ملفات » نيوم السعودية

هل يحاول بن سلمان نزع السعودية من سلفيتها؟

في 2017/10/26

الخليج أونلاين-

منذ أن صعد نجم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود، عام 2015 عندما عزل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، شقيقه مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد، وفسح الطريق لنجله (محمد) في الصعود لسلم ترتيب الحكم، انعكست أنفاس الأمير الشاب الليبرالية على نمط حياة الدولة السلفية السعودية.

محمد بن سلمان نفسه أطلق تصريحات اعتبرها بعضهم غير مسبوقة، انتقد فيها الحالة الدينية التي تعيشها بلاده منذ عدة عقود، وذلك في تجمع استثماري كبير في الرياض، إذ أكد صراحة أن السعودية "ستعود" للإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح.

ويعد بن سلمان مهندس "رؤية 2030" الاقتصادية التي تغير قواعد الاقتصاد السعودي القائمة على النفط، لتأخذه نحو "الليبرالية الاقتصادية" أسوة بالإمارات الجارة الحليفة.

ومع توليه ولاية العهد عقب الأزمة الخليجية في يونيو الماضي، كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من بين أكثر الزعماء ترحيباً باختيار محمد بن سلمان ليكون ولياً للعهد في السعودية، مشيراً في بيان له حينها إلى أنه يرى في بن سلمان "حليفاً مميزاً".

ولي العهد السعودي مفضَّلٌ أيضاً لدى صهر ترامب ومستشاره، جاريد كوشنر، حيث سبق لكوشنر وزوجته إيفانكا أن استضافا في منزلهما الأمير الشاب عندما زار واشنطن، في مارس الماضي، كما رد بن سلمان الدعوة لهما باستضافتهما بمنزله خلال زيارتهما السعودية برفقة الرئيس ترامب، في مايو الماضي.

- حملة على التيار الديني

مع تولي بن سلمان ولاية العهد، شنت السلطات السعودية حملة طاحنة على رموز التيار الديني وما يسمى "الصحوة"، الذين يحظون بشعبية في أوساط المجتمع السعودي، كسلمان العودة وعوض القرني وغيرهم.

وفي وقت كان انتقاد التيار الديني خجولاً ومحصوراً في الشخصيات "الليبرالية"، وكانت الدولة حائط الصد المنيع في وجه منتقديه، بات اليوم منتقدوه مسؤولين بارزين.

ولأن الدولة السعودية دولةٌ تغيب فيها بعض معالم الدولة المدنية الحديثة، فقد كان التحالف مع المؤسسة الدينية هو الصيغة التاريخية الوحيدة لحفظ الاستقرار السياسي.

وكانت المؤسسة الدينية بالمملكة تعتبر طرفاً في الحكم، لها قوتها وهيبتها داخل الدولة السعودية، حيث إن أفراد الأسرة الحاكمة كثيراً ما ينأون عن مواجهتها ودخول الصراعات معها.

لكن ومع صعود محمد بن سلمان إلى المراتب الثلاث الأولى بمؤسسة الحكم السعودي في عام 2015، ثم تسلمه ولاية العهد، بدأ التحول الحقيقي عن المؤسسة الدينية، لا سيما بعد إعلان إطلاق رؤية 2030 التنموية، التي قال بن سلمان نفسه: إنها "ستجعل من السعودية دولة على النمط الحديث".

واللافت للانتباه أن بن سلمان اتهم صراحة تيار "الصحوة" بالتطرف، علماً أن الحركة لم يعرف عنها أي نشاط سياسي أو مسلح ينشر أفكاراً "متشددة" كالقاعدة و"داعش".

وخلال الجلسة، أكد بن سلمان أن بلاده "ليست مستعدة لإضاعة 30 عاماً في محاربة الأفكار المتطرفة"، التي ربطها بـ"مشروع الصحوة". وقال: "مشروع الصحوة والتطرف انتشر في المنطقة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة، فلم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب".

وتابع قائلاً: "70% من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم؛ لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونسهم في تنمية وطننا والعالم".

وتوعد بن سلمان بالقضاء على ما سماه "بقايا التطرف" في القريب العاجل، مضيفاً: "اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه".

 

والصحوة السعودية أو "صحوة بلاد الحرمين"، حركة نشأت بدعم من مجموعة علماء إبان حراكهم الدعوي "لإيقاظ الناس من غفوتهم"، حسب وصفهم حينها.

بدأ مصطلح الصحوة في الظهور في حقبة الثمانينيات الميلادية على يد عدد من الأشخاص في ذلك الوقت من أمثال سلمان العودة، وعوض القرني، وسفر الحوالي، وناصر العمر، واللافت أن جميع هؤلاء معتقلون حالياً.

وأبرز أعمال الصحوة أن قُدِّم للملك الراحل فهد بن عبد العزيز، "مذكرة النصيحة" في أوائل التسعينيات الميلادية من القرن المنصرم، وكانت تطالب بإصلاحات سياسية والتحول الديمقراطي.

وتسمية "النصيحة" في السعودية مستقاة من تراث إحدى المدارس السلفية الإسلامية، وهي المدرسة الدينية الرسمية السعودية، والتي تعطي للملك أو الحاكم عموماً سلطة مطلقة باسم "ولي الأمر" في إدارة شؤون الدولة وتأمر بطاعته، فلا تجيز هذه المدرسة معارضة هذا الحاكم، وتسمح فقط بمناصحته بشكل سري، ويأتي هذا بمبرر أن في معارضته والمناصحة العلنية أيضاً فتنة قد تتسبب بإشاعة الفوضى والحروب والانقسام في البلدان.

وتواجه "الصحوة" اليوم حركة مضادة في السعودية يحمل لواءها الليبراليون السعوديون، وتشهد الساحة الإعلامية والثقافية والاجتماعية السعودية جدلاً ونقاشاً مستمراً من أتباع التيارات الليبرالية المنادية بتقليل سلطة رجال الدين ونفوذهم الاجتماعي في المملكة، وعلى ما يبدو ينحاز لهم العهد الجديد في السعودية.

اتهام بن سلمان لتيار الصحوة بالتطرف، رغم أنه لم يصدر عنهم أي دعوة شبيهة بدعوات القاعدة أو "داعش"، فسر على أنه رسالة شديدة اللهجة مفادها أنه لن يرحم أي صوت ديني قد يعيق مشاريعه، حيث بدأ بالصحوة الأكثر تقبلاً وشعبية لدى المجتمع.

واللافت أيضاً أن مشروع مدينة "نيوم"، التي قدّرت كلفة إنشائها بـ 500 مليار دولار، لن تخضع لقوانين المملكة المحافظة، بل سيكون لها قوانينها الخاصة إلا فيما يتعلق بالسيادة، ما سيطلق العنان لجعلها بمصاف المدن الأوروبية، كما ذكر بن سلمان نفسه.

وعلى صعيد الحياة العامة، جرت مساعٍ من قِبل مجلس الشورى السعودي، في سبتمبر الماضي، لضم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى وزارة الشؤون الدينية وإنهاء استقلالها، لكن هذه المحاولة أخفقت حتى الآن؛ لرفض أغلبية المجلس الخطوة، علماً أن الهيئة تتعرض لانتقادات دائمة وتُتهم بمضايقة العامة.

الأمر لم يقف هنا، فوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، من جهته، أعلن أن سلطات بلاده فصلت عدة آلاف من الأئمة من العمل في المساجد بعد ثبوت نشرهم التطرف.

وذكرت صحيفة "عكاظ" أن الجبير قال، في مقابلة مع قناة "روسيا 24" التلفزيونية، الأحد 8 أكتوبر 2017: "لن نسمح بنشر أيديولوجية الكراهية، ولا بتمويل ذلك النوع من الفكر".

- الانفتاح والتقارب مع إسرائيل

وبالتوازي مع ذلك، تسارعت الأخبار التي تذكر أن بن سلمان يعمل على التقارب مع إسرائيل، خاصة بعد أنباء ذكرت أنه زارها سراً في سبتمبر الماضي، وسط توالي دبلوماسيين سعوديين في إطلاق تصريحات تبرر أي تقارب مع حكومة الاحتلال، بعد أن كان الحديث في ذلك خطاً أحمر.

وقال مسؤول إسرائيلي رفض الكشف عن اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية: إن "المسؤول السعودي الذي زار إسرائيل سراً، في شهر سبتمبر الماضي، هو محمد بن سلمان"، علماً أن السعودية نفت صحة ذلك، لكن بشكل متأخر.

صديق محمد بن سلمان، صهر ترامب جاريد كوشنر، وبحسب ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في مايو الماضي، "يرغب في أن يؤدّي الأمير الشاب دوراً في إحياء مبادرة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين".

كما أكد الرئيس ترامب عقب زيارة ترامب إلى الرياض في مايو الماضي، أن المسؤولين السعوديين منفتحون على علاقات طبيعية مع إسرائيل.

خبراء في شؤون الشرق الأوسط، قالوا إن الأمير محمد يعتقد بضرورة أن تكون هناك علاقة طبيعية مع "إسرائيل" في المستقبل، كما أنه يرى في الصراع العربي - الإسرائيلي مضيعة للوقت وطاقات المنطقة.

ومما يثير الانتباه أن مشروع مدينة "نيوم" يقع ضمن أراضٍ داخل الحدود المصرية والأردنية؛ وعلى تماس مع ميناء "إيلات" الإسرائيلي على خليج العقبة، وعلى تماس مع السعودية بشكل مباشر؛ لكون الخليج ينتهي بجزر تيران وصنافير التي أصبحت ضمن سيادة المملكة العام الماضي، ما يعني حتماً أنه حدث تنسيق بين الجانبين.

 

 

وبالتزامن مع ذلك، كان مثيراً للاهتمام دفاع الأمير تركي الفيصل، المدير السابق للاستخبارات السعودية، عن لقاءاته المتكررة والعلنية مع ساسة إسرائيليين، وذلك خلال ندوة عقدت في نيويورك نظمها منتدى السياسة الإسرائيلية في معبد يهودي، الأحد الماضي، حول أمن الشرق الأوسط، وبمشاركة مدير جهاز الموساد الإسرائيلي السابق أفراييم حليفي.

وأعرب الأمير السعودي عن عرفانه لوجوده لأول مرة في معبد يهودي، وتحدث عن أمله في ألا تكون الأخيرة، ودافع عن ظهوره العلني المتكرر مع مسؤولين إسرائيليين سابقين.

وقال مخاطباً الحضور: "علينا الحديث مع من نختلف معهم وليس بالضرورة مع نتفق معهم، خاصة إذا كانت لدينا وجهة نظر نحاول من خلالها إقناع الآخرين، كقضية السلام في فلسطين، حيث يوجد خلاف في الرأي بين العرب والإسرائيليين، ولهذا يكتسب الحديث مع الطرف الآخر أهمية قصوى".

واستبعد تركي الفيصل أن تكون بلاده قد دخلت في صفقة سرية مع إسرائيل بسبب العداء المشترك لإيران، لكنه أكد أن "استمرار القضية الفلسطينية يضيع على المنطقة فرصة تعاون كبيرة بين العرب وإسرائيل".

من جهته، أشاد المسؤول الاستخباراتي الإسرائيلي السابق، أفراييم حليفي، بجهود السعودية في تقريب وجهات النظر الإسرائيلية - العربية، بشكل "يسبق بسنوات الظهور المتكرر للأمير تركي مع ساسة إسرائيليين سابقين".

وقال حليفي: "دعوني أولاً أشير في البداية إلى مقاربة السلام التي يتم الإشادة بها حالياً على أنها إسرائيلية، هي في الحقيقة سعودية بدأت عام 2002، حينما منح الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز حينما كان ولياً للعهد مقابلة لصحفي أمريكي تعرفونه جيداً، اسمه توماس فريدمان، وفي هذه المقابلة المثيرة اقترح أول صيغة لما أصبح يعرف بالمبادرة السعودية لإحلال السلام في الشرق الأوسط بشكل علني".

ويؤيد الفيصل، المستشار السابق بمجلس الوزراء السعودي، اللواء أنور عشقي، الذي كشف أن التواصل بين السعودية و"إسرائيل"، هو تواصل علمي وفكري وإنساني، وليس تواصلاً سياسياً، حسب قوله.

وقال عشقي الذي يشغل حالياً منصب مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، لقناة "روسيا اليوم"، الثلاثاء (24 أكتوبر): "إن السعودية هدفها الأساس هو مبادئ أقرتها الأمم المتحدة وما اتفق عليه العرب، وهو المبادرة العربية للسلام".

وأضاف: "هناك بإسرائيل، كما في العالم العربي، متطرفون ومتشددون، ولكن يوجد هناك أيضاً غير متشددين، وأصبح المتشددون قلة قليلة في إسرائيل".

وفي ظل هذه الأجواء، هل تعيش المملكة آخر فصول "المحافظة" لتنتقل بعدها نحو "اللبيرالية"؟ وهل الشعب السعودي مهيأ لتلك الخطوة علماً أن هناك أصواتاً بدأت تعلو معترضة على "لبرلة" أرض الحرمين؟