سياسة وأمن » ارهاب

السعودية والإمارات في حالة تنافس حقيقي

في 2017/06/15

في الدبلوماسية الشرق أوسطية، لا تكون الأمور دائمًا كما تبدو. وغالبًا ما يحكم المراقبون الغربيون على العلاقات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي من خلال عدسة ثقافتهم الخاصة، ويأخذون بعين الاعتبار تصريحات الكتلة بالتضامن والتضامن ووحدة الهدف داخل صفوفها. وفي الواقع، نادرًا ما يفوت الإماراتيون أي فرصة لكي يثنوا على الملك السعودي سلمان «لعمله على مصالح دول مجلس التعاون الخليجي ودعم القضايا العربية والإسلامية». لكنّ العلاقة بين الدولتين العسكريتين الأقوى في الخليج قد لا تكون قوية كما تبدو.

حب الأشقاء أم تنافس الأشقاء؟

عندما تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر/كانون الأول عام 1971، لم تضع المملكة العربية السعودية أي وقت في التحرك لاحتوائها. وصدت الرياض محاولات أبوظبي لضم قطر والبحرين إلى الدولة الاتحادية التي تم تشكيلها حديثًا. وبعد ثلاثة أعوام، اضطر المسؤولون الإماراتيون مرةً أخرى إلى الانحناء للضغط السعودي والتوقيع على معاهدة جدة، التي تنازلت فيها عن مطالبة أبوظبي ببحر خور العديد الذي يربط الإمارات بدولة قطر، في مقابل اعتراف الرياض باستقلال الإمارات. (ولأنّها وقعت الاتفاق تحت الإكراه، لم تصدق الإمارات أبدًا على المعاهدة، وطالبت بإلغائها منذ أعوام).

واستمرت المنافسة الشرسة بين البلدين حتى يومنا هذا، حيث عملت السعودية على منع جارتها من أن تصبح منافستها الأكبر في مجلس التعاون الخليجي، عندما بحثت الإمارات فكرة لبناء جسر يربط أبوظبي بالدوحة عام 2004 دون عبور الأراضي السعودية، اعترضت الرياض بغضب على المشروع. ومن وجهة نظرها، كان شبح دولتين خليجيتين تعملان معًا خارج حدود الإطار الذي تسيطر عليه السعودية في مجلس التعاون الخليجي يشكل تهديدًا لنفوذ المملكة في المنطقة.

أبقِ أصدقاءك قريبين .. وأعداءك أقرب

ونظرًا لتاريخهما المحفوف بالمخاطر، قد يكون من المفاجئ أنّ كلا الخصمين ينتميان إلى كتلة تؤكد على تقديم الوحدة بين أعضائها قبل كل شيء. وعندما أُنشئ مجلس التعاون الخليجي في مايو/أيار عام 1981، كان السبب الرسمي لوجوده هو تشجيع الانسجام بين الدول ذات الطموحات والهويات السياسية والثقافية والدينية المشتركة.

وبالطبع، كان هناك أيضًا دافعٌ أكثر واقعية وراء تشكيل الكتلة. فمع انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج في ديسمبر/كانون الأول عام 1971، وقطيعة العالم العربي مع مصر بعد زيارة «أنور السادات» إلى القدس في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1977، والتوقيع اللاحق على اتفاقية «كامب ديفيد» في سبتمبر/أيلول عام 1978، وانهيار حكومة الشاه «محمد رضا بهلوي» الإيرانية في يناير/كانون الثاني عام 1979، نتج فراغٌ كبير في السلطة في الخليج. ومع استشعار ضعفها وعدم قدرتها على تشكيل الأحداث التي تتكشف حولها، وافقت دول المنطقة الصغيرة على مضض على الانضمام إلى الكتلة التي تقودها السعودية. لكنّ قرارها كان مدفوعًا أكثر بضرورة التحوط أمام عدم اليقين أكثر من الطموحات بتحقيق المكاسب التي يمكن أن تحققها الشراكة مع قوة إقليمية أكبر.

غير أنّ غزو العراق المفاجئ للكويت في أغسطس/آب عام 1990 حطم أسطورة الكتلة في الاعتماد على الذات، مما أجبر دول مجلس التعاون الخليجي على مناشدة القوى الأجنبية، ومن بينها الولايات المتحدة، من أجل الحماية. وبدلًا من التأكيد على التضامن داخليًا في العالم العربي، بدأت الكتلة بالتركيز على محاولة تكرار القوة العسكرية الأميركية. وبدأت السعودية في الاستثمار بكثافة في عمليات الاستحواذ الدفاعي. وحذت الإمارات حذوها.

التغريد خارج السرب

وبقيت الإمارات متشككة للغاية في نوايا السعودية، وهي مقتنعة بأنّ الرياض تعتزم استخدام مجلس التعاون الخليجي للسيطرة على جيرانها الأصغر حجمًا. وعندما تولى أبناء «زايد آل نهيان» الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، لم يضيعوا أي وقتٍ في تحدي هيمنة السعودية على الكتلة من خلال تجميع أدوات القوة الوطنية، من خلال جيش قوي واقتصاد تطلعي وسياسة خارجية ديناميكية. وردت الرياض على تحدي أبوظبي ب الإجراءات العقابية المتاحة.

وخوفًا من الهيمنة السعودية وفشل الأمن الجماعي، تخلت أبوظبي عن نهجها في التعاون عسكريًا مع زملائها في مجلس التعاون الخليجي.

وفي غضون بضع سنوات، أصبحت الإمارات قوةً عسكريةً متزايدة في الشرق الأوسط، الوضع الذي مكنها من رسم مسارها الخاص في السياسة الخارجية، بعيدًا عن نفوذ المملكة. وقد حثها استقلالها الجديد منذ ذلك الحين على السعي لإعادة رسم حدودها مع السعودية، لتشمل 80% من حقل نفط الشيبة الضخم.

وبطبيعة الحال، لم تخرج الإمارات السعودية من اللعبة تمامًا. وقد دفعت موجة الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت الشرق الأوسط في أوائل عام 2010 البلدين إلى العمل معًا على مستوىً تكتيكيٍ من أجل عزل دولتيهما عن الاضطرابات التي تنتشر حولها. ومع ذلك، كانت لديهم اختلافات عميقة في الرأي. وعلى سبيل المثال، ساندت كلتاهما محاولة «عبد الفتاح السيسي للإطاحة بالرئيس المصري «محمد مرسي» في يوليو/تموز عام 2013، وقامتا بضخ مليارات الدولارات إلى حكومته المشكلة حديثًا على أمل تحقيق الاستقرار. لكنّهما اختلفا بشكلٍ جوهريٍ حول كيفية حل النزاعات المطولة في سوريا واليمن. ورفضت أبوظبي تقديم الدعم للحركات الإسلامية في تلك الدول، في حين كانت الرياض مرحبة بها ما لم تهدد استقرار المملكة.

معركة اليمن

ولكن، استنادًا إلى تقارير وسائل الإعلام السعودية، لا يمكن للمرء معرفة أنّ هذه النقاط المثيرة للجدل موجودة بين الجارتين. وفي محاولة لإضفاء الشرعية على قرار ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» بالذهاب إلى الحرب في اليمن، أشارت وسائل الإعلام في البلاد بشغفٍ إلى مشاركة الإمارات في الحملة العسكرية، كدليل على التحالف الاستراتيجي بين الدولتين.

ومع ذلك، لا يقترب هذا من الحقيقة، وقد أبدت أبوظبي استياءً كبيرًا من هجوم الرياض، ووفقًا لمرصد الشرق الأوسط، تدهورت العلاقات وسط انقسامات مستمرة «حول القضايا الإقليمية وخاصةً بشأن الأحداث التي كانت تتكشف بسرعة في اليمن». وكانت المناقشات المتكررة بين الدولتين ساخنة جدًا، حيث اضطر ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عشية عملية عاصفة الحزم في مارس/آذار عام 2015، إلى الانتظار لمدة 10 أيام للحصول على إذن بزيارة الرياض لمناقشة المراحل الافتتاحية للتدخل في اليمن مع المسؤولين بالمملكة.

وقد ظهرت الفجوة بين السعودية والإمارات مرةً أخرى في فبراير/شباط الماضي، عندما اجتمع أكثر من 150 مسؤولًا من الدولتين بهدف تعزيز علاقاتهما الثنائية. ومع ذلك، أعلنت أبوظبي أنّ مشاركة قواتها في الحرب اليمنية قد انتهت إلى حدٍ كبير. واعتبر المسؤولون السعوديون هذه الخطوة التي لم تنسق معهم مسبقًا، صفعة في وجه المملكة تهدف إلى إضعاف موقفها كزعيمٍ للتحالف.

وحتى يومنا هذا، لا تزال اليمن تشكل ساحة معركة غير معلنة بين أكبر متنافسين في الخليج.

وفي حين تعتبر السعودية نفوذها في البلاد حيويًا لاستقرارها، ترى الإمارات نفوذها في اليمن كفرصة لكسر جهود الرياض الدؤوبة لدفعها إلى الفخ بين الخليج العربي والصحراء القاحلة في السعودية. وعلى الرغم من مشاركة أبوظبي في عملية عاصفة الحزم التي قادتها الرياض، إلا أنّها تدعم في الوقت نفسه مقاتلي الحوثيين في المنطقة الجنوبية من اليمن، على أمل أن يصبح ميناء عدن الاستراتيجي امتدادًا للميناء في دبي، بدلًا من كونه منافسه. وفي الوقت نفسه، فإنّ التزام الإمارات بالانضمام إلى «الناتو العربي» بقيادة السعودية لا يزال لا يتجاوز كونه ليس أكثر من مجرد تعهدٍ غامض.

ويبدو أنّ الأسر الحاكمة في كلا البلدين تعتقد أنّ الحفاظ على النسيج الاجتماعي لكلا البلدين ضروريٌ لضمان استمرار شرعية قيادتهما التقليدية في عالمٍ يتغير باستمرار. ومع ذلك، سوف تتسبب مناورات كلٍ منهما في هذا التنافس في حصولهما على نصيبهما من الصراع الدائر في جميع أنحاء المنطقة.

ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-