ملفات » الحرب على العوامية

العوامية ساحة حرب بعيدة عن الإعلام تخفي الكثير من الأسرار

في 2017/08/09

DW بالعربية-

تشهد العوامية اشتباكات عنيفة بين الأمن السعودي وما يقول الإعلام الرسمي إنها مجموعات إرهابية تواجهها الدولة التي تستهدف تطوير المنطقة، فيما يقول سكان إن الحملة تستهدف الانتقام من مسقط رأس القيادي الشيعي البارز نمر النمر.

تشن القوات السعودية حملة أمنية مكثفة على بلدة العوامية ذات الأغلبية الشيعية بمحافظة القطيف شرقي المملكة. وتقول السلطات السعودية إن العوامية تشهد اضطرابات وهجمات مسلحة ينفذها مسلحون وخارجون على القانون منذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي عام 2011 ، فيما قررت السلطات شن حملة مطلع مايو/ أيار الماضي تهدف إلى تحييد من قالت إنهم مسلحين يستخدمون الأحياء الضيقة كمنطلق لهجماتهم، والبدء في "تطوير" حي المسورة الذي يرجع تاريخ بنائه إلى نحو 400 عام.

وتيرة المعارك تصاعدت في الأيام الأخيرة ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين بينهم عدد من المدنيين، إذ ألقى كل طرف اللوم في سقوطهم على الآخر، فيما بدأت القوات السعودية عمليات إخلاء للسكان من المنطقة التي يقول معارضون إنها عمليات قسرية شملت إهانات وتعدٍ على ممتلكات وهدم لمنازل في المدينة التي تعتبر مسقط رأس رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر، الذي أعدمته السلطات السعودية قبل عام ونصف بعد أن اتهمته بالتحريض على التظاهر.

ضحايا المعركة.. أرقام غير موثقة

وسط تعتيم إعلامي على الخسائر في الأرواح والممتلكات التي تخلفها الحملة الأمنية الموسعة التي تشنها القوات الأمنية السعودية، خرجت صحيفة عكاظ معلنة أسماء من سقط من رجال أمن قوات الطوارئ الخاصة وهم: الجندي أول وليد غثيان ضاوي الشيباني، العريف عبد العزيز التركي، الرائد طارق العلاقي، وكيل رقيب عادل العتيبي، الجندي عبدالله تركي التركي، رجل الأمن حسن مرزوق القريشي والرقيب مهدي بن سعيد اليامي إضافة إلى رجل أمن حرس الحدود: الجندي أول محمد حسين هزازي.

لكن على الجانب الآخر لا توجد أرقام أو بيانات رسمية سعودية بشأن من سقطوا من أهل المدينة خلال العمليات سواء من المدنيين أو المسلحين، ولا يوجد في هذا السياق إلا بعض التغريدات لناشطين وعدد من أهالي العوامية دون إمكانية التأكد من مصدر مستقل بشأن الأعداد. لكن المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان تشير إلى مصادر لم تسمها تتحدث عن "وجود ما يقارب 79 جريح و اثنا عشر قتيلاً سقطوا برصاص عشوائي أطلقته قوات الأمن السعودية، والإطلاق المتواصل للقذائف حيث أطلقت القوات في الثالث من أغسطس آب ما يقارب العشرين قذيفة" وفق ما قالت المنظمة.

 محاربة الإرهاب .. فماذا عن المدنيين؟

يتساءل علي الدبيسي رئيس المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان عن ماهية "الحاجة إلى إطلاق رصاص ثقيل على محل تجاري أو إحراقه فضلا عن التصويب على المدنيين بشكل معتمد وهستيري؟". ويقول إن "الأحداث سببت أكبر موجة نزوح من المنطقة وهو سلاح السلطة الموجه للأهالي، رغم تحمل الأهالي الرصاص والهجمات لكن الأمر خرج عن نطاق التحمل مع التصعيد العسكري وتغير نوعية السلاح المستخدم وزيادة كمياته والاستهداف لكل ما يتحرك على الأرض كل ذلك أرعب الناس".

ويضيف "أنه مع اشتداد القبضة الأمنية تنامت لدى مجموعات على الأرض فكرة مواجهة الدولة بالسلاح وتبريرهم لذلك أن الدولة قتلت وأعدمت وعذبت وبالتالي علينا الدفاع عن أنفسنا، وهذا الأمر له العديد من المعارضين ومن ضمنهم الشيخ نمر النمر نفسه الذي أعدمته السلطات السعودية".

لكن على الجانب الآخر يقول العميد الركن حسن الشهري الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي إن المملكة العربية السعودية عانت من الإرهاب واستهدفت بشكل مركز بهذا الداء لتشويه صورة الإسلام وأن ما تقوم به المملكة يأتي ضمن دورها الريادي لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه فكرياً ومالياً وإعلامياً وعسكرياً لإعادة الحياة وبتر مخالب كل من يغذي الطائفية والإرهاب، ونحن مصممون على ذلك."

العوامية ما بين التهجير والإخلاء والتطوير

ومع ازديادة حدة المواجهة في تلك المناطق، قال سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية، في تصريحات صحفية، إن السلطات تلقت مطالبات من السكان بمساعدتهم في الخروج من منطقة الاشتباكات، مؤكداً أن عمليات الإخلاء مؤقتة لحين إزالة أوكار الإرهابيين والمتشددين الذين استغلوا المباني المهجورة ملجأ للأعمال الخارجة عن القانون وتجارة الأسلحة وترويج المخدرات.

وقال التلفزيون الرسمي السعودي إن السلطات دعت النازحين للتوجه إلى مقر المحافظة لطلب مساكن مؤقتة أو الحصول على تعويض عن منازلهم التي اضطروا لتركها، فيما ظهرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتوفير مأوى للأسر النازحة.

في المقابل، طالبت الأمم المتحدة السلطات السعودية بوقف عمليات الهدم التي تعتزم القيام بها في المناطق التاريخية وتعويض المتضررين، وقال بيان مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن ما يحدث يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان وطالب البيان "بالوقف الفوري لأعمال الهدم الجارية في الحي الذي تخطّى تاريخ تشييده الـ400 سنة".

أهالي العوامية من جانبهم اشتكوا مما قالوا إنه قطع متعمد للكهرباء والمياه لدفعهم لمغادرة منازلهم. واتهم نشطاء قوات الأمن بإجبار مئات السكان على الخروج من العوامية بإطلاق النار عشوائياً على محال تجارية ومنازل وسيارات. وانتقد مغردون ما قالوا إنه حرب على المدينة وأهلها.

من جانبه يقول الدبيسي إن "الدولة أعلنت هدفين من الحملة على العوامية هما التنمية والقبض على مطلوبين، لكن ما يحدث اليوم على الأرض لا علاقة لها بذلك ، حيث تحولت المنطقة إلى خرائب بأيدي الحكومة نفسها بعد أن أتلفت منازل وسيارات ومحال تجارية دون الحاجة إلى كل ذلك".

اختراق إيراني أم نتاج لأزمات داخلية؟

السعودية من جانبها دائما ما تلقي باللوم على العدو اللدود إيران كلما وقعت أزمة داخلية كانت الأقلية الشيعية طرفاً فيها. في هذا الصدد، يقول العميد الركن حسن الشهري: "لم نكن نعرف في السعودية والمنطقة الإرهاب حتى عام 1979م عندما استولى نظام الملالي على الحكم في طهران وبدأت معاناتنا مع نظام ولاية الفقيه وتصدير الثورة، وتأثير طهران وصل العوامية عن طريق نمر النمر الذي حكم عليه بالإعدام في نهاية عام 2015  لتورطه في أعمال إرهابية وقد استطاع قبل ذلك خطف عقول بعض شباب هذا الحي.

وأضاف أن "العوامية مركز من مراكز محافظة القطيف وحي من أحيائه وتأثير طهران وصل إلى هذا الحي عن طريق نمر النمر الذي حكم عليه بالإعدام في نهاية عام 2015 لتورطه في أعمال إرهابية وقد استطاع قبل ذلك خطف عقول بعض شباب هذا الحي ورغم تخلصنا من رأس الأفعى إلا أن بعض أجزاء جسمها استمر في نفث سموم الإرهاب والطائفية". لكنه عاد وأكد على أن "هذه الطائفة الكريمة من الشيعة هي جزء أصيل من المجتمع السعودي ووزارة الداخلية السعودية تعمل على علاج هذا الداء أو استئصاله، وسيتمتع أهالي العوامية والمسورة وكل أهالي القطيف بدفيء الأمن الذي حاول بعض عملاء طهران التأثير فيه".

على أن الدبيسي اعترض في تغريدة سابقة له عن هذه الاتهامات التي تحاول ربط ما يجري في العوامية بإيران، مؤكدا أن المسائل لا تتعلق بما يقال عن تأثيرات من لاعبين سياسيين بالخارج يستهدفون الداخل السعودي وإنما الأمر يتعلق بمطالب داخلية تتمثل في المساواة في الحقوق ومساعٍ نحو عدالة اجتماعية فشلت الدولة السعودية في تحقيقها:

صفقات سلاح بالمليارات وأزمة أمنية داخلية

في السابع عشر من مايو آيار أعلن صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، عن إنشاء شركة صناعات عسكرية وطنية تحمل اسم "الشركة السعودية للصناعات العسكرية". وقال الأمير محمد بن سلمان الذي كان ولياً للعهد وقتها إن "الشركة ستسعى إلى أن تكون محفزا أساسيا للتحول في قطاع الصناعات العسكرية وداعما لنمو القطاع ليصبح قادرا على توطين 50 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي العسكري في المملكة بحلول عام 2030". وفي 20 مايو 2017 اتفقت السعودية مع الولايات المتحدة على شراء أسلحة بقيمة 350 مليار دولار لتصبح صفقة السلاح الأضخم في العالم شملت دبابات وسفناً قتالية وأنظمة دفاع صاروخي ورادارات وتقنيات اتصالات شديدة التطور ووسائل لمكافحة الهجمات السيبرانية، جعلت المملكة تتربع في المركز الثالث عالمياً كأحد أكثر الدول شراء للأسلحة.

لكن مع كل هذا الكم من السلاح لا تزال العديد من الحوادث الإرهابية التي تستهدف مدنيين وعسكريين في المملكة تقع بين الحين والآخر مخلفة قتلى وجرحى، حيث قال المتحدث الرسمي باسم الداخلية السعودية اللواء منصور التركي إن المملكة تعرضت في عام 2016 وحده إلى 128 جريمة إرهابية نتج عنها مقتل وإصابة 1147 مواطناً ومقيماً ورجل أمن.

لكن الأزمة الأخيرة في العوامية قد تلقي بظلال على أحدث صفقات السلاح بين السعودية ودول أخرى، وعلى رأسها كندا، حيث يقول الدبيسي إن ما جعل الأضواء تسلط على أحداث العوامية رغم محاولات الدولة السعودية للتعتيم هو صفقة المدرعات المزمعة مع كندا والتي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار حيث ووجهت برفض كندي داخلي، ما جعل الإعلام يسلط الضوء إلى حد ما على القضية مع تصاعد رفض عدد من الجهات لما قالوا إنه استخدام الأسلحة الكندية لمواجهة مدنيين ما قد يهدد إتمام الصفقة.