ملفات » الطريف إلى العرش

الإعلام المموّل سعودياً.. بداية حقيقية للتطبيع مع إسرائيل

في 2017/11/17

أحمد علي حسن - الخليج أونلاين-

بشكل علني غير مسبوق، وبترويج صريح باعتباره "الأول من نوعه لصحيفة عربية"، أعلنت صحيفة "إيلاف" الإلكترونية المدعومة سعودياً، إجراء أول حوار عربي مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي إيزنكوت.

هذه الخطوة غير المسبوقة مثّلت أول واقعة علنية من نوعها لوسيلة إعلام سعودية مع إسرائيل، في وقت عكف فيه إعلاميون سعوديون بعد الأزمة الخليجية على اتهام قناة الجزيرة القطرية بـ "التطبيع" مع إسرائيل لدى تغطيتها للحروب على غزة، واستقبالها متحدثين رسميين باسم الاحتلال كغيرها من الشبكات الإعلامية العالمية، ورغم اعتبار القناة لدى الجمهور العربي الوسيلة الأولى في فضح جرائم الاحتلال.

لكن الصحيفة السعودية وباعترافها أنها الأولى سعودياً في مثل هذه الحوارات، قالت، فيما بدا تباهياً، بأن المقابلة "جرت في مكتب الجنرال غادي إيزنكوت بمقر هيئة الأركان، وعبّر عن سروره بهذه الفرصة للتحدث عبر الإعلام العربي عن إسرائيل عسكرياً وسياسياً".

الحوار "التطبيعي" إعلامياً جاء عقب دعوات سعودية علنية وأخرى سرية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وسط التحولات والتغيرات التي تشهدها المملكة في نظام الحكم، والخطوات التي اتخذها ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، مؤخراً.

الصحيفة العربية لم تتردّد في نشر تصريحات رئيس أركان الجيش، التي أبدى فيها استعداد بلاده "لمشاركة السعودية في المعلومات إذا اقتضى الأمر".

هذه المعالنة في التصريحات جاءت رداً على سؤال الصحفي مجدي الحلبي، لـ "إيزنكوت" حول مشاركة تل أبيت الرياض معلومات أمنية استخبارية في الفترة الأخيرة.

إيزنكوت، المتهم بالكثير من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، قال في حوار الصحيفة الذي تطرّق لقضايا مختلفة: إن "هناك الكثير من المصالح المشتركة بيننا وبينهم. هناك توافق تامّ بيننا والسعودية فيما يتعلّق بالملفّ الإيراني، والتي لم تكن (الرياض) يوماً عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها".

مصارحة إيزنكوت وعلنيّة تصريحاته لم تتوقف عند هذا الحدّ؛ فقد قال: "كنت في لقاء رؤساء الأركان بواشنطن، وعندما سمعت ما قاله المندوب السعودي وجدت أنه مطابق تماماً لما أفكّر به فيما يتعلّق بإيران، وضرورة إيقاف برامجها التوسعية".

الشاهد من مجاهرة الصحيفة السعودية بإجراء مقابلة مع شخص يمثّل إسرائيل، يقدّم لما يُتّهم الأمير الشاب بن سلمان بالسعي له في إطار جعل العلاقات طبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي، بما يحقق خطط الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن "السلام".

خطط ترامب تلتقي مع جهود سعودية يقودها بن سلمان، الذي يبدو أنه يحظى بدعم أمريكي كبير، يبدأ بتحقيق تقارب سعودي – إسرائيلي، وتطبيع للعلاقات بين الدولتين، بما يمهّد لانفتاح دول عربية أخرى على تل أبيب للوصول إلى "صفقة القرن".

اللواء أنور عشقي، المستشار السابق بمجلس الوزراء السعودي، الذي زار تل أبيب مؤخراً، قال خلال مقابلة مع قناة "DW" الألمانية، أُجريت في 27 يونيو الماضي: إن "المملكة (السعودية) ستتجه للتطبيع مع إسرائيل بعد تطبيق المبادرة العربية".

فتحقيق هذه الصفقة والتوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يلوح في الأفق، في ظل التغيّرات التي تشهدها الساحة السياسية العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً، سيشرع الباب أمام تطبيع كامل لبعض الدول العربية مع إسرائيل.

وفي هذا الإطار يقول عشقي: إن "رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، طرح مبادرة أيضاً مختلفة عن المبادرة العربية بشيء قليل، وتُدرس الآن في الولايات المتحدة، وإذا وافق عليها الفلسطينيون فأنا على يقين بأن المملكة لن تعترض على ذلك".

إذن فالرياض التي تدخل البيت الإسرائيلي من باب "الخطر الإيراني"، تلتقي مع تل أبيب في مربع الأهداف المشتركة ضد طهران، لكن هذا لن يكون الدافع الأساسي للتقارب، وإنما يمتد التعاون بين الجانبين إلى المجال الاقتصادي، وفق خبراء.

- النخب تستعد للتطبيع

التبرير لهذا التطبيع بدأ من كُتّاب ومحللين سعوديين، قبل أن يتطوّر إلى الإعلان الصريح، ففي مقال للكاتب السعودي مساعد العيصمي، نُشر في يونيو الماضي، بصحيفة "الرياض" السعودية، تساءل عمّا إذا كان هناك "عدو أشد على بلادنا (السعودية) من إيران".

العصيمي، الذي يقلّل من خطر تل أبيب مقارنة بطهران، دعا إلى حسم الأولويات والتركيز على "العدو الحقيقي (في إشارة إلى إيران).. لنحكّم العقل نحو مصالحنا ونعيد تداول المسائل اقتصادياً وسياسياً (..) كي نعلم من أشد خطراً؛ إيران أو إسرائيل".

لكن هذه المواقف تضع الشارع العربي أمام تساؤل لا بد منه؛ حول إمكانية قبول المجتمع السعودي أي تقارب مع إسرائيل، التي يرى فيها الكثير من العرب عدواً.

عشقي يقول في المقابلة ذاتها، إنه لمس تغيّراً في موقف الشارع السعودي، "الآن لو نظرنا إلى التغريدات والتعليقات التي تظهر من أبناء المملكة نجد أنهم يقولون إن إسرائيل لم يُسجَّل منها عدوان واحد على المملكة".

الإعلامي السعودي، أحمد العرفج، كان قد دعا في لقاء عبر قناة "روتانا" المملوكة سعودياً، إلى التعايش مع إسرائيل في المنطقة، مضيفاً أن "التطبيع مع إسرائيل مطروح شئنا أم أبينا، فهي لم تعد كما السابق، إذ أصبحت كياناً مستقلاً ولهم موقع ومكانة ونفوذ وتأثير في أمريكا".

واعتبر العرفج أن "قطع العلاقات (مع إسرائيل) لم يعد مجدياً، وأن تل أبيب لم تعد في الواجهة"، مشيراً إلى أن "المشكلة الحقيقية هي مع العدو في اليمن (في إشارة إلى مليشيا الحوثي المدعومة من طهران)، والمشاكل مع قطر، وإيران الصفوية".

وسخر الإعلامي السعودي من بعض الرؤساء العرب الذين كانوا يجابهون إسرائيل وتوعّدوا بزوالها؛ "صدام قال سأحرق نصف إسرائيل".

وكانت صحف عربية وغربية كشفت النقاب عن زيارات سرية لأمراء سعوديين (لم تسمّهم) إلى تل أبيب، لمقابلة مسؤولين إسرائيليين كبار، ومناقشة ملفات المنطقة وتطوير العلاقات الثنائية، وهو ما وضعه محللون في زاوية التطبيع مع إسرائيل.

وتصاعد الحديث عن ذلك حين صرّح مسؤول إسرائيلي، رفض الكشف عن اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية: إن "المسؤول السعودي الذي زار إسرائيل سراً، في شهر سبتمبر الماضي، هو محمد بن سلمان"، علماً أن السعودية نفت صحة ذلك، لكن بشكل متأخر.