ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

الأزمة الخليجية.. قطر تواجه اختبارا للضغط

في 2017/06/14

قبل ثلاثة عقود، لم يكن فندق شيراتون فيستا في الخليج الغربي في الدوحة موجودا. أما الآن، فإن الهيكل الخرساني للفندق يقع في ظلال عشرات ناطحات السحاب، وهو دليل على النمو السريع الذي تشهده شبه الجزيرة الصغيرة منذ أن قام والد الأمير الحالي «حمد بن خليفة آل ثاني» بتحديث اقتصاد قطر عن طريق الاقتراض الكبير ليصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم.

وسمحت الثروة الغنية بالولاية للشيخ بإطلاق قناة الجزيرة، وهي الشبكة الإعلامية الأكثر تأثيرا في العالم العربي، وأصبحت الراعي الرئيسي للفنون والتعليم، وحصلت الإمارة على حقوق استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022.

وحصد الصندوق السيادي ما قيمته 335 مليار دولار من عائدات الغاز الزائدة وحولت قسما منها إلى أصول في الشركات الأوروبية والعقارات من شارد وكناري وارف في لندن إلى نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم وفولكس واجن في ألمانيا. وفي هذه العملية، تربط هذه الدولة الخليجية نفسها بعمق في نسيج التمويل العالمي.

وقال «كريستيان كويتس أولريشسن»، وهو زميل في معهد بيكر في جامعة رايس، أن قطر «صنعت لنفسها مسارا منفصلا للهروب من الظل السعودي». وأضاف «لقد أخذوا درس الغزو العراقي للكويت: إذا كان لديك قيمة في الاقتصاد الدولي، يمكنك تعبئة الشركاء للمساعدة. ولكن سيتم اختبار هذا الحسبة في الأسابيع المقبلة.

وقد أثارت سنوات من الانغماس في ثورات الربيع العربي المضطربة غضب جيران قطر المحافظين. وقد تحركوا الأسبوع الماضي، حيث شجعت إدارة «ترامب» السعودية وثلاث دول عربية أخرى على فرض حظر جوي وبحري أدى لعزل دولة قطر وطرد مواطنيها من دولهم متهمين إياها بدعم الإرهاب والتقارب مع إيران.

وبدأت أسوأ أزمة خليجية على مدى عقود بحرب إعلامية شرسة بين البحرين والسعودية والإمارات وقطر، الذين أكد قادتهم منذ فترة طويلة على علاقات القرابة والدين والأخوة.

ورفض وزير الخارجية القطري «محمد بن عبد الرحمن آل ثاني» الاتهامات الموجهة للبلاده قائلا أن «الأخبار المفبركة» لمحاصرة الدوحة هي شكل من أشكال العقاب الجماعي الذي لا يتوقعه حتى من عدو.

وقال: «إننا مستعدون لإجراء محادثات إذا كانت هناك اتهامات واضحة ولكننا غير مستعدين لمناقشة التدخل في سيادتنا».

وقال «مشعل بن حمد آل ثاني»، سفير قطر لدى الولايات المتحدة، لصحيفة «فايننشال تايمز» إن البلدان التي تقف وراء الحصار تريد 10 أيام لتقديم مطالبها (الخليج الجديد: أبلغت الدول المقاطعة أمير الكويت أنها تحتاج إلى 10 أيم لتحديد مطالبها كما رفضت طلبا قطريا بالإفصاح عن هذه المطالب بشكل علني). وأضاف أن قطر طلبت من الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» المساعدة على تهدئة الأزمة.

ويحذر الشيخ محمد من أن الفشل في التوسط فى المواجهة يمكن أن يعرقل استقرار الأمن العالمي لموارد الطاقة ويمزق مجلس التعاون الخليجي المكون من ستة أعضاء.

وإذا كان انفتاح قطر مؤخرا على إيران التي ضربتها عمليتان إرهابيتان هذا الأسبوع أحد أسباب عزلة قطر، فإن الحصار يدفعها أيضا إلى أسلحة الجمهورية الإسلامية. وقد عرضت إيران فتح موانئها للحفاظ على تدفق الإمدادات الغذائية. كما تقوم تركيا بنشر قواتها في قاعدة في قطر.

وتعتمد قطر على احتياطيات الأغذية الاستراتيجية، وتحتاج إلى استكشاف طرق شحن جديدة للسفن التي تحمل شحنات إلى البلاد، وتقوم ناقلات النفط بتصدير غازها. وأصبحت طائرات الخطوط الجوية القطرية تتجنب المجال الجوي السعودي والإماراتي، وبدلا من ذلك تستغرق طرقا أطول عبر تركيا إلى الغرب وإيران إلى الشرق.

ويتحدث القطريون الآن بنغمات متشددة حول تحركات القوات المحلية واستدعاءات الاحتياط، مع الاهتمام بنوايا الرياض ونوايا أبو ظبي. وقال أحد كبار رجال الأعمال القطريين «نشعر بأننا الكويت قبل الغزو العراقي نحن نخشى من إعلان حرب من جيراننا». وأضاف: «إنهم يحاولون خنقنا وكأننا كوريا الشمالية».

جذور المواجهة

ويمكن أن تعود جذور هذا المواجهة الخليجية إلى أوائل عام 1995، عندما أطاح الشيخ «حمد» بأبيه في انقلاب غير دموي. وأثار هذا التحرك غضب النظام الإقليمي وغضب القادة الإقليميين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي روجت للشيخ «خليفة» المخلوع كزعيم في المنفى ودعمت انقلابا فاشلا في عام 1996.

وبعد ثلاثة عقود، أصبح «محمد بن زايد آل نهيان»، ولي العهد القوي في أبوظبي، و«محمد بن سلمان»، نائب ولي العهد السعودي، هما الجيل القادم من قادة الخليج الذين يحاولون جلب قطر تحت سيطرتهم، ولكن المهمة أصعب الآن. وقد مكنت حملة تحديث الشيخ «حمد» قطر من الهروب من سيطرة الرياض. وبدعم من «حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني»،رئيس الوزراء السابق الزئبقي والوسيط الدبلوماسي، قام الأمير بتحويل قطر إلى قوة عالمية.

إن ربط البلاد بالاقتصاد العالمي، مع روابط من اليابان إلى المملكة المتحدة، جعل الدوحة من الركائز التي لا غنى عنها في أسواق الطاقة. واكتسبت قطر نفوذا إقليميا مع إطلاق قناة الجزيرة في عام 1996، وهي تقدم بديلا للتغطية الإعلامية الرسمية التي تصل من الأقمار الصناعية إلى كل المنازل العربية.

عندما اندلع الربيع العربي في عام 2011، دعمت القناة العربية بحماس الثورات الجماهيرية ضد الحكام في مصر وتونس وليبيا وسوريا، على الرغم من أنها كانت أكثر غموضا فيما يتعلق بالأغلبية الشيعية البحرينية التي تطعن في حكامها من الأقلية السنية.

وقد وصف النقاد الشبكة بأنها بوق لجماعة الإخوان المسلمين. وفي الوقت نفسه، كانت قطر تدعم الحركات الإسلامية في المنطقة، من حكومة «محمد مرسي» في مصر إلى فصائل معارضة في ليبيا وسوريا. وكان رهانها أن شراء التأثير داخل القوة المتصاعدة للإسلام السياسي سيحقق استقرارا طويل الأجل للدولة الصغيرة.

القناة الدبلوماسية

وقال «ديفيد روبرتس»، محاضر في الدراسات الدفاعية في الكلية الملكية في لندن: «كثيرا ما اعتمدت قطر على المنفيين في الدوحة لتكون قنوات هامة لسياستها الخارجية. معظم المنفيين في الشرق الأوسط إسلاميين. كما هو الحال في المنفى في الدوحة على مدى عقود». وأضاف: «اعتقدوا أيضا أنهم رأوا اتجاها شعبيا ناشئا وحرصوا على دعمه».

كما بدأت السعودية والإمارات، في المقابل، باعتبار قوى الإسلام السياسي كتهديد وجودي للأنظمة الحاكمة الملكية في الخليج، وفي رؤية سياسات قطر الإقليمية باعتبارها تحديا مباشرا لسياساتها الخارجية في أماكن مثل مصر وليبيا.

واتهم النقاد الدوحة بالتعامل مع الشؤون الدولية مثل طاولة الروليت، وذلك باستخدام ثروتها الهائلة عبر مسارح مختلفة من الصراع. وقال «عمر سيف غباش» سفير الإمارات لدى روسيا: «إننا نبحث عن اعتراف بأن هذه السياسة الخارجية انتهت، ولن يكون هناك دعم للإسلام المتطرف». وأضاف: «لقد وصلنا إلى نهاية الطريق مع قطر. إنهم بحاجة إلى الاختيار».

وقال «ناصر بن حمد آل خليفة»، السفير القطري السابق لدى الولايات المتحدة: «لماذا تجرم قطر أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي تضم عشرات الملايين من المؤيدين في العالم العربي».. «هذا جنون».

وفي قاعة الطعام في الرياض حيث قام السيد «ترامب» بمشاركة القادة المسلمين لحم الخروف والحمص الشهر الماضي، بدا الشيخ «تميم»، أمير قطر، كشخصية معزولة. حيث جلس الشيخ «محمد» ولي عهد أبو ظبي؛ إلى يمين «ترامب» بينما جلس إلى يساره العاهل السعودي الملك «سلمان» والرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي». وكان الشيخ «تميم» إلى جانب «نجيب رزاق» رئيس الوزراء الماليزي.

ويشكك القطريون الآن في أن مؤامرة عزلهم قد حيكت في هذا الاجتماع، حيث تحدث السيد «ترامب» والملك «سلمان» في اتحاد ضد إيران وبعد ثلاثة أيام، نشرت وكالة أنباء قطر التعليقات المنسوبة للأمير التي أشادت بفتح العلاقة على إيران وانتقدت السيد «ترامب». ونفت الحكومة هذه التعليقات قائلة أنها كانت نتيجة حادث اختراق.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن قطر لا تمثل ثلث إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية فحسب، بل تستضيف أيضا المقر العسكري الإقليمي للقيادة المركزية الأمريكية.

وأصبحت قاعدة العديد نقطة انطلاق حاسمة للعمليات الأمريكية عندما طلبت السعودية من القوات الأمريكية مغادرة المملكة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وقدمت قطر موقعا أكثر استقرارا للعمليات في أفغانستان والعراق، ومؤخرا، في العمليات ضد تنظيم الدولة.

وحرصت الدوحة، التي تحميها المصالح العسكرية الإقليمية الأميركية، على توسيع محاولاتها لتصبح صانعا إقليميا للسلام، واتفقت على اتفاقات بشأن لبنان والسودان. إلا أنه عندما اقترن ذلك بالدعم المزعوم للإسلاميين في سوريا وليبيا، أصبحت الشبكة المعقدة من العلاقات غير مقبولة للأمراء المحافظين في الخليج.

وأثار السيد «ترامب» المواجهة الخليجية هذا الأسبوع بتغريدة الدعم الواضح للحملة السعودية. وتراجع بعد ذلك بعد أن أعربت وزارة الخارجية والبنتاغون عن تأييدهما لقطر قائلا أن البلدين «يتعاونان في الحرب ضد الإرهاب».

وقالت «لوري بلوتكين بوغاردت»، المحللة السابقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في معهد واشنطن، إن الولايات المتحدة قد تجبر على تغيير اتجاه قطر. وأضافت: «هناك فرصة خاصة الآن للعمل مع القطريين لضبط بعض السياسات التي تعتبرها الولايات المتحدة خطرة». ويقول القطريون إن أي تدخلات إقليمية تقوم بها قد أجريت بالتنسيق مع الإدارات الأمريكية السابقة. وهم الآن يخشون أن يخرجوا من عملية «ترامب» الانتقالية.

وعلى العموم، يقوم القطريون بعرض الوحدة، ويغطون سياراتهم بصور الشيخ «تميم» ويقللون من السبات. ولكن وراء الأبواب المغلقة، يتساءل آخرون عما إذا كان زعيمهم يمكنه الصمود أمام هذا الهجوم.

وقال رجل الأعمال القطري: «ترى الإدارة الأمريكية الجديدة قوة جديدة ظهرت في السعودية وهو محمد بن سلمان، الذي طلب منه الذهاب وإيقاف أعداء المملكة». وقال «ترامب»: «حسنا، أريد التعامل معه».

فاينانشيال تايمز- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-