سياسة وأمن » حروب

حرب الإمارات ضد «الإصلاح» في اليمن قد ترتد بنتائج عكسية

في 2017/11/30

ستراتفور-

منذ خوض الحرب في اليمن منذ أكثر من عامين، كافحت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها لإعادة الرئيس المطرود «عبدربه منصور هادي» إلى السلطة. لكن الإمارات، الشريك العسكري الأكثر نشاطا للمملكة، كشفت أيضا عن أولويات استراتيجية في اليمن غالبا ما تختلف عن الرياض.

ومن أبرزها، حملة أبوظبي المتصاعدة ضد حزب الإصلاح، الفرع اليمني من جماعة الإخوان المسلمين. وبينما تكثف الإمارات جهودها الرامية إلى إسقاط الحزب، فإنها قد تقوض أي تسوية سلمية يعمل عليها الائتلاف، في الوقت الذي تدعم فيه الجماعات المسلحة في جميع أنحاء البلد الذي مزقته الحرب.

القضاء على تهديد وجودي

يتألف حزب الإصلاح من مجموعة واسعة من القبائل السنية ورجال الأعمال المحليين والقادة السياسيين الذين يسعون إلى «إضفاء الطابع الإسلامي» على الحياة العامة في اليمن. ومنذ تشكيله بعد توحيد البلاد عام 1990، كان الحزب عرضة لخطر التفكك والتغيير المنتظم في تلك البيئة السياسية المعقدة في اليمن.

وكان هذا الاتجاه واضحا في علاقات الإصلاح مع الإدارات الأخيرة في صنعاء، وبعد أن كان مؤيدا للرئيس السابق «علي عبدالله صالح»، سرعان ما تحول الحزب ضده عام 2011 خلال الربيع العربي.

ووسط موجة الاحتجاجات نفسها، حولت الإمارات الحزب مباشرة إلى مرمى نيرانها. وفي ظل تحرك قوي لم يسبق له مثيل من قبل الدولة، أمر ولي عهد أبوظبي، الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، باعتقال عشرات الإماراتيين، بمن فيهم أحد أفراد العائلة المالكة، بتهمة التعاطف مع الإصلاح والإخوان المسلمين.

لكن الحملة كانت مجرد بداية لحملة أكبر بكثير ضد الإخوان المسلمين والفروع التابعة لها، التي تعتبرها الإمارات شكلا شعبيا من أشكال الإسلام السياسي، الذي يشكل تهديدا وجوديا لهيكل إدارتها. وسرعان ما بدأت البلاد في تقديم الدعم لمعارضي الإخوان في مصر وليبيا وقطر وتونس.

وبعد أعوام قليلة، بدأت السعودية تتحول تدريجيا نحو طريقة تفكير الإمارات. وفي عام 2014، أعلن الملك «عبد الله» أن حزب الإصلاح اليمني منظمة إرهابية. ولكن مع تزايد نفوذ الحوثيين في البلاد بشكل مطرد خلال العام التالي، تراجع موقف الرياض من الإصلاح، خاصة بعد وفاة الملك السعودي في يناير/كانون الثاني عام 2015.

وفي مواجهة التهديد العسكري والأيديولوجي من قبل الحوثيين الزيديين، انتقل ولاء الإصلاح إلى حكومة «هادي»، ودعم تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في النزاع اليمني في أبريل/نيسان عام 2015، بنية الحفاظ على موقف الرئيس في السلطة.

التحالف مع مختلف الأعداء

في الظاهر، يبدو أن السعودية والإمارات لهما نفس الأهداف في اليمن. فكلاهما يأمل في إعادة حكومة ودية مع مجلس التعاون الخليجي في صنعاء. وكلاهما يسعى إلى هزيمة الحوثيين، والحد من نفوذ إيران، وقمع المقاتلين المحليين، بما في ذلك تنظيم القاعدة والفرع التابع للدولة الإسلامية. ولكن في الواقع، تختلف أهداف البلدين.

ودأبت دولة الإمارات منذ فترة طويلة على دعم إصدار أكثر «اعتدالا» من الإسلام في السعودية. والعديد من الإماراتيين، بمن فيهم آل نهيان وآل مكتوم، هم من المالكيين السنة، الذين يعارضون تاريخيا السلفية المتشددة في السعودية وحتى الإخوان المسلمين والإصلاح. وفي الواقع، يقال إن آل نهيان وراء توجه ولي العهد السعودي الطموح، «محمد بن سلمان» ، بعيدا عن السلفية المحافظة التي حكمت منذ فترة طويلة في الرياض، والتي تم تصديرها إلى جميع أنحاء المنطقة، وكانت مصدر أيديولوجيات مجموعات مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

ويعكس نهج الإمارات في اليمن هذه الخطة الدقيقة. وبينما تعتزم السعودية استعادة الوضع السياسي الذي شهدته اليمن قبل غزو الحوثيين لصنعاء، تهدف الإمارات إلى تغيير المشهد السياسي في البلاد لصالحها. ولتحقيق هذه الغاية، عملت الإمارات على حرمان منافستها الأيديولوجية، جماعة الإخوان المسلمين، من نفوذها في البلاد، من خلال استهداف الإصلاح.

وعلى مدى العامين ونصف العام الماضيين، شنت القوات الإماراتية حربا ضد الحزب الإسلامي. وركزت جهودها على السيطرة على مدن الموانئ الجنوبية في اليمن، مع دعم المقاتلين الانفصاليين في المنطقة، للحصول على الدعم المحلي. ثم استخدمت أبوظبي هذه القوات، التي يطلق عليها اسم الحزام الأمني، لاحتجاز المئات من المواطنين اليمنيين المرتبطين بالإصلاح أو بأشكال أخرى من الإسلام السياسي، ضمن شبكة تضم 18 سجنا سريا على الأقل منتشرة في أنحاء المناطق الجنوبية من البلاد.

وركزت قطاعات من الحزام الأمني على مكافحة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، اللذان يتجول مقاتلوهما بشكل متزايد في الصحارى والتلال خارج المدن الجنوبية لليمن. ولكن بالنسبة للإمارات وحلفائها على الأرض، فهناك فرق بسيط بين هذه الجماعات والإصلاح، على الرغم من أن الأخير فاز بأكثر من 20% من الأصوات الشعبية في الانتخابات البرلمانية لعام 2003.

ونتيجة لذلك، ركزت قوات الحزام الأمني اهتمامها على الإصلاح. وفي أكتوبر/تشرين الأول، اعتقلت القوات 11 عضوا على الأقل من أعضاء الحزب، بعد اقتحام مكاتب سياسية للحزب في عدن. وأثارت هذه الخطوة ضد الإصلاح الرأي العام. وبعد الغارة، ادعى مسؤول في الحزام الأمني أن قطر تقدم مساعدات مالية للحزب. (ولا تزال قطر تواجه حصارا سعوديا إماراتيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى دعمها المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين).

سباق ضد الزمن

لن تكون الإطاحة بالإصلاح مهمة سهلة. فالحزب متجذر بعمق في السياسة اليمنية، وهو جزء من تحالف «هادي»، ويحظى بدعم قبيلة الأحمر القوية. وعلاوة على ذلك، لم تقدم الإمارات بعد بديلا أيديولوجيا واضحا لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن. وبدلا من ذلك، فهي تتعامل مع الإصلاح في البلاد كما فعلت في بلدان أخرى، بالاعتماد على الحلول الأمنية بدلا من الحل السياسي أو الخيار المشترك.

ولا تملك أبوظبي القوة العسكرية العاملة على الأرض في اليمن الكافية لتحقيق أهدافها. وكلما زاد ضغط الإماراتيين على الإصلاح، كلما زاد خطر انقسام حكومة «هادي». وقد يتحول أتباع الحزب إلى نفس القوى التي تحول إليها السنة في أماكن أخرى، مثل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. وتقدم مصر مثالا واضحا على هذه النتيجة. فبعد أن أطاح الجيش المصري بحكومة الإخوان المسلمين عام 2013، أدى قمع الجماعة إلى الاستياء الذي غذى الانتفاضات الجهادية في سيناء، الذي أدى بدوره للتفجيرات العديدة في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد.

وكلما طال تدخل التحالف الخليجي في اليمن، سيحاول المجتمع الدولي على الأرجح التفاوض على اتفاق سلام، ما قد يفشل عملية تقويض الإصلاح. ولا تزال الخسائر الإنسانية للصراع تتصاعد، وقد بدأت السعودية بالفعل في البحث عن مخرج من الحرب. وإذا اضطرت الإمارات لإنهاء جهودها قبل الأوان، فإن الإصلاح، على الرغم من ضعفه، سوف تتاح له الفرصة للتعافي، وربما استرجاع المكاسب التي حققتها أبوظبي في اليمن. وإذا حافظ حزب الإصلاح على شعبيته، فإن التدخل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مما سيقود إلى تشكيل حكومة في صنعاء ليست صديقة لدولة الإمارات.