ملفات » قمة العزم

"المجاهد" أبو ترامب الأمريكي

في 2017/06/08

تلاحقه في بلاده حرب على عدة جبهات تشنها، على طريقة "مطاردة الساحرات"، فصائل عاتية من فصائل الدولة [الأميركية] العميقة، حط الرئيس ترامب في أول رحلة له إلى الخارج، حط وسط حفاوة بالغة في أسوأ أنظمة الحكم الديني-الشمولي.
ترامب، أبو ترامب الأمريكي (1)، تم استقباله بكل تكريم في دولة ذات نظام ملكي طفيلي يقوم، منذ عقود من الزمن، بتصدير بذور جميع أشكال الإرهاب الجهادي السلفي. نظام يتنكر لحقوق الشعب الذي يحكمه ويعلمه الحقد على الأجانب وغير المسلمين (2) والنساء والفن والتراث الثقافي العريق (مثلاً عن طريق قصف مواقع تاريخية ذات قيمة لا يحيط بها التقدير في اليمن).

وبصفته كدولة، ينكر النظام السعودي كل تورط من جهته في تمويل الجماعات الإرهابية الأكثر تطرفاً، دون أن يمنع ذلك سعوديين أتقياء من تمويل تلك الجماعات بشكل إفرادي. وبصفته كدولة، يتدخل النظام السعودي في الثقافة الدينية للمسلمين من أهل السنة في أنحاء العالم، ويمنع كل إمكانية للنقاش حول الإسلام، ويحوك حرباً إتنية-طائفية بين السنة والشيعة تغرق الشرق الأوسط بالدماء بهدف واحد وحيد هو إضعاف خصمه الجيوسياسي المتمثل بإيران، وكل ذلك بالترافق مع التمترس بطريقة معسولة خلف الحماية الأميركية.
نظام ديني مؤذ لا يتمتع بأية ميزة تسمح له بالتوبة. وهذا ليس غير تلخيص قصير وسريع. أما الاحتفالية المترفة التي شهدتها الرياض، فتم تقديمها على أنها تندرج في إطار تحرك ترامب الهادف إلى دعم إنهاض الصناعة الأميركية. وفي الوقائع، يتجلى ذلك، مرة أخرى، من خلال غنيمة جديدة تهطل على المجمع العسكري-الصناعي-الأمني-الاستخباراتي على شكل سلسلة من العقود الضخمة المتضمنة شراء أسلحة أميركية بمبلغ 100 مليار دولار مع إمكانية رفع المبلغ إلى 300 مليار.
وعلى هامش الصفقة، طرح ترامب فكرته عن إنشاء ناتو عربي هو، بشكل أساسي، رفع إلى المستوى الرسمي للاندماج بين الناتو ومجلس التعاون الخليجي. هذا الناتو العربي ستكون له، نظرياً، أهداف كمحاربة بعض تفرعات الأصولية الإسلامية (داعش، لكن دون التعرض لجبهة النصرة، مثلاً). لكنه سيحارب، على وجه الخصوص، تلك الجهة التي يعتبرها مجلس التعاون الخليجي "تهديداً وجودياً"، أي إيران، والتشيع ضمناً.


وهذا الأمر منصوص عليه في لائحة وليمة يتشارك فيها أعضاء طغمة البترودولار وأكثر من 50 زعيماً لبلدان غالبية سكانها من المسلمين، وكل هؤلاء ضيوف عند الزعيم الشكلي لآل سعود، الملك سلمان، الذي يعاني من مرض الألزهايمر. ولم توجه الدعوة لا لإيران ولا لسوريا. وهناك، أوصل ترامب خطاباً إلى جميع المسلمين هو عبارة عن صلف لا ينبئ بخير أبداً.
الناتو العربي سيكون له قائد فعلي هو لا أحد غير ترامب نفسه، مع مساعد ثانوي هو لا أحد غير الأمير السعودي المشاغب محمد بن سلمان المتعارف عليه تحت اسم  MBS.
أما الآلة العسكرية الأميركية الجيدة والمهيبة فسيتم نشرها، على ما تريده سردية الناتو-مجلس التعاون بهدف "الدفاع" في وجه إيران، وضد سوريا واليمن المذنبتين، على ما يظهر في إضبارتيهما، لكونهما غير محكومتين من قبل متعصبين وهابيين.
كل حبة رمل في الصحراء العربية تعرف أن التنظيمات الجهادية الأساسية في سوريا، ومنها التنظيم المسمى "جيش الفتح" الذي يقوده تنظيم النصرة، أي تنظيم القاعدة، إنما يصلها التمويل من متعصبين وهابيين على ارتباط بآل سعود. وتنظيم النصرة سيستفيد إلى الحد الأقصى من خاتم القوة السحري المتمثل بصفقة الأسلحة الجديدة.
بخصوص إيران، يمكن لآل سعود أن يعتمدوا حتى على الدعم الكامل والإسناد التام من جنرالات ترامب، أمثال "الكلب المسعور" (Mad Dog) ماتيس، في البنتاغون، ومستشار الأمن القومي ماك ماستر، وكلاهما سبق وحارب في العراق، وكلاهما ينظر إلى إيران على أنها الشر المتجسد.
وعندما نضيف التفاهم المريح بين إسرائيل وداعش إلى المشهد العام، فإن أي ميزان للحرارة ينفجر حتى ولو كان من النوع الدادائي/السريالي! فالعديد من جهاديي تنظيم النصرة الجرحى قد تمت معالجتهم في مستشفيات عسكرية إسرائيلية. وعندما قامت داعش عرضياً بقصف الإسرائيليين في هضبة الجولان، جاء موشي يعالون، وزير الدفاع الإسرائيلي ليؤكد بصوت لاهث أن الجهاديين قد "قدموا اعتذارهم فوراً إلى الإسرائيليين".
قدموا اعتذارهم طبعاً. لأن داعش تعمل من أجل تحقيق الأهداف الإسرائيلية الرئيسية في سوريا والعراق. هذه الأهداف هي إبقاء الدول العربية العلمانية في حالة ضعف وتجزئة ومدماة بفعل الحروب المتواصلة. والواضح أن هذه الأهداف هي أيضاً الأهداف الاستراتيجية للدولة الأميركية العميقة سواء كان يحكمها ترامب أم غير ترامب. وتأتي صفقة السلاح الجديدة بكل ضخامتها لتندرج تماماً في هذا الإطار. وليس من الممكن أن يكون هنالك تعبير أفضل عن خطوط الجبهة الجديدة: من جهة، نجد واشنطن وآل سعود ومجلس التعاون الخليجي وإسرائيل (المجلس يموت اشتياقاً لتوقيع اتفاق مع الإسرائيليين، وهو مستعد من أجل ذلك للتخلي عن الفلسطينيين). ومن الجهة الأخرى، نجد إيران وسوريا وروسيا.  


مطر من أوراق النقد ثمناً للأسلحة
مجرد الزيارة بحد ذاتها، مع آل سعود بأكملهم وهم يقفون بخشوع فرحين مع كل إمبراطوريتهم الإعلامية بأذرعتها المتشعبة، تبين إلى أي مدى ما زالوا هم أنفسهم منذ الزمن الجميل الذي شهد على اللقاء بين روزفلت والملك السعودي على ظهر السفينة  USS Quincy. مرة أخرى، يعمد آل سعود إلى شراء الحماية الأميركية ومافيا حزب الحرب تعرف كيف تعترف بـ "العرض الذي لا يمكن رفضه".
التحالف بين أبو ترامب الأمريكي وولي ولي العهد، محمد بن سلمان، سيشكل علامة فارقة ودائمة في التاريخ. فبصفته مشاغباً وعدوانياً وأنانياً يظن نفسه خبيراً في الاقتصاد، لا يتوقف محمد بن سلمان عن تجميع الأعداء حوله ممن هم أصحاب مراتب عالية في الرياض.
المملكة السعودية هي مملكة ريعية من المستوى المتدني وبالصيغة البدوية التي تتفشى فيها روح الاستعلاء. كان عدد سكانها مقدراً العام الماضي بـ 26 مليون نسمة بينهم 18 مليوناً من القادرين على العمل. وفيها، بالحد الأدنى أكثر من 9 ملايين عامل أجنبي وما لا يقل عن مليوني مهاجر غير شرعي. وليس هنالك، من الناحية العملية غير 8 ملايين سعودي يزاولون عملاً من الأعمال و41 بالمئة منهم يعملون بوقت كامل.
لقد جال محمد بن سلمان في العواصم الغربية بهدف الترويج لبرنامجه "رؤية 2030"، وهو البرنامج الذي سيقلص، نظرياً، اعتماد السعودية على النفط. ويشتمل البرنامج، ضمن ما يشتمل عليه، على تقليص لأجور موظفي الدولة، وتقليص للمساعدات في مجال الطاقة،  وعلى بيع لأراض في محيط مكة، خصوصاً على بيع 5 بالمئة من حصص شركة آرامكو العملاقة إلى مستثمرين أجانب عن طريق الدخول إلى البورصة يفترض أن يتم العام المقبل وأن يعود بأرباح تزيد عن 100 مليار سيعاد توظيفها في مشروعات للطاقة الشمسية والنووية. وكل ذلك تحت عنوان "من المفترض". لكن المؤكد، بينما كان محمد بن سلمان يلقي مواعظه التقشفية، لم يلزمه خلال الصيف الماضي غير بضع ساعات ليتخذ قراره بشراء يخت الملياردير الروسي يوري شيفر بمبلغ 550 مليون يورو بعد أن رآه بينما كان يمضي عطلة على الشاطئ اللازوردي.
ثم إن هنالك اليمن. هي فييتنام آل سعود، وخصوصاً فييتنام محمد بن سلمان. وكنتيجة مباشرة لحرب محمد بن سلمان، تقدر الأمم المتدة عدد اليمنيين الذين يعانون من فقدان "الأمن الغذائي" بـ 17 مليون شخص. هذا يعني أن اليمنيين يموتون جوعاً، بمن فيهم 3،3 مليون من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات. ومن جهته، فإن ترامب يدعم الحرب على اليمن بلا هوادة.
بخصوص داعش، قال الكاتب الجزائري الكبير كامل داود كلاماً رائعاَ: "داعش لها أم، وأمها غزو العراق. لكنّ لها أباً أيضاً، وأبوها هو الصناعة الإيديولوجية السعودية". فمنذ العام 2009، قامت ويكيليكس بإيضاح الأمر التالي: متبرعون سعوديون بصفتهم الشخصية هم المصدر الأول لتمويل الجهاديين - السلفيين.


لا تأملوا في أن يقوم مستشارو ترامب بشرح ذلك لرئيسهم. وأياً كان الاسم الذي تأخذه، سلفية أو وهابية، فإن العقيدة الرسمية للسعودية هي فرع مغرق في الطهرانية من الإسلاموية التي تدعو إلى جهاد توسعي. آل سعود والخلافة الجهادية هما وجهان لعملة الحكم الإلهي الشمولي. أما الاستقبال الحماسي الذي خصوا به ترامب وطموحاته إلى محاربة داعش فهي الأفضل الذي لا يعلى عليه في منتجات مونتي بايثون (3).
لكن آل سعود يمكنهم دائماً أن يعتمدوا على الغربيين السذج/الجشعين الذين يذكرون بقصة روزفلت وملك السعودية. وكل ما يحتاجون إليه هو تكتيك لعدم لفت الأنظار. على سبيل المثال، هنالك المقابلة التي أجريت مع محمد بن سلمان قبل أسابيع من قبل قناة العربية والتلفزين السعودي والتي قال فيها "لن ننتظر حتى مجيء المعركة إلى الأراضي السعودية، ولكننا نعمل على نقلها إلى الأراضي الإيرانية"، قال ذلك وهو يؤكد بطريقة مضحكة أن الشيعة الإيرانيين يريدون احتلال مكة. بالفعل، فإن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقوم، منذ سنوات، بإنتاج ألعاب [فيديو] حربية على شكل عمليات غزو، لكن الذين يقومون به هم من القوات الخاصة الأميركية.  
عندما وعد محمد بن سلمان، وهو ينفخ صدره بشكل مبالغ فيه،  بنقل "الحرب" ضد إيران إلى الأراضي الإيرانية، ربما تكون عيناه قد أصبحتا أكبر من بطنه. وإنه لمن الممكن تماماً أن ترامب لا يسعى إلى مواجهة مفتوحة مع طهران، لأنه يحتاج إلى إيران وروسيا من أجل التوصل إلى نوع من اتفاق سلام في سوريا (من النوع الذي ناقشه ترامب وتيلرسون ولافروف في البيت الأبيض).
على ذلك، وبما أن في الوقت متسعاً، لماذا لا نسترخي ونحن ننظر إلى فورة هذا الحماس السعودي؟ هنالك مطر من أوراق النقد ثمناً للأسلحة ولا أحد يعرف أفضل من أبو ترامب الأميركي أن لا وجود لبزنس أكثر ربحية من بزنس الحرب (بالوكالة).
-----------------
 هامش:
1-    "أبو ترامب الأمريكي"، أو "أبو إيفانكا الأمريكي" ... هما اسمان يطلقهما على ترامب جهاديو سوريا والعراق ابتهاجاً منهم بالصواريخ التي يطلقها ضد سوريا.
2-    من الحقائق التي أثبتتها ممارسات التنظيمات الوهابية الممولة والمعبأة من قبل السعودية أن غالبية المسلمين من أهل السنة هم في طليعة من يكتوون بنار الحقد السعودي (المترجم).
3-    مونتي بايثون : فرقة فنانين بريطانيين يعملون في مجال الكوميديا السريالية (المترجم).

 Pepé Escobar- عن موقع   Mondialisation.ca   الالكتروني- ترجمة راصد الخليج-