ملفات » الطريف إلى العرش

سباق الأرقام في «رؤية 2030»

في 2017/10/23

نيك ستادميلر - أراب دايجيست- ترجمة شادي خليفة-

تحصل المملكة العربية السعودية على 90% من عائداتها من النفط، ولذلك، عندما انخفض سعر النفط انخفاضا حادا في عام 2014 تأثر اقتصادها بشدة، الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي إلى التحذير من احتمال إفلاس المملكة بحلول عام 2020، إذا لم تقم بإصلاحات اقتصادية كبيرة.

ومنذ ذلك الحين، تم إدخال خطة إصلاح بعيدة المدى، وهي «رؤية 2030»، التي إذا نجحت ستكون المرة الأولى التي يتم فيها تحويل اقتصاد كبير يعتمد على البترودولار إلى آخر مناسب للقرن الحادي والعشرين في عصر ما بعد النفط. وبعد عامين من بدء هذه العملية، ظهرت دلائل على التباطؤ، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى تحقيق التوازن بين الحاجة إلى توفير المزيد من الأموال، وتأثير التدابير على المجتمع، وخطر الاشتباك مع المؤسسة الدينية المحافظة.

وفي الأسبوع الماضي، قال وزير المالية «محمد الجدعان» لـ«بلومبرغ» إن تخفيضات دعم الطاقة قد تصبح أكثر تدرجا، وقد تستغرق الحكومة وقتا أطول لتحقيق التوازن في ميزانيتها. كما تواجه الآن عملية بيع حصة في أرامكو، كعامل أساسي لدعم الخطة، تأخيرا محتملا أيضا. وقد رفضت أرامكو التقارير حول احتمال انهيار الاكتتاب العام تماما. وقد صرحت الشركة في تغريدة لها، السبت، على موقع تويتر: «جميع قوائم الإدراج قيد المراجعة لاتخاذ القرار الأمثل، لوضع عملية الاكتتاب على المسار الصحيح عام 2018».

وفي هذه المادة ينظر «نيك ستادميلر» في العوامل الاقتصادية وراء رؤية 2030. و«نيك» هو محلل في الولايات المتحدة يركز على الاتجاهات الاقتصادية التي تؤثر على دول مجلس التعاون الخليجي.

أدى الانهيار الكبير عام 2014 في أسعار النفط إلى إحداث صدمات في الاقتصاد السعودي. وبعد أعوام من الفوائض المالية، واجهت الحكومة السعودية عجزا يتجاوز 15% من الناتج المحلي الإجمالي، في كل من عامي 2015 و2016. وكان لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، البنك المركزي السعودي، أكثر من 740 مليار دولار أمريكي كاحتياطي عملات أجنبية في منتصف عام 2014، بعد أعوام من الفوائض التجارية الكبيرة التي حققتها صادرات النفط. وبحلول نهاية عام 2015، تقلصت تلك الاحتياطيات بنحو 20%. أما الآن، فإن احتياطيات النقد الأجنبي لدى مؤسسة النقد العربي السعودي أقل من ثلثي ذروتها عام 2014.

أنبوب النفط

وقد خفضت السلطات السعودية الإنفاق استجابة لتراجع عائدات النفط. وقد شهدت النفقات المدرجة في الميزانية لعام 2017 انخفاضا بنسبة 20% عن نفقات عام 2014. ويعد التقشف المالي استجابة ضرورية على المدى القصير لتراجع عائدات النفط، ولكنه غير كاف كاستجابة طويلة الأجل. وتواجه المملكة أيضا تحديا يتمثل في خلق فرص اقتصادية للشباب، حيث أن ما يقرب من نصف المواطنين السعوديين دون سن الـ 25. ولا يستطيع القطاع العام، المتضخم بالفعل، استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من الوافدين الجدد إلى القوة العاملة، وخاصة في فترة التقشف. ويجب على السلطات إيجاد سبل لخلق فرص اقتصادية جديدة للمواطنين، ولا سيما الشباب.

وفي هذا السياق، تم إنشاء «رؤية 2030» بقيادة ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان». حيث يتصور من خلال الرؤية التغيرات لازمة الحدوث في المجتمع السعودي. ومن وجهة نظر اقتصادية، لعل أهم ما جاء في هذا البرنامج هو زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65%، من حصته الحالية البالغة 40%. وتعد تنمية القطاع الخاص أمرا ضروريا عندما يكون هناك عدم يقين تجاه المساهمة الاقتصادية المستقبلية للنفط، وحين لا تكون الحكومة قادرة على لعب دور محرك النمو.

ولكي يتمكن القطاع الخاص من زيادة حصته من الناتج الإجمالي إلى 65%، فإنه سيحتاج إلى النمو بنسبة 7.9% سنويا، بافتراض ثبات الناتج من القطاعين النفطي والحكومي. ومن شأن ذلك أن يولد نموا في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي يبلغ 6.3 في المائة سنويا.

وسيأتي بعض هذا النمو مع زيادة القوى العاملة. ومن المتوقع أن ينمو عدد سكان المملكة بنسبة 1.9% سنويا في الأعوام القادمة، استنادا إلى توقعات شعبة السكان في الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، تتوقع السلطات زيادة مشاركة المرأة في القوة العاملة. وتحدد «رؤية 2030» هدفا لرفع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 22% الآن إلى 30% بحلول نهاية العقد المقبل. ومن شأن ذلك أن يعزز نمو القوى العاملة إلى 2.3% سنويا.

ومع نمو قوة العمل في هذا المستوى، فإن الناتج لكل عامل، أو ما يسمى بالإنتاجية، سيحتاج إلى الارتفاع بنسبة 4% سنويا، من أجل تحقيق النمو الاقتصادي اللازم للوصول إلى الأهداف المحددة في رؤية 2030. ويماثل نمو الناتج لكل عامل بنسبة 4% المستويات المسجلة في العديد من البلدان النامية في الأعوام الأخيرة. وقد تمكنت النمور الآسيوية من تجاوز هذا المستوى خلال طفرات نموها في القرن الماضي.

ومع ذلك، تنطلق المملكة من برنامج إنمائي بمتوسط ​​دخل أعلى بكثير مما هو عليه في معظم البلدان النامية. حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة ما يزيد قليلا على 21 دولار أمريكي العام الماضي، استنادا إلى بيانات البنك الدولي. ويمثل هذا مرتين ونصف الدخل في الدول ذات الدخل الأعلى من المتوسط.

وقد تمكنت معظم البلدان التي شهدت نموا سريعا من استخدام اليد العاملة الرخيصة لبناء قطاع تصنيع تنافسي كجزء من استراتيجيتها الإنمائية. لكن نصيب الفرد من الدخل في المملكة مرتفع جدا، بحيث يتعذر اتباع هذا المسار. وسيتعين على السلطات التركيز على بناء الفرص في الصناعات ذات القيمة المضافة الأعلى، لتحفيز النمو وتوفير فرص عمل ذات دخل أعلى.

عوائق كبيرة

وسيتعين على الحكومة السعودية إدخال تحسينات كبيرة على المخزون الحالي من رأس المال البشري، لدفع النمو في الصناعات ذات القيمة المضافة الأعلى. وقد استخدمت الشركات السعودية تاريخيا عمالة منخفضة التكلفة ومنخفضة المهارات من الخارج، خاصة من جنوب آسيا، لدفع عجلة النمو. ويعمل أكثر من مليوني عامل أجنبي من أصل 11 مليون عامل في مجال الخدمة المنزلية. ويعمل أكثر من 40% من العمال الوافدين في أدوار، لا يشغلها المواطنون المحليون، في قطاع البناء، ولا سيما اليد العاملة غير الماهرة. وتحتاج السلطات السعودية إلى اجتذاب المغتربين ذوي المهارات العالية في الأعوام القادمة، من أجل تنمية الصناعات ذات القيمة المضافة الأعلى.

كما يجب على الحكومة ضمان حصول المواطنين السعوديين على المهارات اللازمة لكسب فرص عمل مجدية في الصناعات الناشئة. لكن النتائج التعليمية في المملكة مخيبة للآمال. وعلى الرغم من أن الإنفاق السعودي على التعليم قريب من المتوسط في ​​منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، إلا أن الطلاب السعوديين يتخلفون عن أقرانهم الدوليين. ويضع اختبار «التيمز»،TIMSS، الطلاب السعوديين بالقرب من أسفل جدول الإنجاز في علم الرياضيات والعلوم. وسيتعين على السلطات التركيز على التدريب المهني وغيره من البرامج الرامية إلى زيادة مهارات قوتها العاملة الوطنية.

وتنص النظرية الاقتصادية على أنه يمكن زيادة الإنتاجية بزيادة مقدار رأس المال الذي ينتجه كل عامل. وتشير الحسابات التي أجريتها إلى أنه من أجل خلق نمو إنتاجي بنسبة 4%، ستحتاج السلطات إلى القيام باستثمارات سنوية برأسمال قدره 25% من الناتج المحلي الإجمالي على المدى القريب. وهناك العديد من المخاطر في هذا بالتأكيد. أولا، يجب أن ينمو المخزون الرأسمالي بوتيرة أسرع من الناتج الاقتصادي، من أجل الحفاظ على نمو الإنتاجية. ويعني هذا الاحتياج إلى ارتفاع نسبة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي، من أجل الحفاظ على استمرار نمو الإنتاجية. وبحلول عام 2030، سيحتاج الاستثمار السنوي إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلاوة على ذلك، من أجل تحقيق عائد كاف من الاستثمارات الرأسمالية، يجب أن تكون مثمرة اقتصاديا. ولن تكون التكنولوجيا الأكثر تقدما ذات قيمة إذا لم يكن هناك عمال مدربة تدريبا مناسبا لاستخدامها. وبالتالي، فسوف يشكل التقدم في تنمية رأس المال البشري عائقا أمام الاستثمار في الصناعات الجديدة.

ومن الصعب تصور أن تكون المملكة قادرة على توليد نمو إنتاجي مستدام بنسبة 4%، نظرا للحقائق الاقتصادية الحالية. وسيتعين أن يأتي النمو المستقبلي من الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، ويبدو أن القوى العاملة غير مهيأة حاليا لهذا التحول. ورغم أن الواقع الاقتصادي دائما ما يحتاج إلى الطموح، مهما كان جريئا، إلا أن الظروف الحالية تعد عاملا مقيدا لما يمكن للمملكة تحقيقه اقتصاديا.