ملفات » نيوم السعودية

محمد بن سلمان بين هتلر الجديد وأطلال المملكة

في 2017/11/28

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

أخيرًا حلّ موسم الربيع السعودي.. هكذا عنون الصحافي الأمريكي توماس فريدمان مقالته في صحيفة "نيويورك تايمز" بعد لقائه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكأن هذا الستيني الذي نشأ في كيبوتزات المستوطنين اليهود في حيفا، تنفّس الصعداء أخيراً بعد أن اطمأن إلى أن المملكة تسير في الطريق الصحيح نحو عالم الليبرالية والانفتاح.

المديح الملفت الذي كاله فريدمان للإصلاحات الجارية في المملكة في إطار مكافحة فساد الأمراء والوزراء والمسؤولين الكبار، جاء بعد وقت قصير نسبياً من مقالته الأخيرة التي أبدى فيها تخوّفه من الأداء المتسرّع والمقلق لمحمد بن سلمان في "المملكة التي تصدّر الإرهاب الوهابي .. والتي تشكّل خطراً على العالم أكثر من إيران.." بحسب قول فريدمان الذي طالما اعتبر أن "أهم حقيقة سياسية عن السعودية على مدار العقود الأربعة الماضية هي أنه لم تكن القوة السياسية المهيمنة والمؤثرة في هذا البلد هي الإسلام، ولا التشدّد، ولا الليبرالية، ولا الراسمالية أو الداعشية، إنما الألزهايمر" وهو بذلك يسخر من الملوك المتقدّمين في العمر من الذين تعاقبوا على الحكم في السعودية، ولا سيما الملك سلمان الذي روّجت عنه وسائل الإعلام الأميركية أنه مصاب بالصرع والخرف والتشتت الذهني.

مملكة الأكثرية الصامتة

نعم، هو موسم الربيع العربي في السعودية الذي يقود محمد بن سلمان، وهو الذي يبرز في كل يوم جدارته في إبراز طاقاته المميزة في التعامل مع الملفات المصيرية، لدرجة أنه تكلّم باللغة الإنجليزية في حواره مع فريدمان على مدى أربع ساعات، "في حين كان شقيقه الأمير خالد، السفير السعودي الجديد لدى الولايات المتحدة، والعديد من كبار الوزراء يتشاركون أطباقاً مختلفة مصنوعة من لحم الخروف ويُضفون نكهة على الحديث"، بحسب ما أشار إليه الكاتب اليهودي.

ولئن احتوت عبارات فريدمان في مقالته على نفحة من التهكّم، إلا أن هذا الأمر يعكس في الحقيقة شعوراً من الضيق لديه، لا سيما أنه لم يكن يتوقع هذا القدر من الوعي لدى الأمير الشاب، فهو كان يتصوّر المملكة السعودية ذلك البلد الذي "عانى كثيراً بسبب الفساد منذ الثمانينات حتى يومنا هذا، حيث كان الفساد يبتلع نحو عشرة في المئة من مجموع الإنفاق الحكومي سنوياً" بحسب ما أوضح محمد بن سلمان نفسه في الحوار، إلا أنه رأى مملكة جديدة فتحت المجال أمام الأكثرية الصامتة التي ضاقت ذرعاً بالظلم الناجم عن قيام عدد كبير من الأمراء وأصحاب الثروات بنهب مقدّرات البلاد.

زوال قيود الوهابية

هذا النهب كان مستمراً منذ العام 1979 حين وضع الدعاة الوهابيون الأصفاد في أيدي الناس بذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية في المملكة، في حين شهد العام نفسه سقوط الشاه على يد الخميني وأتباعه في إيران، واجتاح الشيوعيون السوفيات أراضي المسلمين في أفغانستان. ولم يكن هؤلاء الدعاة يسعون إلى تطبيق شريعة الإسلام بقدر ما كان تمكيناً لهم للإطباق على مقاليد التشريع في المملكة وإسباغ الغطاء الديني على فساد الطبقة الحاكمة، وهذا الواقع الفاسد لن يستمر لأن الإسلام المعتدل والمتوازن والمنفتح على العالم وجميع الأديان والتقاليد والشعوب هو الذي سيسود في المملكة، وما انتشار الحفلات الغنائية والاستعراضات الفنية، وتقاطر الفنانين من العرب والأجانب إلى المملكة إلا دليل على هذا الانفتاح.

بن سلمان والحلف الثلاثي

كل هذه المعطيات شرحها الأمير بن سلمان للصحافي اليهودي، مما جعله يعيد حساباته واعتباراته وتعديل نظرته إلى المملكة، ومن المؤكد أنه سينقل هذا الواقع إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أثنى عليه ابن سلمان ووصفه بأنه "الشخص المناسب في الوقت المناسب"، وهذا ما سيجعله سيندفع قدماً في تطبيق وعوده التي قطعها في قمة الرياض بالوقوف مع المملكة في محاربة الإرهاب، ولعل فريدمان - وهو اليهودي المتحدّر من جذور ضحايا المحرقة النازية - فهم الإشارة التي أطلقها ولي العهد بوصف المرشد الإيراني بأنه هتلر الشرق الأوسط، وهي دعوة واضحة لترجمة مفاعيل الحلف السعودي - الأمريكي - الإسرائيلي الجديد إزاء النازية الجديدة، وتلافي مواجهة المصير الذي وصلت إليه أوروبا في عهد هتلر ألمانيا.

الشباب السعودي وعقدة الارهاب

لم تكن مواقف ولي العهد مجرد تصريحات إعلامية بل هي محدّدات مستقبل المملكة في المنطقة في القرن الحادي والعشرين، لا سيما أن الشباب السعودي متعطّش للخروج من تهمة الإرهاب التي ألصقتها بهم واشنطن بعد تفجيرات 11 سبتمبر / أيلول عام 2001، كما أن النساء السعوديات في المناطق الـ 18 في المملكة، يطمحن في الوصول إلى النطاق الكوني من خلال تصدير أطباق الطبخ السعودية إلى العالم، على غرار المطابخ العربية والأوروبية.

وقد أدمن الأمريكيون النفط السعودي، ودائماً وفق تعبير فريدمان، وبعد مئات المليارات التي ستدخل المصارف الأمريكية على مدار السنوات المقبلة، فليس خطأً أن يراهن ولي العهد في أوراقه كلها على الإدارة الأمريكية وهي الطرف الأقوى في العالم، لا سيما مع وجود إسرائيل كحليف استراتيجي قوي يشارك السعودية عداءها لإيران وحزب الله وسوريا.

هل سيبقى للسعودية من أطلال؟

ولكن لا بد من الانتباه إلى دورة الواقع الذي يسود في المنطقة، فهل ستنجح مواقف ولي العهد في استدراج أمريكا لشن حرب مع السعودية ضد إيران؟ وهل إسرائيل مستعدة للمغامرة في هذه الحرب كرمى لعيون السعودية، وهي التي ستتعرّض للخراب والدمار أيضاً؟ وماذا سيكون مصير خطة النهوض الاقتصادية التي انطلق بها ابن سلمان في ظل هذا الوضع مع احتمال تدمير منابع النفط والطاقة في المملكة بالصواريخ الإيرانية؟ وماذا سيكون مصير مدينة الحلم في مشروع نيوم NEOM؟ وهل سيبقى لمشروع "صفقة القرن" وتسوية القضية الفلسطينية من جذورها وإرساء السلام العالمي، من وجود بعد هذه الحرب؟ وبالتالي هل سيبقى للمملكة السعودية من أطلال؟