ملفات » الطريف إلى العرش

الإفراج عن معتقلين بتهمة «الفساد» بالسعودية.. تساؤلات ودلالات

في 2017/12/01

وكالات-

أثيرت تساؤلات مجددا حول جوهر وأسباب حملة مكافحة الفساد في السعودية وآلية التسوية بها، خاصة مع نشر أخبار وتقارير لم يتم نفيها رسميا عن بدء السلطات الإفراج عن أمراء ومسؤولين موقوفين بتهم فساد في المملكة بموجب اتفاقات تسوية بين الجانبين.

وكان اللافت أن يتساءل كتاب مقربون من السلطة مثل «تركي الحمد» عن أسباب الإفراج عن معتقلين متهمين بالفساد بدون محاكمة ومطالبتهم بعقابهم حتى لو ردوا المبالغ التي بددوها.

أيضا أثيرت مجددا تساؤلات حول طبيعة اتفاقات التسوية، وما إذا كانت مجرد تسويات مالية أم أن لها جوانب وأبعاد سياسية.

كذلك هناك تساؤل حول طبيعة المرحلة القادمة في حملة مكافحة الفساد، فهل ستنتهي الحملة بإجراء تسويات مع المعتقلين الحاليين؟، أم أن هناك قائمة أخرى تنتظر الدور وخصوصا في ظل حديث عن أن المعتقلين يتم محاسبتهم على جرائم ارتكبوا بعضها على مدار عقود مضت، أم أنها حرب مفتوحة ضد الفساد ترتبط بوقائع وجرائم أكثر من ارتباطها بقوائم وأسماء؟.

وكانت «الحملة ضد الفساد» كانت قد انطلقت عقب إصدار العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، في 4 نوفمبر/تشرين الأول الماضي، أمرا بتشكيل لجنة عليا برئاسة نجله ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، للتحقيق في قضايا الفساد، واتخاذ ما يلزم تجاه المتورطين.

وكان لافتا بعد دقائق من الإعلان عن تشكيل اللجنة، القبض على أكثر من 200 شخص، منهم 11 أميرًا و4 وزراء حاليين وعشرات سابقين ورجال أعمال، بتهم فساد، واعتقالهم في فندق «الريتز كارلتون»، في سابقة لم يشهدها تاريخ السعودية.

ويوم 23 نوفمبر/تشرين الثان الماضي، كشف ولي العهد السعودي، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن 95% من الموقوفين بتهم الفساد في المملكة وافقوا على التسوية وإعادة الأموال للدولة.

وأشار «بن سلمان» إلى أن نحو 1% من الموقوفين أثبتوا براءتهم وانتهت قضاياهم، في حين أن 4 % منهم أنكروا تهم الفساد وأبدوا رغبتهم بالتوجه إلى القضاء.

وبعد تلك التصريحات بخمسة أيام، وتحديدا يوم الثلاثاء 28 نوفمبر/تشرين ثان، بدأت تتواتر أنباء في بدء الإفراج عن المعتقلين، في أعقاب نشر الأميرة السعودية، «نوف بنت عبدالله بن محمد بن سعود»، تغريدة عبر حسابها في «تويتر»، ألمحت فيها إلى الإفراج عن الأمير «متعب بن عبد الله بن عبد العزيز»، الذي كان موقوفا مع عدد من الأمراء والمسؤولين بتهم تتعلق بالفساد.

تلميحات الأميرة السعودية عززتها تناقل وسائل إعلام غربية عدة عن مسؤولين حكوميين تأكيد الأمر، حيث أكد مصدر حكومي سعودي لشبكة CNN الأمريكية أن الأمير «متعب» غادر مقر توقيفه في فندق الريتز بالرياض.

وأكد المصدر أن السلطات السعودية توصلت إلى اتفاق مالي لم يُكشف عن تفاصيله.

وذكرت وسائل إعلام غربية، نقلا عن مسؤول سعودي مشارك في «الحملة» على الفساد أن الأمير «متعب» قد أطلق سراحه بعد التوصل إلى «اتفاق تسوية مقبول».

الجوانب السياسية للصفقات

بدء الإفراج عن الموقوفين، بعد حملة شحن إعلامي مؤيدة للحرب على الفساد داخل المجتمع، أثار تساؤلات حتى عند كتاب مقربين من السلطة مثل «تركي الحمد» عن أسباب الإفراج عن معتقلين متهمين بالفساد بدون محاكمة وعقاب حتى لو ردوا المبالغ التي بددوها.

وقال «الحمد» في تغريدة عبر حسابه في «تويتر»: «حين يقبض على لص سرق منزلا وتثبت إدانته، هل يقال له أرجع المسروقات وأنت حر طليق« لا أظن، .. الأرجح أن يعيد المسروقات ويعاقب لفعل السرقة».

وأردف في تغريدة أخرى مخاطبا ولي العهد: «سيدي سمو الأمير.. إن كنت تريد صدقية لدى الشعب.. فحاكم من اختلس.. ليس من المنطقي أن يخرجون بمبالغ مختلسة ويعيشون بقية العمر في رفاهية.. من تثبت إدانته يجب أن يشقى.. سرقوا أعمارنا وليس مجرد أموالنا.. أرجو أن لا يكون حلما ما أعيشه».

تساؤلات «الحمد» جاءت في إطار تساؤلات أوسع حول طبيعة اتفاقات التسوية، وما إذا كانت مجرد تسويات مالية أم أن لها جوانب وأبعاد سياسية.

ورغم أن ولي العهد نفى في مقابلة «نيويورك تايمز» أن تكون الحملة ضد الفساد تستهدف الإطاحة بمنافسيه تمهيدا لنقل السلطة له من والده، معتبرا: «إنهُ لأمرٌ مُضحك، أن تقول بأن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلةً لانتزاع السُلطة»، إلا أن عدم الكشف بشفافية عن تفاصيل اتفاقات التسوية يعزز الحديث عن الجوانب السياسية لتلك الصفقات».

وفي المقابل هناك من يرى أن هذا الأمر مبرر ومفهوم، في ظل مراعاة أبعاد اجتماعية وشخصية للمعتقلين بل وحتى اقتصادية للمملكة بشكل عام، مع الحرص على عدم تأثر النشاط التجاري والاقتصادي والاستثماري في المملكة.

حرب جديدة أم تهدئة

أيضا يثير بدء الإفراج عن المعتقلين المتهمين بالفساد تساؤل حول طبيعة المرحلة القادمة في حملة مكافحة الفساد، فهل ستنتهي الحملة بإجراء تسويات مع المعتقلين الحاليين، تعقبها فترة تهدئة قد تكون «مطلوبة» بعد أن حققت تلك الحملة كافة أهدافها، باسترداد أموال الدولة، وتكريس الصورة الذهنية لولي العهد كمحارب للفساد، وإرسال رسائل لكافة الأطراف في الداخل والخارج تعزز التكهنات عن قرب انتقال السلطة في المملكة من الملك لولي عهده.

أم أن هناك قائمة أخرى تنتظر الدور وخصوصا في ظل حديث عن أن المعتقلين يتم محاسبتهم على جرائم ارتكبوا بعضها على مدار عقود مضت، أم أنها حرب مفتوحة ضد الفساد.

الإجابة على كل هذه التساؤلات، وتحديد المسار الحقيقي لحملة مكافحة الفساد، وأبعادها وجوهرها، يحددها – كما يطالب فريق من المحللين والمتابعين والموطنين السعوديين- الشفافية في التعامل مع تلك القضية، بالإعلان رسميا عن التهم الموجهة لللموقوفين، ومضامين اتفاقات التسوية التي عقدت معهم، وحجم المبالغ التي تم استرداداها.