علاقات » ايراني

قطر «الصغيرة» تفرض أسلوبها.. والأزمة ضاعفت شعبية «تميم»

في 2017/07/08

ستراتفور- ترجمة شادي خليفة -

(1) ثروة قطر الكبيرة من الغاز الطبيعي المسال ستمكنها من مواجهة الضغوط الاقتصادية من السعودية حيث تحاول الرياض تحجيم سياسة الدوحة الخارجية.

(2) وستواصل الدوحة موازنة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ومع إيران بينما تعمل على إقامة علاقات مع القوى الأكبر مثل تركيا وروسيا والولايات المتحدة.

(3) لن تواجه أسرة آل ثاني تهديدات لسلطتها من داخل دولة قطر، طالما أنها تحافظ على تدفق الثروة

تحليل

تميزت قطر عن شقيقاتها. ومن بين الدول المنتجة للنفط في العالم، هي واحدة من أغنى الدول. ومن بين البلدان الآخذة في النمو اليوم، ازدهرت بسرعة أكبر من أي دولة أخرى تقريبًا. ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي، هي واحدة من الدول القليلة التي تجرؤ على الخروج على أفكار السعودية في الثقافة والاقتصاد، وخاصةً في السياسة الخارجية وهنا تكمن بذور نزاعها الحالي مع ثلاثة من أعضاء الكتلة الخليجية. وبفضل احتياطياتها الواسعة من الغاز الطبيعي ومقاومة الأسرة الحاكمة للسيطرة السعودية، تواصل قطر تحدي الرياض والإمارات في محاولاتهما للسيطرة عليها.

بلد صغير مع ثروات كبيرة

وتحظى قطر بثروة كبيرة من الغاز الطبيعي، تعطي البلد الصغير القوة أمام بلاد الجوار التي تعتمد في معظمها على النفط. ومن خلال بيع الغاز إلى مجموعة واسعة من الشركاء في الخارج، معظمهم حاليًا في آسيا، تمكنت البلاد من تحقيق الأمن الاقتصادي بما يتجاوز دول مجلس التعاون الخليجي.

لكن مع ما تملكه قطر من أموال وموارد، فإنها تفتقر إلى الناس والأراضي. ويبلغ عدد سكانها الأصليين 300 ألف نسمة فقط، ويمثل العمال الأجانب من آسيا والشرق الأوسط 89% من مجموع السكان البالغ عددهم 2.6 مليون نسمة. ومع هذا النوع من السكان المتجانسين بهذا العدد القليل، لا تواجه قطر نفس الانقسامات الطائفية التي تصيب السعودية والبحرين. (كما أن عدم وجود نزاع طائفي داخلي يساعد الدوحة على تجنب ردود الفعل المحلية عندما تتورط في النزاعات الدينية مثل الأزمة السورية).

كما أن قطر لا تشعر بالقلق بشأن توفير فرص عمل كافية لسكانها الأصليين. وعلى النقيض من ذلك، تكافح السعودية لتوظيف مواطنيها الأصليين البالغ عددهم 22 مليونًا، في الوقت الذي تجري فيه إصلاحاتٍ اقتصادية، كما لا تملك دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل عمان، المال اللازم لتوفير الرفاهية لشعبها بقدر ما تفعله قطر.

ومع ذلك، فإنّ عدد السكان الصغير له سلبياته. وتضعف قطر ديموغرافيًا مقارنةً مع إيران أو السعودية. وعلاوةً على ذلك، وجد قادة البلد صعوبة في بناء هدفٍ مشترك وهوية مدنية وهم يسعون إلى بناء الأمة. وكانت قطر تتبنى الإسلام الوهابي كهدف عام خلال القرن العشرين، لكنّ الدولة أصبحت أكثر علمانية في الأعوام الأخيرة. وعلى الرغم من أنّ قطر دولة ذات أغلبية سنية، إلا أنّها تنأى بنفسها عن الانقسام السني الشيعي بين السعودية وإيران.

ولأنّ جغرافيتها تجعلها ضعيفة للغاية، مع تحكم السعودية في حدودها البرية الوحيدة، بينما يحيط بها الخليج العربي من باقي الجهات، تسعى قطر إلى الحصول على الحماية من الدول الأقوى. كما أنّ تطورها إلى دولة حديثة، كان بحماية المملكة المتحدة. وانضمت قطر إلى مجلس التعاون الخليجي عام 1981، بعد عقدٍ من تخلي البريطانيين عن حمايتهم. وكانت العلاقات الأمريكية الخليجية شائكة طوال السبعينات بسبب سياسات واشنطن المؤيدة لـ (إسرائيل). لكنّ الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات، والغزو العراقي للكويت عام 1990، جعل الدوحة توقن بحاجتها إلى حماية حليفٍ أقوى. ووقعت قطر أول اتفاقٍ عسكريٍ مع الولايات المتحدة عام 1992. ومنذ ذلك الحين، ازدهرت العلاقات العسكرية بين البلدين.

لا تضع البيض في سلة واحدة

ولكي تبقي قطر نفسها على صلة بالساحة العالمية، في الوقت نفسه، أنشأت الدوحة بيئة إعلامية ليبرالية تشمل شبكة إخبارية تمولها الدولة، وهي شبكة الجزيرة، وهيمنت على رعاية الأحداث الرياضية العالمية،  وتوسطت في نزاعات الشرق الأوسط، ونفذت استثمارات كبيرة في جميع أنحاء العالم، خاصةً في أوروبا. كما اتبعت قطر سياسات مستقلة عن المملكة. وقد أظهرت ميلًا لشراء، أو على الأقل النظر في شراء، المعدات العسكرية الروسية والصينية. وقد أقامت علاقاتٍ وثيقة مع إيران في الأعوام الأخيرة، حيث تتشارك الدوحة وطهران حقل جنوب بارس أو حقل الشمال للغاز في شمال البلاد، كما عززت تعاونها العسكري مع تركيا. وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط، أدخلت قطر نفسها في السياسة اللبنانية والفلسطينية، كما أقامت علاقات مع (إسرائيل). وباختصار، تحتفظ الدولة بشبكة واسعة من العلاقات مع الدول الكبيرة والصغيرة لتجنب وضع كل بيضها في سلة دول مجلس التعاون الخليجي.

ولكن ذلك لا يناسب أنشطتها جيرانها في الكتلة دائمًا. وقد استضافت قطر العديد من المفاوضات مع حركة طالبان، وأصبحت وطنًا ثانيًا لشخصيات بارزة من جماعة الإخوان المسلمين المنفيين من دول مثل مصر، والتي تحولت ضد الحركات الإسلامية السياسية. ولا يمكّن تبني الإسلاموية قطر من استعادة صلتها بالوهابية فحسب، وإنّما يمكّنها أيضًا من تمديد نفوذها إلى ما وراء حدود أراضيها الصغيرة وسكانها. أما بالنسبة للسعودية والإمارات، تشكل سياسات تلك الجماعات تحديًا لأنظمتها.

أسرة آل ثاني

وقد سيطر أسلوب آل ثاني على السياسة الخارجية للبلاد. وقد أثبتت أسرة آل ثاني، الذين حكموا قطر منذ أوائل القرن العشرين (بمساعدة من عائلاتٍ أخرى ذات نفوذ)، فعاليتها في استخدام الموقف الجيوسياسي للبلاد لصالحها. وكما هو الحال في بقية دول الخليج العربي، تحتفظ الأسرة الحاكمة في قطر بالسيطرة على مفاصل الدولة لتوليد وتوزيع الثروة. وهناك مجموعة صغيرة من النخب توجه السياسة وراء الأبواب المغلقة.

وبالنسبة لآل ثاني، سارت الخلافة من خلال الانقلابات الداخلية المتتالية، حيث يسيطر على الحكم ابن عم بدلًا من ابن عمه أو يستولي ابن على الحكم من والده. ويأتي التحول بمساعدة البيروقراطية المؤسسية التي يزرعها الأمير القادم على مر السنين قبل أن يستولي على العرش. وبسبب ندرة الصراع بين القبائل في قطر، يُحرم جيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي من فرص التدخل للهيمنة على آل ثاني، على الرغم من أنّ الإمارات والسعودية قد حاولتا من قبل.

وفي عهد الشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني»، الذي استولى على السلطة من والده، أصبحت عائلة آل ثاني معروفة باستقلالها عن مجلس التعاون الخليجي. وقد ضاعف أمير قطر الحالي الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» من هذه الاستراتيجية، مع العمل على بناء دعمه وشعبيته بين القطريين. وقد عززت أزمة دول مجلس التعاون الخليجي الحالية شعبيته، على الرغم من جهوده لتقليص بعض المزايا الاجتماعية الواسعة المتاحة للمواطنين القطريين. (حيث صرح عام 2015 بأنّه آن للقطريين التخلص من دالاعتماد على الدولة في كل شيء).

ومع ذلك، يعد التزام الدوحة بهذه الاستقلالية سيفًا ذو حدين. وعلى الرغم من أنّها قد مكنت قطر من إقامة مجموعة متنوعة من العلاقات الدولية من جهة، إلا أنّها قد أضرت بعلاقتها مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي. وكلما طال أمد الأزمة داخل الكتلة، كلما زاد الضغط على العلاقات القطرية في الخارج. ولحل الأزمة الحالية، قد يكون على الدوحة أن تكون مستعدة للإطاحة ببعض الأفراد المرتبطين بالحركات الإسلامية. لكنّها لن تتخلى عن سيادتها. وقد تكون الروح الحاكمة لأسرة آل ثاني معقدة ومتناقضة، لكنّها لا تترك مجالًا يذكر للسعودية لإثارة القلاقل داخل قطر.