ملفات » الطريف إلى العرش

كيف يتعلم «بن سلمان» مكافحة الفساد من كوريا الجنوبية؟

في 2018/01/09

جمال خاشقجي- واشنطن بوست-

دعا الكاتب والإعلامي السعودي الشهير «جمال خاشقي»، ولي العهد «محمد بن سلمان» إلى التعلم من تجربة كوريا الجنوبية في مكافحة الفساد.

وذلك عبر الشفافية والوضوح، وصياغة قوانين جديدة تساعده في هذا الأمر، وليس عبر ملاحقة رجال الأعمال والشركات الكبرى، وإجراء صفقات وتسويات معهم، وكلها أمور تعمل على هروب الاستثمارات والمستثمرين، والإضرار باقتصاد البلاد.

جاء ذلك في مقال له نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، أمس الإثنين، تحت عنوان: «ما الذي يمكن أن تتعلمه السعودية من كوريا الجنوبية في مكافحة الفساد؟».

وأشار إلى أنه «لا يمكن للمرء أن ينسى أنه قبل أسبوع واحد من الحملة المعيبة لبن سلمان ضد الفساد، كانت السعودية محط عيون جبابرة الصناعة العالمية والتكنولوجيا والمال في مؤتمر الاستثمار الذي شهد إطلاق مشروع نيوم العملاق».

وأضاف «خاشقجي»، أن هذه العاصفة الاقتصادية التي هبت على المملكة خلال إطلاق مشروع «نيوم»، سرعان ما تم إخمادها، عندما احتجز ولي العهد «العشرات من أفراد العائلة المالكة مع كبار المسؤولين الحاليين والسابقين فى فندق ريتز كارلتون بالرياض بتهم فساد، قبل أن يفرج عن عدد قليل منهم بعد أن قيل إنهم دفعوا المليارات».

وأشار إلى أنه «في الآونة الأخيرة، هناك شائعات بأن الدولة ستضع بعض الشركات الخاصة تحت رعاية صندوق الاستثمار الحكومي، ما يزيد من تعقيد الأمور، ويمنع الاقتصاد السعودي من النمو».

وأوضح أن «هذه التكتيكات تعمل على هروب المستثمرين الأجانب الذين يتساءلون: إذا كانت الحكومة تفعل هذا مع المواطنين السعوديين البارزين، فماذا ستفعل لنا؟».

وقال «خاشقجي»: «بصفتي صحفيا سعوديا بدأ حياته المهنية بعد الطفرة النفطية في السبعينات، وشهد النمو الهائل والتوسع في الأعمال السعودية والدور المحوري الذي لعبه قادة هذه الشركات في بناء الاقتصاد السعودي الحديث، وهي شركات ترتبط ارتباطا وثيقا بالحكومة السعودية، وإن كانت هناك عواقب أخرى لهذا النمو السريع».

ولفت إلى أن هذه العواقب تتمثل في «الفساد المتفشي الذي تطرق إلى كل جانب من جوانب المجتمع، بما في ذلك أفراد الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، آل سعود، الآن».

وتابع: «بما أن حملة مكافحة الفساد المعيبة، تستهدف رجال الأعمال البارزين، فإنها ستحول دون لعب هؤلاء أي دور في تنويع الاقتصاد وتوظيف الملايين من الشباب السعودي».

وفي معرض حديثه عن تجربة كوريا الجنوبية في مكافحة الفساد، قال إن قصة التعاون الوثيق بين رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين ليست فريدة من نوعها في السعودية، ولكنها جرت سابقا في كوريا الجنوبية، لكن الأمور كانت مختلفة.

وقال إن سقوط الرئيسة السابقة لكوريا الجنوبية «بارك جيون هاي» بعد اتهامها في قضايا فساد ومحاكمتها علنا، جاء رغم قيام والدها عقب انتهاء الحرب الكورية، بمنح رجال الأعمال والرأسماليين ائتمانات رخيصة وامتيازات حصرية لإعادة بناء الوطن، وأدت هذه الاستراتيجية إلى ظهور الشركات العائلية العملاقة مثل سامسونج وهونداي، وأعادت هذه الشركات بناء كوريا الجنوبية وجعلتها عملاقا صناعيا على الساحة العالمية.

وأضاف: «تعاملت كوريا الجنوبية مع الفساد بشكل مختلف، وقد جرت محاكمة الرئيسة السابقة بشكل علني، وكانت الشركات المعنية معزولة عن الإطاحة برئيسة البلاد ومحاكمتها، ولم تتأثر معاملاتها المالية وأرباحها بما حدث، وعقب الإطاحة بها أصدر قادة كوريا الجنوبية بيانا جاء فيه أن مغادرة بارك لن تؤثر على استقرار السوق».

وبين «خاشقجي» أن العكس يحدث في السعودية، ونقل عن رجل أعمال عربي قوله إن «السعودية تقف على مفترق طرق، ولكي تنجح رؤية عام 2030، فإن الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص، هي شروط مسبقة، إن أحداث مكافحة الفساد خلال العام الماضي، وتحديدا في 4 نوفمبر/تشرين الثاني وما بعده، قد أدت إلى عدم اليقين وعدم الوضوح. لكي تستثمر الشركات داخل المملكة، يجب مراعاة معايير سيادة القانون والحفاظ على الشفافية».

وتابع رجل الأعمال العربي في حديثه لـ«خاشقجي»: «من المهم أيضا أن نتذكر أن معظم التجار أو رجال الأعمال في السعودية قد جمعوا ثروتهم من خلال العلاقات مع أولئك الذين في السلطة».

وأردف: بدلا من تشكيل لجنة عليا لمعالجة الفساد، يمكن مقاضاة الفاسدين بشفافية وتطبيق عادل للقانون على جميع المواطنين السعوديين بغض النظر عن اسم العائلة.

وقال: «إذا كان محمد بن سلمان يريد التعامل بشكل صحيح مع الفساد، فإنه يجب الحفاظ على عنصرين حيويين للاقتصاد السعودي؛ الثقة في الدولة ودور الشركات الوطنية، لأنه إذا فقد رجل أعمال الثقة في الدولة، فإنه لن يستمر الاستثمار، وبدلا من ذلك، سيذهب إلى أماكن أخرى، ثانيا، يجب على محمد بن سلمان أن يعتبر الشركات الكبرى كنوزا وطنية، وقد اكتسبت هذه المؤسسات خبرة هائلة وسمعة دولية ومحلية ضخمة، وهم يمتلكون خبرة مؤسسية لا يمكن الاستغناء عنها».

ودعا الإعلامي السعودي إلى «صياغة قوانين جديدة تحدد الفساد وتمنع تكراره من جديد، بكل شفافية ووضوح».

ومنذ 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، جرى احتجاز عشرات الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، على خلفية تحقيق تجريه لجنة جديدة لمكافحة الفساد يرأسها ولي العهد السعودي، بينما لم يستبعد مراقبون أن يكون من بين أهداف الحملة القضاء على أي معارضة من داخل الأسرة، لتولي الأمير الشاب السلطة.

ولم يكن الكثير من المتتبعين يتوقعون أن تتخذ «اللجنة العليا لمكافحة الفساد»، التي يترأسها «بن سلمان»، قرارات باعتقال شخصيات مهمة، منها رجال أعمال معروفون لهم ثقل اقتصادي كبير في السعودية وخارجها، فضلا عن أمراء من العائلة الحاكمة ومقربين منها، وعلى رأسهم الأمير الملياردير «الوليد بن طلال»، في خطوة قال مراقبون إنها أثارت قلقا عالميا من الاستثمار في المملكة.

وقدرت المبالغ التي سيتم الاستيلاء عليها من أموال رجال الأعمال والأمراء الموقوفين بقرابة 2 تريليون ريال سعودي.