحن أمام حالات من «الفلاش باك»، أو استرجاع الماضي عدة مرات في نفس الفيلم، ومنها داخل نفس الحيز الزمني الاسترجاعي، فيبدأ الفيلم بفضيحة «ووترغيت» الشهيرة في بدايات أغسطس/أب 1974م، ثم يُغرق في تاريخ حياة «نيكسون» بطريقة استرجاعية تخلط الترشح للرئاسة أمام الرئيس الأمريكي الراحل «جون كنيدي» في عام 1960 وبدايات 1961م، ثم الفشل الذي أرجعه الفيلم لسؤال في مناظرة تلفزيونية حول التدخل الأمريكي في كوبا حافظ «نيكسون» على الأمن القومي بعدم الإجابة عليه، أو كان لديه ما لا يمكن البوح به، يخلط الفيلم بين كل هذا وتبعات الفشل على نفسية «نيكسون (أدى الدور المُمثل الأمريكي البريطاني فيليب أنتوني هوبكنز).

وفي أعقاب الفشل يبدو «نيكسون» المُنهزم تمامًا، باكيًا بين يدي زوجته «بات (جوان ألين)، ومستحضرًا روح أمه القديسة «هانا» (المُمثلة جوانا غويتغ)، وهو الاسترجاع الذي يمضي بالمشاهد إلى أكثر من نصف الفيلم ليعود به إلى عام 1972م، حيث الرئيس الأمريكي الأسبق «نيكسون» نجح في الاستحواذ على فترة ثانية من الرئاسة الأمريكية، وسحق منافسيه بالتسبب في إحداث شلل نصفي برصاصة طائشة المصدر للأول، وإلصاق التهمة بالمرشح الثاني، ليخفق المرشحينِ أمامه ليفوز بأغلبية كاسحة.

ويبدا الاسترجاع أو (الفلاش باك) الجديد برفض« نيكسون الانسحاب من فيتنام بل توسيع مضمار الحرب ليشمل كمبوديا ومناطق أخرى، مع تفاحل الأزمة الأمريكية الكورية، ووفاة شباب جامعيين أمريكيين داخل أمريكيا في «كنت ستيت» ورفض «نيكسون» تقديم العزاء لهم، وقد قضوا نتيجة للتظاهر ضده لعدم تنفيذ وعودة الانتخابية بالانسحاب من فيتنام وترك كوبا، فيما هو يسترجع أحداث وفاة شقيقين له بالسل في بيئته الفقيرة الأولى «آرثر» في سن الصبا، وكان أصغر منه، و«هارولد» وكان الأكبر وأفسح بموته مجال التعليم له..

لفشله في تحقيق أي حلم منذ الصغر يفشل «نيكسون» في الانتخابات الرئاسية عام 1960 حتى حكم لكاليفورنيا عام 1962م، ومن قبل لكذبه المتعمد منذ الصغر أمام أمه مثلما كان أمام المُتهم بالتجسس السوفيتي «الجير هيس» في بداية حياته السياسية، ونقمته على الأغنياء والمُرفهين الذين يعيشون ويرون أنه ليس من حقه أن يعيش، وأخذه كل المواقف الحياتية السياسية على محمل شخصي يفشل «نيكسون» رغم سياسة الانفتاح على العالم وزيارة الصين عام 1972، واستقبال الرئيس السوفيتي «بريجنيف» لاحقًا، إلا أنه يقع في مزيد من إراقة الدماء حتى بعد لقائهما، وهما يغريانه بالمزيد فيما واقع حياته الأول يجعله يتمادى حتى السقوط!

لم تجامل «هوليود» «نيكسون» بل ربما كثفت مئات المشاهد وعشرات الآلاف من التفاصيل والأشخاص والأسماء حول العالم لتظهر قبح عالمه، ثم تنتصر له في النهاية بعرض إنجازاته في دقائق الختام..!

خطة «نيكسون ..ترامب»!

بدا «نيكسون» في الفيلم محاطًا بمجموعة من المستشارين من ذوي المصالح، ككل نظام فاسد، لكن الحسن الوجه والأنصع منهم كان «هنري كيسينجر»، وزير الخارجية الأمريكي الداهية الذي غرر بـ«نيكسون» قبل زعماء عالميين منهم «السادات»، وبرغم تسريبات «كيسينجر» ضد «نيكسون» المُهينة في «النيويورك تايمز» وغيرها، إلا أن الرئيس الأسبق كان مدانًا أمامه بما يكفي لعدم الإطاحة به، وكانت خطة الإدانة ببساطة أن «نيكسون» المُتورط في فيتنام سيقصف كمبوديا ويذهب لأعماق الأعماق من مناطق  محيطة وبآلاف الضربات السرية والعلنية، وبقتل الأعداء من الشيوعيين حتى الأبرياء من الشعوب المغلوبين على أمرهم بكثافة.. نظير أن يضطر الفيتناميون للقبول بصلح باريس الظالم لهم، تمامًا هي خطة «ترامب» مع العرب.. الإيغال في ظلمهم عبر إمداد (إسرائيل) بالأسلحة والمعونات بلا حدود، وتأليب إيران عليهم من أجل الرضوخ الأمريكي، وهو ما لم يخفه الفيلم بشكل مباشر لما عاب «نيكسون على العرب منعهم البترول عنه، وسخر من أنهم لن يفعلوا به شيئًا.. في نبرة تعني إلزامهم بإعادته إلى أمريكا..!

أما في سياق تمادي الحروب الداخلية لدى العرب فهي نفس الجملة التي قالها الرئيس الأسبق ويطبقها كثيرون على رأسهم «السيسي» في مصر، قال «نيكسون» لما ازداد الضغط الخارجي عليه عبر إدانات الحروب: نقلنا المعركة إلى الداخل صار عدونا بيننا في البلاد!

ربما كان أقصى طموح لشرفاء العرب تحرك «الكونغرس» نحو «ترامب» مثلما تحرك نحو «نيكسون» مُتناسين أن «ترامب» في الأشهر الأولى من حكمه لم تتعمق أخطاؤوه بعد، فيما كان «نيكسون» يحكم منذ أكثر من خمس سنوات ونصف السنة لما ضُغط عليه ليستقيل ثم ليعفو عنه الرئيس التالي لأمريكا «جيرالد فورد».

إن «نيكسون» لم يعزل لخطاياه وقد كان منها التضحية برجاله المُقربين نظير أخطائه، بل لإنه كان سيفضح وجه أمريكا كله وهو ما يحرص كل رئيس أمريكي بعده على ألا يتعدى فيفعله.

نجح الفيلم في الإحالات الجيدة عبر المونتاج المحكم، والتصوير الجيد، والموسيقى التصويرية المناسبة، والانتقال السلس بين المشاهد رغم تعقيدها، وكان من ذلك الإحالات لصورة وتمثال الرئيس الأمريكي المُغتال «لينكولن» وخوف «نيكسون» من مصيره، بالإضافة إلى رؤية «نيكسون» لصورة «فورد»، التالي عليه، بين صور الرؤوساء رغم أنه لم يتول بعد، إحالات كان أروعها المواقف التي كان يتمنى «نيكسون» لو مضت على وتيرة أخلاقية، ومنها مقتل «كنيدي»، الذي يلمس الفيلم تورط «نيكسون» فيه دون تعمق.

 عاب الفيلم إبراز خطايا «نيكسون» التي لم تكن تؤهله للفترة الرئاسية الأولى، بحسب العمل، فيما كانت الخطايا تزداد قرب الفترة الرئاسية الثانية، كما أبرزها الفيلم، وهو ما يتعارض مع فوزه بها في الحقيقة!

جملة فيلم هذه الظهيرة المحورية هي قول «هالنا» والدة «نيكسون» له عقب وفاة أخيه الثاني «هارولد» إن الحياة في الدنيا للأقوياء ..والسعادة في الآخرة، وهو المفهوم المغلوط للدين الذي أدى بابنها إلى سبّها لمرات بعد وفاتها، والإساءة لنفسه قبلها، فإن جوهر الدين الحقيقي لا ينادي بالقوة على حساب الضعفاء ولا يحرم الأقوياء من سعادة محبة وعطف الأقوياء من أمثاله من حوله.. وهي المعادلة التي أضاعت «نيكسون» وتعصف بـ«ترامب» ولو بعد حين..وإن بعد ..وبحيثيات مختلفة..!

نـــواف القبيـــســي- الـخليــــج الجــديــد