ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

قطر لا تحتاج إلى حصار، بل إلى رقابة وتدقيق

في 2017/06/17

تشكّل الروابط الوثيقة بين الدوحة وعدد من العناصر المتطرفة إحدى المظالم التي ينطوي عليها الصراع الدبلوماسي الدائر بين قطر ودول الخليج العربي الشقيقة. وتشمل هذه العناصر مجموعة واسعة من التنظيمات بدءاً من حركة "طالبان" وإيران وصولاً إلى جماعة «الإخوان المسلمين». إلا أن العلاقة الأكثر إثارةً للقلق هي تلك التي تربط قطر بتنظيم «القاعدة»، وقد حان الوقت لوضع حدٍّ لها.

يتمتع تنظيم «القاعدة في سوريا» بطابع من الشرعية (في غير محله) لدى قطر كونه يحارب نظام بشار الأسد وتنظيم «الدولة الإسلامية» على السواء. وفي الواقع أن عدداً كبيراً من أهم مانحي الجماعة يموّلون هذه القضية لأنهم يعتبرون تنظيم «القاعدة في سوريا» الجهة "المتطرفة المعتدلة" في هذا الصراع المتعدد الأطراف. وغالباً ما يُنظر إلى تنظيم «القاعدة في سوريا» في هذا الضوء، ويعود ذلك لأن الناس يتفقون مع الأيديولوجية، ويرون أنها أكثر اعتدالاً من البدائل، أو لمجرد أنهم على استعداد لوضع القضايا الإيديولوجية جانباً ودعم الجهة التي توفّر لهم إمكانية حقيقية لإنهاء نظام الأسد القاتل، فلا يعتبرون أن مساهماتهم تصنَّف في نطاق التمويل الصريح لتنظيم «القاعدة».

ولطالما كانت هذه النظرة في غير محلها، وأصبح التصدّي لها بقوة أمراً ضرورياً اليوم. إن قوة التنظيم الحالية في سوريا قد فتحت أمامه فرصاً جديدة، من الناحيتين العملياتية والمالية، ولا يزال يشكل تهديداً للغرب. وادّعى تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي في تموز/يوليو 2016 أن تنظيم «القاعدة في سوريا» "لا يزال أحد أكثر فروع تنظيم «القاعدة» فعالية في العالم". وقد انتقل العديد من كبار عناصر الجماعة الإرهابية إلى سوريا من جنوب آسيا. ولذلك فإن إغلاق المصادر الحالية للإيرادات والموارد التي تستفيد منها الجماعة أمراً بالغ الأهمية.

ولطالما دعمت الجهات المانحة وجِهات جمع التبرعات المتواجدة في الخليج العربي تنظيم «القاعدة» المركزي والفروع التابعة له في العراق ومؤخراً في سوريا. ولكن بينما تعمل معظم هذه الفروع على تنويع أساليب جمع التبرعات، مستغنيةً عن الاعتماد على المانحين الفرديين وعلى استغلال التبرعات الخيرية لإخفاء معاملاتها، إلّا أن تنظيم «القاعدة في سوريا» بقي الاستثناء الرئيسي لهذه الظاهرة. فوفقاً لـ مجلس الأمن  الدولي، واصل التنظيم اعتباراً من كانون الثاني/يناير 2017 بكسب مدخوله من "التبرعات الخارجية بشكلٍ أساسي" إلى جانب مصادر تمويل إجرامية مثل الاختطاف طلباً للفدية والابتزاز وغنائم الحرب.

 

ومن المحتمل أن تصل ميزانية التنظيم إلى 10 ملايين دولار سنوياً، علماً بأن عدة ملايين منها تأتي سنوياً من جهات مانحة خاصة في الخليج، بتسهيلٍ من جبهات تغطية مزيفة عبر الإنترنت. فالكويتي حجاج العجمي الذي فُرضت عليه عقوبات من قبل الأمم المتحدة في عام 2014، على سبيل المثال، استخدم موقع تويتر لجمع التبرعات لـ تنظيم «القاعدة في سوريا». كما أن العجمي وآخرون، مثل المواطن القطري سعد بن سعد الكعبي  نشروا نداءات لجمع الأموال عبر تطبيقي الفيسبوك والـ "واتسآب" من أجل "تسليح وإطعام ومعالجة" المقاتلين في سوريا. ويشمل ذلك استعانة صريحة بمصادر خارجية عبر الإنترنت لجمع التبرعات لتنظيم «القاعدة» وجماعات جهادية أخرى في سوريا.

ولهذا السبب بالذات، في آذار/مارس 2014  قام وكيل وزارة الخزانة الأمريكية آنذاك كوهين بتصنيف قطر حصرياً بأنها "سلطة متساهلة" مع تمويل الإرهاب. وشدد كوهين على أن المشكلة ليست محصورة بدعم حركة «حماس»، بل تشمل الدعم القطري للتنظيمات المتطرفة العاملة في سوريا. وخلص إلى أن "أقل ما يمكن قوله هو أن هذا الأمر يهدد بمفاقمة وضع متقلّب بالفعل بطريقة خطرة جداً وغير مستحبة بشكل خاص".

وهذا ما حصل بالفعل. فوقاً لتقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، دفعت قطر فدية بعدة مئات من ملايين الدولارات، لجماعات من بينها تلك المرتبطة بـ تنظيم «القاعدة»، مقابل الإفراج عن أفراد من العائلة المالكة القطرية كانوا قد اختُطفوا في العراق. وإذا صحّ هذا الأمر، فحتى إذا ثبت أنّ هناك مبالغة كبيرة في هذه المبالغ من المال، فهذا يعني أن أموال الفدية ما هي إلّا مبالغ دُفعت من صندوق الخزينة القطرية إلى تنظيم «القاعدة».

لقد اتخذت قطر بعض الإجراءات المحدودة ضد المموّلين للإرهاب مثل: تجميد الأصول، وفرض حظر على السفر، وإغلاق الحسابات، وإيقاف حملة «مدد أهل الشام» لجمع التبرعات المرتبطة بـ تنظيم «القاعدة في سوريا»، وأطلقت العديد من الملاحقات القضائية. ولكن في جميع هذه الحالات، لم تتحرك قطر إلّا رداً على ضغوط أمريكية كبيرة بينما أبدت تردداً ملحوظاً في المجاهرة بنجاحاتها.

وفي الوقت نفسه، غالباً ما أسفرت إجراءات قطر عن نتائج مختلطة أو غير واضحة. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية من عام 2014 بشأن الإرهاب قد أشاد بفضل قطر في إغلاق «مدد أهل الشام»، المنصة الإلكترونية لجمع التبرعات، التي كان سعد الكعبي يديرها عبر الإنترنت، أفاد تقريرٌ لتصنيف العقوبات صدر لاحقاً عن وزارة الخزانة الأمريكية بأنّ الكعبي ما زال يشارك بنشاط في تمويل تنظيم «القاعدة في سوريا» على الأقل بعد عام من ذلك، أي في 2015. وثمة حالة أخرى أفادت عنها وزارة الخزانة  الأمريكية تشمل عبدالملك عبد السلام (المعروف أيضاً باسم عمر القطري)، وهو مواطن أردني مقيم في قطر كان قد وفّر "دعماً كبيراً" لتنظيم «القاعدة في سوريا». فقد عمل في عاميْ 2011 و 2012 مع شركاء في تركيا وسوريا ولبنان وقطر وإيران لجمع الأموال والأسلحة ونقلها وتسهيل سفر المقاتلين. ووفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2014، قامت السلطات القطرية بترحيل مموّل للإرهاب يحمل الجنسية الأردنية ومقيم في قطر وكان يعمل لصالح جمعية خيرية قطرية في ذلك العام؛ ومن الممكن أن يكون ذلك الشخص عبدالملك عبد السلام، ولكن لم يتم تأكيد ذلك علناً.

وتجدر الإشارة إلى أنّ موقف قطر من مسألة مقاضاة مموّلي الإرهاب في المحاكم القطرية اتّسم بقدر استنثائي من الريبة. فوفقاً لـ التقرير القِطري حول الإرهاب الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2015 على سبيل المثال، "بذلت الدوحة جهوداً لمحاكمة مموّلين كبار للإرهاب"، في حين واصل الأفراد والكيانات في قطر بتمويل تنظيم «القاعدة». وفي الواقع، تمت محاكمة خمسة من مموّلي الإرهاب وهم ابراهيم البكر، وسعد الكعبي، وعبد اللطيف الكواري، وعبد الرحمن النعيمي، وخليفة السباعي، وقد تمت تبرئة اثنين منهم (هما الكعبي والنعيمي) في عام 2016 بينما أدين الثلاثة الآخرون: السباعي في عام 2008، والبكر والكواري في عام 2016. لكن البكر الذي أُدين غيابياً لا يزال حرّاً طليقاً في مكان ما خارج قطر، مع العلم أن تلك لم تكن إدانته الأولى، فقد سبق أن أُلقي القبض عليه في قطر في "أوائل العقد الماضي" ثم "أُطلق سراحه بعد أن وعد بعدم ممارسة أي نشاط إرهابي في قطر"، وفقاً لما جاء في تقرير تصنيفه الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية عام 2014. أما السباعي فأدين غيابياً في محكمة بحرينية في كانون الثاني/يناير 2008 وألقي القبض عليه بعد شهرين في قطر، حيث قضى فيها مدة ستة أشهر في السجن. ويُقال إن كواري يقضي عقوبته قيد الإقامة الجبرية في قطر، في حين يقال إن الكعبي والنعيمي والسباعي يخضعون للمراقبة على نحو منتظم. ومع ذلك، فإن طبيعة هذه المراقبة هي مسألة مطروحة للنقاش. وفى حالة السباعي، ذكرت لجنة الأمم المتحدة حول العقوبات المفروضة على تنظيم «القاعدة» انه استأنف أنشطة تمويل الارهاب بعد إطلاق سراحه من السجن عندما كان يُزعم أنه يخضع للمراقبة.

ولذلك لا يجدر الاستغراب من أن المسؤول الرفيع السابق في وزارة الخزانة الأمريكية دانيال غليزر اشتكى في شباط/فبراير 2017 من أن مموّلي الإرهاب المصنّفين من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة لا يزالون يمارسون عملهم "بشكل علني ومفضوح" في كل من قطر والكويت. وأضاف غليزر أن قطر لم تتخذ حتى الآن أي "قرارات جوهرية" لمكافحة تمويل الإرهاب من شأنها أن تجعل هذه الدولة بيئةً معادية لمموّلي الإرهاب، وخلص إلى أن تلك الخطوات الايجابية التي اتخذتها قطر "بطيئة بصورة مؤلمة".

وفي الأسبوع الماضي، قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين مجتمعةً بتصنيف 59 شخصاً (بمن فيهم الخمسة أشخاص الذين حاكمتهم قطر) و12 مؤسسة على لائحة المنظمات الممولة للإرهاب، واتهمتهم بالحصول على الدعم من قطر. ويشار إلى أن عدداً كبيراً من هذه الكيانات سبق أن صُنّفت من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة على لائحة الجماعات المموِّلة لتنظيم «القاعدة»، لكن اللائحة تشمل أيضاً منظمات أخرى لها علاقة بجماعة «الإخوان المسلمين» والمتطرفين السلفيين في مصر وليبيا ودول أخرى. وبعض هؤلاء المدرجين [على لائحة الإرهاب] لا يقيمون في قطر، ووفقاً لمسؤول قطري، فإن ستة أشخاص على الأقل من المدرجين على اللائحة ليسوا على قيد الحياة.

وفي حين أن هذه اللائحة تشكل تحذيراً آخر لقطر بوقف أعمالها هذه، إلا أنها تمنحها في الوقت نفسه فرصةً لحلّ خلافها مع جيرانها من دول «مجلس التعاون الخليجي»، وسبيلاً إلى ذلك يضمن لها حفظ ماء الوجه: فهي تتيح لها التحرك على الفور على الأقل ضد الأشخاص والهيئات المدرجين على اللائحة والمصنّفين بالفعل على لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، وبالتالي يجب أن تكون قد استهدفتهم الدوحة بالفعل. ويمكن لقطر أن تصبّ تركيزها بشكلٍ خاص على العديد من مموّلي تنظيم «القاعدة» على هذه اللائحة، وأن تتخذ إجراءات بناء على (إعادة) التزامها الأخير بمكافحة تمويل الإرهاب في قمة الرياض الشهر الماضي. ويقيناً، كان على قطر التحرك بحزم ومنذ وقت طويل لاستهداف تمويلها للجماعات الإرهابية، لا سيما فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا. ولكن معالجة هذه المشكلة بشكل متأخر أفضل بكثير من عدم معالجتها على الإطلاق.

ماثيو ليفيت و كاثرين باور- معهد واشنطن-