ملفات » الطريف إلى العرش

دروس من الصين.. هل كانت الاعتقالات السعودية بسبب الفساد؟

في 2017/11/16

أندرو ليبر وكريستوفر كاروثرز - فورين أفيرز-

في وقت سابق من هذا الشهر، اعتقل ولي عهد المملكة العربية السعودية «محمد بن سلمان» عددا كبيرا من الأمراء وعشرات من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الأثرياء الآخرين، تحت ستار محاربة الفساد، وهي الخطوة التي أثارت سيلا من التكهنات بين المحللين الأجانب. مثل أن الاعتقالات لا علاقة لها بالفساد بل تتعلق بتوطيد السلطة.

وشرح العديد من المحللين ذلك عبر المقارنة بما حدث في الصين. وكان «ديفيد أغناطيوس» من صحيفة واشنطن بوست أول من قام من بين عدد من الكتاب بمقارنة الاعتقالات بحملة الرئيس الصيني «شي جين بينغ» ضد الفساد، حيث وجه «شي» التهم إلى مجموعة من كبار المسؤولين والبيروقراطيين الآخرين.

ورأى «أغناطيوس» أن هذه المقارنات هي شكل من أشكال الإطراء في بعض الأحيان، كما هو الحال عندما يقول أنصار ولي العهد إنه مثل الرئيس الصيني، جاد في الإصلاحات.

وعند النظر إلى بعض الكتابات عن عمليات التطهير من داخل السعودية، ذكر «علي الشهابي» رئيس المؤسسة العربية الحملة باستحسان على أنها مثال آخر على «الحزم مع المرتشين».

ولكن التحليلات الأكثر شيوعا رفضت ذلك واعتبرته ليس أكثر من «تكتيك استبدادي مشترك لتوطيد السلطة»، على حد تعبير «كلاي فولر».

تطهير أم إصلاح؟

ومع أخذ المقارنة بين «شي» و«محمد بن سلمان» بالاعتبار، يمكننا أن نتحدث حول ثلاث نقاط. أولا، إنه من المبكر جدا ومن السهل جدا أن نرفض وصف ما يقوم به «بن سلمان» على أنه مكافحة للفساد وأن «بن سلمان» ليس «شي» ولكن حملة «شي» تظهر أن الحكام المستبدين يمكنهم الجمع أحيانا بين الإصلاحات وانتزاع السلطة. ثانيا، كي يصبح «بن سلمان» مشابها لنظيره الصيني، فهو بحاجة إلى يد قوية بما فيه الكفاية لتحدي الوضع الراهن وتحدي قدرات الفاسدين في الدولة. ثالثا سوف تظهر لنا الأسابيع القادمة ما إذا كان ما قام به «محمد بن سلمان» في الاسبوع الماضي مكافحة للفساد أم انتزاعا للسلطة.

يعتقد معظم الخبراء، على سبيل المثال، أن حملة «شي» قد كبحت الفساد جزئيا على الأقل في حين ساعدته على توطيد سلطته الشخصية وتوسيع سيطرة الحزب الشيوعى الصينى على الدولة والمجتمع. ومنذ عام 2013، قامت لجنة مكافحة الفساد بتأديب أكثر من مليون شخص في تهم متعلقة بالفساد؛ ولا يمكن أن يكون كل منهم من منافسي «شي». والواقع أنه حتى بين كبار المسؤولين الذين طالتهم اتهامات بالفساد، كان عدد قليل منهم يشكل تهديدات مباشرة لـ«شي» أو سلطته. بل كانوا فاسدين تماما.

وفي كثير من الأحيان، يقع المحللون في فخ الإسهاب والحشو ودائما يكونون محكومين بالافتراض أن أي شخص مستبد سيكون له أعداء وسيعمل على تطهيرهم من خلال ذريعة الكسب غير المشروع.

وفيما يتعلق بالأحداث الأخيرة في المملكة العربية السعودية، ذكر عدد من الكتاب مثل «زاك بوشامب» من فوكس و«إليوت أبرامز» من مجلس العلاقات الخارجية شيئا حول انقلاب محتمل من منافسين لـ«محمد بن سلمان».

وقد تكون هذه النظرية معقولة في حالة الأمير «متعب بن عبد الله»، الذي أصبح الآن الوزير السابق للحرس الوطني والذي كان في السابق منافسا محتملا على العرش السعودي. ولكن كيف سيتم تفسير اعتقال مؤيدين للحكومة.

على سبيل المثال، لا يوجد هناك أدلة على أن وزير الاقتصاد والتخطيط السابق «عادل فقيه»، قد طعن أو حاول تحدي «بن سلمان». في العام الماضي فقط، وصفته رويترز بأنه «رجل العائلة الحاكمة» للإصلاحات الاقتصادية التي يفضلها ولي العهد.

في الواقع، ليس من المستغرب أن يقوم المستبدون بتطهير منافسيهم وفي الحد من الفساد في نفس الوقت، على الرغم من أن الكثيرين بالطبع لا يفعلون ذلك.

وبدأ «شيانغ كاي شيك»، بعد خسارته الحرب الأهلية في الصين والتقهقر إلى تايوان، بعملية تطهير ناجحة وأصلح فساد حزب الكومنتانج الوطني المعروف. وأعجب الكثيرون حول العالم، برئيس وزراء سنغافورة السابق «لي كوان يو» على الرغم من كونه ديكتاتورا، لأنه نظف سنغافورة من الفساد. وفي الآونة الأخيرة، في رواندا الاستبدادية، حازت سياسات الرئيس «بول كاغامي» الصارمة لمكافحة الفساد على استحسان من وسائل الإعلام الغربية ومنظمات التنمية الدولية.

نوايا «بن سلمان»

قد يحتج النقاد أنه ليس هناك ما يضمن أن الاعتقالات التي وقعت هذا الشهر لها سبب آخر غير انتزاع السلطة. ولكن على الرغم من ذلك كان هناك تأييد شعبي للاعتقالات ضد الرشوة والفساد وكان هناك علامة ترحيب بأن بعض الأغنياء والأقوياء على الأقل سيضطرون إلى دفع حصتهم العادلة. واحتفل العديد من المواطنين السعوديين على تويتر من خلال نشر مقاطع من أفلام أمريكية يظهر فيها مشاهد لملاحقة الفساد.

إذا أراد «بن سلمان» السير على خطى شي أو الدكتاتوريين الذين كبحوا الفساد في الماضي، فلا يوجد أي دليل إرشادي واضح لمكافحة الفساد يمكن أن يقرأ منه.

ويشير تحليل لـ 27 محاولة للتطهير الاستبدادي منذ عام 1945 من قبل أحد مؤلفي هذا المقال إلى أن القادة ينجحون عندما تتوفر لديهم سلطة غير مقيدة في تحدي الوضع القائم على الفساد وبهذا يتمكنون من الاعتماد على قدرة الدولة القوية لتنفيذ الإصلاحات.

وفي الصين، كانت جهود «شي» أقوى بكثير من الجهود التي بذلها قادة آخرون في الآونة الأخيرة، مثل هو «جين تاو»، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن لديه شخصية أقوى. إن شي ليس «ماو تسى تونغ»، ولكن صورته العامة هي صورة زعيم فعال وخاصة فيما يتعلق بمسألة الفساد.

إذا كان هذا التحليل صحيحا، فمن الجدير بالذكر أن «بن سلمان» يبدو في طريقه إلى تكريس السلطة الشخصية ونحن نعلم أن التطهير الأخير لم يتم في المقام الأول للمنافسين الأقرب لسلطته، لأن المنافس الحقيقي الوحيد له هو ولي العهد السابق «محمد بن نايف» تمت الإطاحة به بالفعل. ونفذ ولي العهد عملية التطهير الأخيرة من موقع القوة وذلك يعطي بعض المصداقية لفكرة أن «بن سلمان» يحاول حقا كبح جماح انتهاكات السلطة من قبل المسؤولين.

ولكن على افتراض أن جهود مكافحة الفساد هي في الواقع محاربة للفساد، فإن الأوتوقراطيين الإصلاحيين سيحتاجون أيضا إلى دولة منظمة وقادرة على النجاح.

وعلى سبيل المثال، كان «شي»، سيكون عاجزا من دون برنامج مراقبة منظم جيدا من الحزب الشيوعي وهنا لدينا «محمد بن سلمان» يرغب في مواجهة المشكلة دون مساعدة من البيروقراطية السعودية.

يمكن لولي العهد وحلفائه، لفترة ما على الأقل، الاعتماد على الاحتياطيات المالية الكبيرة. لكنهم قد يكافحون مع الإقطاعات التي أصبحت منحوتة في جدران الدولة السعودية بعد عقود من التنافس العائلي الداخلي حيث تضرب هذه الانقسامات في قلب قدرات الدولة في الوقت التي هي أكثر حاجة للحد من الفساد، بما في ذلك القدرة على توزيع الموارد بشكل فعال. وإذا قمنا بمقارنة الأمر بوضع الرئيس الصيني «شي» فحتى أكبر النقاد للحزب الشيوعي سوف يعترفون بأن قدرة الدولة هنا قدرة يمكن أن يحسد عليها.

سيكون من السهل على «بن سلمان» إسقاط القضية حيث إن الاعتقالات تفرض تكلفة على الاقتصاد السعودي على المدى القصير، حيث سيقوم المستثمرون والسعوديين الأثرياء بإرسال أموالهم للاستثمار في مناطق أكثر أمنا.

والواقع أن المخاوف بشأن تأثير تدابير مكافحة الفساد على النمو الاقتصادي قد أضعفت العديد من الحملات السابقة للرئيس «شي» في الصين، وخاصة في الثمانينات وأوائل التسعينيات. ولكن إذا استمر «محمد بن سلمان» في الحملة ضد المسؤولين الفاسدين، فسيكون لدينا سبب مقنع في جدية «محمد بن سلمان» وسنعرف عندئذ ما إذا كانت عمليات التطهير هذه عمليات تطهير شاملة أم خطة إصلاحية.