ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

السعودية لديها الكثير لتخسره في أزمتها مع قطر

في 2017/06/12

تحرص المملكة العربية السعودية على التقليل من شأن قطر بكل المعايير تقريبا. ولكن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها لهذه الأزمة أن تتسبب في الإضرار بمصالح المصدر الأكبر للنفط في العالم، حتى لو فازت في معركتها.

ودفع السعوديون وحلفاؤهم طوال الأسبوع ضغوطا على قطر تضمنت قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض حصار بري وبحري وجوي. وكان الهدف المعلن هو إجبار قطر على الرضوخ للسياسة السعودية.

وللخلاف مع قطر في منطقة الخليج تاريخ طويل. ولكن حجم الأزمة الحالية غي مسبوق، كما أنها اندلعت في وقت تتمزق فيه المنطقة بالحروب. وانتشر الخلاف الآن إلى الدائرة الداخلية للملوك الخليجيين، في الوقت الذي يسعى فيه السعوديون وأميرهم الصغير «محمد بن سلمان» إلى الاستثمار الأجنبي من أجل تحديث الاقتصاد الذي يعتمد على النفط.

ووفقا لـ«يزيد صايغ» أحد كبار الزملاء في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن أكثر ما يثير القلق هو أن «السعودية والإمارات العربية المتحدة يكررون نفس الأخطاء التي ارتكبوها عندما اتخذوا قرار الحرب في اليمن». ويضيف: «لم يكن لديهم استراتيجية سياسية واضحة، واستندوا إلى افتراضات خاطئة، وتكبدوا تكاليف مالية باهظة وتسببوا في خسائر بشرية متفاقمة، وهم اليوم في حالة أسوأ على الصعيد الأمني».

وكما هو الحال في الاشتباكات الإقليمية الأخرى، فإن القوى الخارجية يتم جذبها إلى الخلاف الخليجي، وليست كلها تقف على الجانب السعودي.

قام الرئيس الامريكى «دونالد ترامب» الذي زار المملكة الشهر الماضي بالتغريد ثم التصريح دعما للحملة التي تقودها السعودية. بيد أن البنتاغون ووزارة الخارجية اتخذتا موقفا أكثر حيادا. ودعا وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» يوم الجمعة إلى تخفيف الحصار قائلا إنه يسبب نقصا في الغذاء ويعوق الحرب ضد الدولة الإسلامية، حيث تستخدم قوات التحالف القاعدة الجوية في قطر بكل مكثف لشن حملاتها.

وقد عجلت تركيا بخطط سابقة لنشر بعض القوات إلى قطر، وعرضت إيران طرق نقل بديلة وإمدادات من السلع الأساسية التي لم يعد من الممكن استيرادها من المملكة العربية السعودية، وهذا الدعم يقلل من فرص السعودية في تحقيق انتصار سريع.

وقال «بول سوليفان» المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون في واشنطن: «إن تركيا لديها جيش قوي وبإمكان إيران إرسال الماء والغذاء وهما قوتان كبيرتان تدعمان قطر».

التصعيد

من وجهة النظر السعودية، كانت قطر تثير المتاعب في كل مكان. ويشمل ذلك تشجيع جماعة الإخوان المسلمين التي لا يحبها ملوك الخليج بسبب دعوتها إلى نظام إسلامي من خلال صناديق الاقتراع. كما أن الدوحة احتفظت بعلاقات ودية مع طهران التي تتشارك معها حقل غاز عملاق، وهي تستضيف وترعى شبكة الجزيرة التي تنتقد حلفاء السعودية. ولكن العنوان الرئيسي للحملة الأخيرة هو اتهام قطر بدعم الجماعات الجهادية مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، وهي تهمة توجه إلى السعودية أيضا، وتصر على نفيها كما هو الحال مع قطر.

وقالت السعودية والإمارات إنهما سيتخذان خطوات إضافية بشأن هذه النقطة، بما في ذلك فرض قيود على الإقراض المصرفي لقطر والمعاملات بالريال. وبدأ النزاع في التأثير على أسواق الطاقة الأوروبية، حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي مع قيام اثنتين من الناقلات المليئة بالوقود القطري بتغيير مسارهما بعيدا عن البحر الأبيض المتوسط، ربما لتجنب عبور قناة السويس، التي يديرها الحليف السعودي في مصر.

ولدى قطر الغنية بالغاز ما يكفيها من الموارد المالية لتحمل الحصار. وتمتلك البلاد صندوق ثروة سيادي تبلغ قيمته 335 مليار دولار، وهو يمتلك حصصا في العديد من الشركات العالمية من فولكس فاجن إلى باركليز.

المقاومة

وقال «سانام فاكيل»، زميل في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاثام هاوس في لندن، إن قطر ستكون متحمسة للمقاومة في ظل التصور أن ما تسعى إليه السعودية هو تغيير النظام. وأكد «فاكيل» أن استسلام قطر لهذه المطالب يمثل تحديا لسيادتها، وبالتالي لشرعية الأسرة الحاكمة. ويؤكد: «أجد أنه من الصعب أن نصدق أنهم سوف يرضخون بسهولة».

حتى الآن، لم ترضخ قطر. انتهي أسبوع كامل من المواجهة ولا تزال الدوحة تتمسك بالتحدي. وقال وزير الخارجية «محمد آل ثاني» للصحافيين في الدوحة إن واردات المواد الغذائية التي تأتي عادة عبر الحدود السعودية قد تم الحصول عليها من مصادر أخرى. وقال: «يمكننا أن نعيش في هذا الوضع إلى الأبد". وأضاف: «لسنا مستعدين لمناقشة أي تدخل في سيادتنا».

هذا لا يعني أن الضغط لن يثمر أي شيء في نهاية المطاف. الاقتصاد السعودي أكبر بأربعة أضعاف من الاقتصاد القطري، وعدد سكانها أكبر بعشرة أضعاف. هذا السوق الداخلي يساعد على عزل السعوديين عن أي تداعيات.

وتتشارك أسواق الأسهم نفس الرأي حول من هو أكثر عرضة للخطر. وفي حين لم يتغير المؤشر السعودي الرئيسي إلا بشكل طفيف خلال الأسبوع، انخفض المؤشر القطري بنسبة أكثر من 7%.

ولكن «فاكيل» يؤكد أن «أي نزاع من هذا النوع من المحتمل أن يفسد مناخ الاستثمار لكافة الدول». ويؤكد: «"سيدرك المستثمرون أن هذه منطقة يمكن أن تنهار فيها القضايا السياسية بشكل غير متوقع».

عدم الاستقرار

لا تستطيع المملكة العربية السعودية تحمل المزيد من عدم الاستقرار في محيطها الإقليمي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى جمع مليارات الدولارات من المستثمرين الأجانب من خلال بيع أسهم عملاقها النفطي، شركة أرامكو السعودية.

واعترف وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات «أنور قرقاش» أن سمعة الخليج كوجهة مستقرة لرأس المال قد تتضرر بفعل هذا الحصار. «لا أستطيع أن أنكر أن هذا الخلاف له خسائره».

وكان «قرقاش» انتقد قطر يوم الجمعة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلا إنه يجب «الوصول إلى حل من خلال الدبلوماسية وليس من خلال اللجوء إلى إيران أو تركيا».

الكثير من القلق

وقال «ثيودور كاراسيك»، وهو مستشار كبير في شركة «غالف ستيت أناليتكس»: «إذا أرادت قطر أن تقاتل، فإنها قد تهدد بالانسحاب من دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا من شأنه أن يضرب الجهود السعودية نحو توثيق الاتحاد».

وقال «كاراسيك»: «يمكن أن تبدأ قطر متسلسلة الخروج من التكتل». وقال إن هذه: «ستكون رسالة قوية لجميع الأطراف المعنية»، ومن المرجح أن تحصل على دعم خلف الكواليس من تركيا وإيران وحتى روسيا.

وهناك عضو آخر في مجلس التعاون الخليجي، الكويت، يقود الجهود المبذولة لضمان عدم وصول الأمور إلى تلك النقطة. وسافر أمير الكويت إلى السعودية وقطر هذا الأسبوع لإجراء مناقشات لم يتم الإعلان عن نتائجها بعد.

وعرض «ترامب» وساطة وزير الخارجية «ريكس تليرسون». وينظر إلى الرئيس الأمريكي نفسه على نطاق واسع بأنه يقف في صف السعودية. وتعهد «ترامب» باتخاذ خط أكثر صرامة بشأن إيران، وأشاد بالملك سلمان كشريك رئيسي.

هذا هو أحد الأسباب التي دفعت إيران إلى توجيه اللوم إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بعد هجمات الدولة الإسلامية في طهران هذا الأسبوع. لفترة طويلة، كانت الملكيات الخليجية رمزا للاستقرار في المنطقة، وما يحدث الآن هو أمر مثير للقلق.

بلومبيرغ- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-