ملفات » نيوم السعودية

خطة السعودية الكبرى لتجاوز عصر النفط.. أهداف كبيرة وعقبات أكبر

في 2017/11/02

نيويورك تايمز-

نفذت المملكة العربية السعودية اجتماعا اقتصاديا جديدا من نوعه الأسبوع الماضي، في إطار جهودها لتحرير مجتمعها المحافظ وتنويع اقتصادها عبر عملية إصلاح شاملة للطريقة التي عملت بها المملكة منذ فترة طويلة.

وفي مركز المؤتمرات المتلألئ في الرياض، وعدت العروض المرئية بمدينة مستقبلية بتكلفة 500 مليار دولار، مدعومة بالطاقة الشمسية وتديرها الروبوتات. وأشاد ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» خلال كلمته في المؤتمر بـ«الاسلام المعتدل» المنفتح على العالم. وحضر الفعالية نخبة من رجال الأعمال العالميين مشاركين في جلسات حول الطاقة المستدامة ومستقبل التحضر.

وكانت الرسالة الموجهة إلى مصرفي الأعمال ورجال الأعمال والمستثمرين المتداولين واضحة: إن المملكة أصبحت مفتوحة الآن للعمل. وقال ولي العهد: «لدينا اليوم شعب مقتنع بأن المملكة العربية السعودية وجميع مشاريعها وبرامجها يمكن أن تصل إلى آفاق جديدة في العالم».

ولكن على الرغم من الطرح الملكي، بما في ذلك العشاء الفخم، فإن خطط الأمير الكبرى شرعت في التوقف. حيث بذلت الحكومة، بقيادة ولي العهد البالغ من العمر 32 عاما، جهودا لإجراء بعض التغييرات الاجتماعية الملحوظة مؤخرا، بما فى ذلك حق النساء في القيادة وتقويض سلطات الشرطة الدينية. إلا أنها فشلت حتى الآن في إحراز تقدم كبير في تحويل المملكة من دولة بترول إلى دولة ذات اقتصاد متنوع ومنتج قادر على النمو ولا يزال غير معروف متى يمكن أن يحدث التغيير في مجتمع يتسم منذ فترة طويلة بمحافظة دينية عميقة واعتماد شديد على الدولة.

ومع ذلك فقد توافد أكثر من 3500 مستثمر من الشركات الخاصة ومن كبار المسؤولين التنفيذيين ورؤساء المنظمات العالمية والمسؤولين الحكوميين من عشرات الدول إلى مؤتمر الأسبوع الماضي، ومن الناحية التاريخية، فقد جعلت احتياطيات النفط الهائلة في البلاد، التي تقدر بحوالي خمس احتياطيات العالم، الحكومة السعودية المحرك الأساسي للاقتصاد. واستخدمت الدولة معظم السعوديين العاملين ومولت مشاريع تفصيلية، مما يعني أن القطاع الخاص كان يعتمد اعتمادا كبيرا على الإنفاق الحكومي.

لكن انخفاض أسعار النفط أدى إلى تقويض هذا النموذج، مما أدى إلى تقلص ميزانية الدولة في الوقت الذي يدخل فيه مئات الآلاف من الشباب السعوديين سوق العمل كل عام. وتباطأ النمو بشكل كبير، وأوقفت المشاريع الكبيرة وأصبحت البطالة مصدر قلق متزايد.

ولمعالجة هذه التحديات، اقترح الأمير «محمد بن سلمان» مجموعة من التغييرات تحت شعار رؤية السعودية 2030 التي لم يكن من الممكن تصورها، وهي تهدف إلى زيادة عدد السعوديين في الوظائف الخاصة، بما في ذلك النساء؛ وجذب الاستثمار الأجنبي؛ وبيع أسهم أرامكو السعودية، ، لرفع رأس المال للاستثمار في أماكن أخرى.

وقال «دانييل يرجين»، وهو خبير استراتيجي بارز في مجال الطاقة حضر المؤتمر: «إن ولي العهد يقوم بتغيير على نطاق واسع جدا، وهذا المؤتمر إشارة كبيرة جدا حول مدى سرعة وتيرة التغيير، إنه يحدث بالفعل».

وأضاف: «أن هذا يرجع إلى الاعتراف بأن النموذج الاقتصادى الذى يعتمد إلى حد كبير على النفط والذى يعمل منذ أربعة عقود لم يعد كافيا عندما يكون 70% من السكان في سن 30 عاما أو أقل، وعندما تكون أسعار النفط متقلبة والعالم يسير رقميا».

العقبات حاضرة

لكن العقبات أمام التغيير الاقتصادي كثيرة، بدءا من الثقافة الموجودة التي غالبا ما تثبط المخاطرة والابتكار.

ومع خفض تكاليف الحكومة، يجب على السعوديين الذين اعتمدوا سابقا على وظائف الدولة الآمنة أن يتنافسوا الآن على وظائف أكثر شروطا في القطاع الخاص. إن التحركات للتراجع عن الإعانات السخية أو تقليل عدد العمال الأجانب يمكن أن تدمر الأعمال التجارية التي تعتمد على هذه الامتيازات.

ويمكن أن تؤدي زيادة الشفافية إلى حرمان أفراد الأسرة المالكة من سيطرتهم على الأماكن الاقتصادية المربحة. بل إن السعوديين من الطبقة المتوسطة هم عرضة للتغييرات التي تطرأ على النظام.

وبعد أن حاولت الحكومة خفض المكافآت لموظفيها، تسببت في كم من التذمر على نطاق واسع مما دفع الملك «سلمان» في أبريل/نيسان، إلى استعادة الامتيازات.

وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بالعكس، تصر الحكومة على أنها ستجري الاكتتاب العام الأولي للأسهم في أرامكو العام المقبل.

وقال «كريستيان كويتس أولريخسن»، وهو زميل في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس: «أظهر الأمير محمد أنه بإمكانه القيام بخطوات جريئة على الجبهة الاجتماعية».

وأضاف: «أنه يحتاج الآن إلى نقل هذا التركيز بعيدا عن الجوانب الاجتماعية إلى المصالح الاقتصادية التى يمكن أن تعكس بعض التغييرات المأمولة».

ولكي تزدهر المملكة العربية السعودية في عصر النفط الرخيص، سيحتاج المزيد من السعوديين للعمل في شركات خاصة، وتحدث الأمير «محمد» عن نقل الشباب السعودي إلى صناعات جديدة ومساعدتهم على أن يصبحوا رواد أعمال.

ويوجد بعض الشركات الشابة مثل Flat6Labs، وغيرها ولكن عدد السعوديين في هذه الوظائف لا يزال صغيرا. ويعمل معظم السعوديين في الحكومة، وتعتمد الشركات الخاصة بشكل كبير على العمال الأجانب. ويشكل الأجانب حوالي ثلث سكان المملكة العربية السعودية البالغ عددهم 31 مليون نسمة، ومعظمهم من العمال الذين يقومون بوظائف لا يقبل بها وبأجورها معظم السعوديين.

وحاولت الحكومة السعودية دفع المزيد من المواطنين إلى وظائف القطاع الخاص. وقال «جان فرانسوا سيزنيك»، وهو زميل بارز في مركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي، إن «إصلاح العمل الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال إجراءات مثل تخفيض عدد التأشيرات للعمال الأجانب أو إجبار أصحاب العمل على دفع الرواتب التي سيقبلها السعوديون».

وكان المحرك الرئيسي للتحول الاقتصادي المقترح، وراعي مؤتمر هذا الأسبوع، هو صندوق الاستثمار العام الذي يستثمر في كل من الكيانات السعودية والأجنبية، وأعلن مؤخرا عن سلسلة من المبادرات التي تقدر بملايين ومليارات الدولارات.

وتشمل هذه الاستثمارات الاستثمار في شركات كفاءة الطاقة، ومنتجات الألبان، والترفيه وإدارة النفايات؛ وصندوق دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ؛ وغيرها من الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا وشركة أوبر.

وقال «جيفري كوري»، الرئيس العالمي لبحوث السلع في غولدمان ساكس: «هناك قدر كبير من التشكك في السوق حول قدرة السعودية على تنفيذ رؤية 2030، ولكن وجهة نظري أكثر تفاؤلا». وتتوسع شركة كوري بسرعة في الرياض، وتضاعف حجم مكتبه المحلي العام الماضي، ويقال إن غولدمان يقدم المشورة بشأن عدد من صفقات الاندماج التي تشمل الشركات السعودية. كما أن «جي بي مورجان»، التي افتتحت مكتبا في الرياض في عام 2006، وظفت 78 شخصا وفازت بدور كبير في عرض أرامكو المخطط له.

وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كان جولدمان سيكون له دور في صفقة أرامكو، فإن أعمال إدارة الأصول التابعة للشركة لها بصمة في السعودية، وقد عملت على عرض السندات الدولية في المملكة في العام الماضي، وحضر رئيسها شوارتز في مؤتمر الاستثمار، وعقد أكثر من اثني عشر اجتماعا مع العملاء والمسؤولين.

ولا تزال العملية الإصلاحية في المملكة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأمير «بن سلمان» الذي يعتبره الكثيرون الحاكم الفعلي للمملكة بمباركة والده المسن، الملك سلمان.

وكشف المؤتمر النقاب عن خطة طموحة لإنشاء مدينة جديدة من الصفر في المملكة العربية السعودية على ساحل البحر الأحمر ستعتمد على الطاقة المتجددة وستكون مزودة بالروبوتات إلى حد كبير.

ويتكلف مشروع «نيوم» 500 مليار دولار، ويسعى إلى خلق «مركز عالمي رائد يجسد مستقبل الحضارة الإنسانية من خلال تزويد سكانها بأسلوب حياة مثالي جنبا إلى جنب مع آفاق اقتصادية استثنائية»، وذلك وفقا للمواد الترويجية التي وزعها الديوان الملكي.

ويقول «يرجين»، وهو خبير استراتيجي في مجال الطاقة: «إنها تحتوي غموضا في طموحها». وأضاف أن «هذا الأمر يواجه تحديا كبيرا سوف يقاس على مدى جيل كامل».