ملفات » الطريف إلى العرش

اعتقالات بن سلمان تتجه نحو الفارِّين منه للخارج.. مَن القادم؟

في 2018/01/18

يوسف حسني - الخليج أونلاين-

يبدو أن الاعتقالات التي تشنها السلطات السعودية منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، ستطول الفارّين منه إلى خارج البلاد، حيث تعكف السلطات السعودية حالياً على تجهيز مذكرات اعتقال بحق عددٍ من الموجودين بالخارج، بالإضافة إلى الذين فرُّوا قبل أن تطولهم الزنازين.

فمنذ الرابع من نوفمبر الماضي، بدأ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حملة اعتقالات غير مسبوقة بحق عشرات، بينهم أمراء ورجال أعمال ووزراء حاليون وسابقون، قبل أن يعود ويطلق سراح عدد منهم بعد تنازلهم عن أجزاء كبيرة من ثرواتهم.

وجاء اعتقال الأثرياء السعوديين بعد حملة اعتقالات شنتها الرياض مطلع سبتمبر 2017، ضد عشرات الكُتاب والصحفيين ورجال الدين والمحللين الاقتصاديين والروائيين والشعراء، بتهم متعددة، أبرزها الصمت وعدم المشاركة في الحملة الإعلامية ضد قطر، بالإضافة إلى محاولات إسكات الأصوات المؤيدة لولي العهد المعزول محمد بن نايف.

لكن عدداً من الإعلاميين والكتاب والصحفيين ورجال الدين، الذين كان جهاز أمن الدولة قد أدرجهم على قوائم الاعتقال، قد تمكنوا من الفرار إلى دول الخليج المجاورة وإلى تركيا وبريطانيا وأمريكا.

وفي حين تروج السلطات ووسائل الإعلام الموالية لولي العهد، للاعتقالات على أنها حملة مكافحة فساد، فإن كثيرين يرون أنها ليست إلا محاولة لقطع كل الرؤوس الرافضة لوصول بن سلمان لسدة الحكم، وكذا إسكات كل الأصوات التي تتحدث برواية مخالفة لروايته.

والجمعة 12 يناير 2018، قال النائب العام السعودي إن حملة الاعتقالات "متواصلة ولن تتوقف قبل اقتلاع الفساد من جذوره"، مشيراً إلى أن "السلطات تعكف حالياً على إعداد مذكرات توقيف بحق عدد من الموجودين خارج البلاد؛ لتوجيهها إلى البلدان التي يقيمون بها لتسليمهم للرياض؛ تمهيداً لمحاكمتهم".

وكانت صحيفة "عكاظ" السعودية ذكرت في نوفمبر 2017، أن الشرطة الدولية (الإنتربول) ما زالت تلاحق مطلوبين بـ"قائمة الفساد" في المملكة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر، لم تسمها، أن "الإنتربول" ما زال يلاحق رجل أعمال، ورئيساً سابقاً لأحد الأندية، إضافة إلى أمين سابق (للنادي نفسه) للقبض عليهم وتسليمهم إلى السلطات السعودية، عقب هروبهم من تنفيذ أحكام صدرت بحقهم على خلفية فاجعة سيول جدة.

وأضافت الصحيفة أن "التحقيقات في ملف سيول جدة أكدت أن الرشوة كانت الأكثر حضوراً بين كل المخالفات"، لافتة إلى أن "هذه الرشى بلغت عشرات الملايين، ومنها قضية رشوة شهيرة بـ60 مليون ريال (نحو 17 مليون دولار)؛ لتمرير صكوك ومعاملات قيمتها السوقية توازي ملياري ريال في مخططات خارج جدة".

وطالت تهم الرشوة وسوء استخدام السلطة والتربح من الوظيفة العامة، وفقاً لـ"عكاظ"، عدداً من المتهمين في "أمانة جدة" وكتابة العدل وشركة المياه؛ ورجال أعمال ورياضيين وعقاريين.

وبيَّنت التحقيقات أن عدداً من المتهمين استخدموا حسابات زوجاتهم وأمهاتهم وأقاربهم في عمليات التحويل والإيداع للمبالغ الضخمة؛ خشية أن تطولهم الاتهامات، في حين ظل الدفع النقدي سيد الموقف لكثير من المتهمين، الذين عثرت جهات التحقيق على مبالغ نقدية داخل منازلهم.

وفي ظل حالة الشك الكبيرة التي تحيط بعمليات الاعتقال وطريقة وأسس توجيه الاتهامات، وبالنظر إلى ما تنشره وسائل الإعلام التي تتبنَّى الرواية الرسمية، فإن كل من يعتبره ولي العهد (الحاكم الفعلي للبلاد بنظر كثيرين) معارِضاً، قد يجد نفسه متهماً بالفساد؛ ومن ثم يصبح في مرمى نيران السلطة، هو وأسرته.

- كتّاب وحقوقيون وأكاديميون

ومن أبرز المعرضين للملاحقة، الكاتب المعارض جمال خاشقجي، والمعارضون سعد الفقيه، وعلي آل أحمد، وكساب العتيبي، فضلاً عن ثلاثة أمراء سعوديين يعيشون في أوروبا.

وعُرف الأمراء الثلاثة بانتقاداتهم للحكومة السعودية، وإن كانت تقارير إخبارية تشير إلى أنهم اختُطفوا أو رُحِّلوا إلى السعودية، حيث انقطعت أخبارهم ولم يُسمع عنهم شيء منذ ذلك الحين.

وكان الكاتب السعودي جمال خاشقجي قد اتخذ مواقف مناهضة لحصار قطر، قبل أن يعارض الآلية التي تنتهجها المملكة في التعامل مع ملف الفساد، رغم تأكيده الدائم ضرورة التصدي للفساد والمحسوبية بطرق منطقية ومقبولة، وليس استخدامه كشماعة لحسم خلافات سياسية غير معلنة.

وتمكن خاشقجي من الخروج من السعودية قبل بدء حملة الاعتقالات بأيام قليلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي البداية أصرّ خاشقجي، وهو الصحفي الذي بقي طوال حياته مقرَّباً من النظام السعودي والاستخبارات، على عدم وصفه بالمنفي، لكنه نشر بعد بدء حملة الاعتقالات مقالاً في صحيفة "واشنطن بوست"، قال فيه: إن "السعودية باتت غير محتملة في عهد ولي العهد محمد بن سلمان".

وذكر خاشقجي أنه "اختار مع عدد من المثقفين السعوديين الاستقرار في المنفى الاختياري؛ خوفاً من اعتقالهم حين عودتهم إلى بلادهم".

وأضاف: "هناك سبعة على الأقل منا، هل سنكون نحن نواة الشتات السعودي؟ نقضي ساعات لانهائية على الهاتف، في محاولة لفهم هذه الموجة من الاعتقالات!".

وتابع: "الاعتقالات شملت صديقي رجل الأعمال عصام الزامل، الذي كان قد عاد من الولايات المتحدة، بعد أن كان عضواً في وفد سعودي رسمي! بهذه السرعة يمكنك أن تسقط من نظر القيادة السعودية، شيء مروع جداً! ولكن هذا لم يكن معتاداً في بلدي".

وعمل خاشقجي مديراً لتحرير صحيفة "الوطن"، المقربة من الحكومة، على فترتين، كما عمل مديراً لقناة "العرب" المملوكة للوليد بن طلال، والتي لم تبصر النور بأوامر حكومية سعودية، كما عمل مستشاراً للأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية والسفير السابق للمملكة العربية السعودية لدى بريطانيا ثم أمريكا.

ويواجه خاشقجي هجمات عنيفة من إعلاميين ونشطاء موالين للسلطات. وسبق أن اتُّهم بـ"الخيانة"، عقب الضجّة الكبيرة التي أثارها مقال نشره بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في سبتمبر 2017، وتحدث فيه عن الاعتقالات التي شملت دعاة ومفكرين واقتصاديين كباراً.

وقال خاشقجي، آنذاك، إنه كان يلتزم الصمت خلال السنوات الماضية عند اعتقال أصدقائه؛ وذلك لخوفه على حريّته، وعائلته، ووظيفته، لافتاً إلى أنه قرر الكلام بعد تركه بيته وعمله في السعودية، وانتقاله للإقامة في واشنطن، مؤكداً: "من الآن فصاعداً، بات لزاماً عليَّ رفع صوتي في وجه حملة الاعتقالات والقمع في السعودية، القيام بغير ذلك خيانة لأولئك الذين تم رميهم في السجن".

هناك أيضاً المعارض علي آل أحمد، الذي يعمل مديراً لمعهد الخليج للدراسات في واشنطن، وهو ناشط حقوقي معروف بمواقفه المناهضة لحكومة المملكة، فضلاً عن وصفه للأسرة الحاكمة بأنها "رأس الإرهاب" في العالم.

كما أن الإعلام السعودي استغل الأزمة الخليجية الأخيرة لمهاجمة المعارض البارز سعد الفقيه، واتهامه بتلقي الدعم المادي والمعنوي من القيادة القطرية، في حين تتهم صحيفة "عكاظ" "الفقيه" بأنه هو نفسه المغرد السعودي الشهير "مجتهد".

ورغم أن "الفقيه" نفى في أكثر من مناسبة، صلته بحساب "مجتهد"، فالسلطات السعودية لم تجد تهماً جديدة توجهها له، فنشر المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني تغريدة على حسابه بـ"تويتر"، يدّعي فيها أن سعد الفقيه هو "مجتهد".

ولم يكن خاشقجي هو الهارب الوحيد الذي تمكن من "النفاذ بجلده" من حملة الاعتقالات، التي وُصفت بأنها الأكبر في تاريخ المملكة الحديث، حيث استطاع المعارض الشهير الدكتور كساب العتيبي الخروج من السعودية نحو الدوحة؛ خوفاً من الاعتقال.

وكان كساب، وهو أحد أفراد تيار "الصحوة" الإسلامي واسع الشعبية والنفوذ في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، قد اتجه إلى لندن، عقب حملة الاعتقالات التي شنتها الحكومة عام 1994 ضد رموز التيار نتيجة توقيعهم "مذكرة النصيحة"، والتي تطالب بتعديلات دستورية وسياسية ودينية.

وبعد تولي الأمير محمد بن نايف مقاليد ولاية العهد في عام 2015، عاد كسّاب العتيبي إلى تسوية توصل إليها مع الأجهزة الأمنية، لكن سلسلة الاعتقالات التي شنها محمد بن سلمان ضد مقربين من بن نايف وأطراف أخرى داخل الأسرة الحاكمة، أجبرت كساب على الرحيل مرة أخرى.

هناك أيضاً، الأكاديمي والباحث الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد، الذي يعيش بمنفاه الاختياري في إسطنبول، عقب ورود اسمه بقوائم الاعتقالات الخاصة بجهاز أمن الدولة، التابع لولي العهد محمد بن سلمان.

وسبق للسلطات أن أوقفت بن سعيد عدة مرات على خلفية انتقاداته لقناتي "العربية" و"إم بي سي"، وتضامنه مع ضحايا "مذبحة رابعة العدوية" وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومواقفه المؤيدة للمقاومة الفلسطينية ورفض التطبيع مع "إسرائيل".

الشيخ عبد الرحمن دمشقية، وهو رجل دين وباحث لبناني، كان مقرباً من أجهزة الدولة السعودية الأمنية في عهد وزير الداخلية الأسبق نايف بن عبد العزيز وابنه محمد، وقد استطاع الفرار من السعودية عقب ورود اسمه بقوائم الاعتقالات، متجهاً إلى لندن، حيث يملك إقامة دائمة هناك.

- الأمراء المختفون

وخلال السنتين الماضيتين، اختفى ثلاثة أمراء سعوديين يعيشون في أوروبا، وعُرفوا بانتقاداتهم للحكومة السعودية، وهناك تكهنات منتشرة بـأن الأمراء الثلاثة إما اختُطفوا وإما رُحِّلوا إلى المملكة، خاصة مع انقطاع أخبارهم، وعدم سماع أي شيء عنهم منذ ذلك الحين.

والأمراء الثلاثة؛ هم: سلطان بن تركي بن عبد العزيز، وتركي بن بندر آل سعود، وسعود بن سيف النصر، وثلاثتهم لهم مطالبات كثيرة بالإصلاح واتهامات للأسرة الحاكمة بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان.

هناك أمير سعودي آخر انشق عن الأسرة المالكة، وهو الأمير خالد بن فرحان آل سعود، الذي ذهب إلى ألمانيا وحصل على اللجوء السياسي فيها عام 2013، وهو أيضاً يخشى أن يُجبر على العودة للرياض.

يقول الأمير خالد، لـ"بي بي سي": "كنا أربعة أمراء بأوروبا. انتقدنا الأسرة المالكة وحكمها في السعودية. اختُطف ثلاثة منا. أنا الوحيد المتبقي الذي لم يُخطف".

وعن إمكانية أن يكون الدور عليه لينضم إلى قائمة المختطَفين، يقول الأمير خالد: "أنا مقتنع بذلك. لقد اقتنعت بذلك منذ زمن طويل. إذا فعلوا ذلك الآن، فإنهم سيكونون قد قاموا بذلك من قبل. أنا حذِر جداً، لكن هذا ثمن حريتي".