دول » قطر

ماذا وراء الحملة الإماراتية السعودية على قطر؟

في 2017/06/02

ظهرت التوترات مجددا في الخليج. هذه المرة في صورة هجوم إعلامي أعاد تقديم قطر مرة أخرى على أنها تهديد للاستقرار والأمن في الخليج. وكان حجة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي هذه المرة هي تعليقات نسبت إلى الأمير «تميم بن حمد خلال حفل تخرج عسكري في 23 مايو/أيار المنقضي.

وادعى تقرير نشر على موقع وكالة الأنباء القطرية (قنا) في وقت لاحق من ذلك اليوم أن أمير البلاد ذكر أن قطر على علاقة متوترة مع إدارة الرئيس «ترامب»، وأنه وصف حماس بأنها «الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني»، كما زعم أن إيران «قوة كبيرة وذات أهمية لتحقيق الاستقرار في المنطقة». وفي غضون ساعات، أعلن مكتب الاتصالات الوطني الحكومي في قطر أن موقع شبكة قطر الوطنية كان قد تعرض للاختراق، ونشرت تصريحات كاذبة عليه.

حملة لتشويه سمعة الدوحة

وبدون ترك أي فرصة للتأكد ما إذا كانت تصريحات الأمير «تميم» حقيقية أو ملفقة - أجمع جميع الحاضرين لحفل التخرج العسكري أن الأمير لم يلق أي كلمة على الإطلاق- فإنها أثارت ضجة فورية في وسائل الإعلام الإقليمية وبخاصة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وحجب كلا البلدين قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام القطرية في أعقاب الادعاءات، وتم نشر مقالات تهاجم قطر بشكل مكثف منذ ذلك الحين. وبدون أي استثناءات تقريبا، تعاملت هذه المقالات مع التصريحات المنسوبة للأمير على أنها حقيقة. وبناء عليه تم توجيه الاتهام إلى قطر بأنها تمثل الحلقة الأضعف في تهديد الاستقرار الإقليمي في قضيتي إيران والإرهاب. وتمت مطالبة قطر أن تختار جانبها بين دول مجلس التعاون الخليجي أو إيران.

وتدل الشدة والحجم الكبير لمقالات «قطر» على أن هناك حملة منظمة تجري لتشويه سمعة الدوحة إقليميا، وبشكل واضح أيضا، تشويه سمعتها في عين إدارة «ترامب».

ويأتي هذا بعد ثلاث سنوات من المواجهة بين قطر وثلاثة من جيرانها -المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين - هزت جميع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ومنذ ذلك الحين تبادل أمير قطر وولي عهد أبوظبي زيارات عديدة، وبدا أن قرار قطر بنشر 1000 جندي في اليمن في سبتمبر / أيلول 2015 يشير إلى أن الاضطرابات التي حدثت في عام 2014 أصبحت جزءا من الماضي. فما الذي تغير إذا؟ ولماذا اندلع النزاع فجأة بهذه الوتيرة الشديدة؟.

تأثير «ترامب»

يبدو أن هناك عددا من العوامل تضافرت لتحويل المشهد الجيوسياسي في منطقة الخليج. أشارت إدارة «ترامب» إلى أنها تعتزم اتباع مجموعة من السياسات الإقليمية التي تتماشى إلى حد بعيد مع تلك الموجودة في أبوظبي والرياض أكثر مما تتماشى مع سياسات الدوحة. وكان كل من ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» وولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» من كبار الزوار إلى واشنطن في الفترة التي سبقت قمة الرياض مع القادة العرب والإسلاميين.

وعلاوة على ذلك، فإن عدم خبرة الكثيرين في السياسة داخل دائرة «ترامب» الداخلية أتاح فرصة لكل من السعوديين والإماراتيين لتشكيل تفكير الإدارة في القضايا الإقليمية الهامة مثل إيران والإسلام السياسي، وظهر ذلك بوضوح أثناء قمة الرياض.

وفي حين سعت إدارة «أوباما» إلى تعزيز مشاركة الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون الخليجي ككتلة، ركز «ترامب» بدلا من ذلك على السعودية والإمارات العربية المتحدة باعتبارهما الركيزتين التوأمين لنهجه الإقليمي. وتفيد التقارير بوجود روابط قوية بين مستشار «ترامب» وصهره، «غاريد كوشنر»، وبين «محمد بن سلمان» ولي ولي العهد السعودي، وكذلك مع «يوسف العتيبة»، سفير الإمارات المؤثر في واشنطن.

وتتبنى الشخصيات الرئيسية في إدارة «ترامب» مثل وزير الدفاع «جيم ماتيس» ومدير وكالة المخابرات المركزية «مايك بومبيو»، وجهات نظر حول إيران والإخوان المسلمين تتطابق بشكل تام مع تلك المتبناة في الرياض وأبوظبي. وقد بدأت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في الظهور كعمادين رئيسيين تنتظم حولهما عملية إعادة ترتيب سياسات الولايات المتحدة الإقليمية، بما في ذلك مجموعة من المصالح الدفاعية والأمنية الحيوية. وربما تكون الغارة المشتركة التي شنتها القوات الخاصة الأمريكية والإماراتية في اليمن في يناير /كانون الثاني فقط الخطوة الأولى ضمن عدة مبادرات مشتركة في مناطق النزاع الإقليمية في الأشهر والسنوات المقبلة.

ومهما كانت الإشارات التي تم (أو لم يتم) تمريرها في اللقاءات الخاصة، كانت هناك زيادة ملحوظة في معدلات الشد والتوتر المحلي والإقليمي في أعقاب رحلة «ترامب» إلى السعودية. في البحرين، تم شن الحملة الأكثر دموية لقوات الأمن ضد المعارضة منذ عام 2011، والتي أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، وذلك بعد يومين فقط من تأكيد «ترامب» للعاهل البحريني على بدء عهد جديد في العلاقات الثنائية.

وتتزامن الحملة الإعلامية الإماراتية السعودية ضد قطر مع توجه رفيع المستوى في واشنطن، حيث يلقي المحللون وبعض كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين شكوكا حول موثوقية قطر كشريك أمني إقليمي. وفي حين تشعر الدوائر الحاكمة في العواصم الخليجية بصخب المناخ السياسي الجديد، فإنها ترغب في اختبار إلى أي مدى يمكن أن تذهب في السعي من أجل تأكيد سياساتها المحلية والإقليمية الأكثر تشددا وما إذا كان هناك أي عائق.

اللعب على المكشوف

هناك اختلافات بين هذا الخلاف الأخير والخلافات الماضية، ليس أقلها الطريقة التي تتم بها المواجهة الحالية في وسائل الإعلام بدلا من وراء الأبواب المغلقة لاجتماعات القادة، حتى مع عدم وجود تحرك دبلوماسي يعادل انسحاب السفراء. وفي الواقع، انضم عدد من المسؤولين علنا ​​إلى الجنون القائم، وتعموا تجاهل دعوة قطر إلى الوحدة الشقيقة ضد «التهديد الإيراني».

ومع الرقابة الدقيقة التي تخضع لها جميع المساحات العامة في دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه من غير المعقول أن تكون مثل هذه الهجمات على دولة عضو في المجلس تمت دون ضوء أخضر رسمي من الكواليس في أدنى الأحوال. ومن خلال السماح للحملة الإعلامية بالدخول في أسبوعها الثاني دون انقطاع، قد يكون صناع السياسة في الرياض وأبوظبي يأملون في الضغط على القيادة في الدوحة لتقديم تنازلات، أو ينتظرون ما إذا كانت الشخصيات النافذة في إدارة «ترامب» سوف تبتلع الطعم وتكفيهم مئونة اللجوء إلى التهديدات أو فرض عقوبات رسمية. وتبقى الطريقة التي يمكن أن تؤثر بها كل هذه الأمور على مجلس التعاون الخليجي (ككيان) في عصر «ترامب» خاضعة لتخمين كل شخص.

كريستيان كوتس- «واشنطن بوست»- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد -