ملفات » نيوم السعودية

بخطة "جس النبض".. هكذا امتص بن سلمان صدمة السعوديين

في 2018/02/22

الخليج اونلاين-

تستمر الأخبار المثيرة للاستغراب تفد من السعودية منذ تولي محمد بن سلمان منصب ولاية العهد، في يونيو 2017؛ فالمجتمع السعودي الذي عُرف بكونه مجتمعاً محافظاً يغلب عليه طابع التشدد الديني، بدأ يفقد هذه السمات التي ميّزته عن بقية المجتمعات في العالم.

ولي العهد محمد بن سلمان أصبح اليوم يقف وراء العديد من القرارات المهمة في مختلف المجالات بالبلاد، مثل تحديد سياسة الطاقة، وخطط التغيير الاقتصادي، وتقليص الدعم الحكومي، وهو يشغل منصب وزير الدفاع السعودي، ما يعطيه قدرة التحكم بواحدة من أكبر موازنات الأسلحة في العالم، وسلطة اتخاذ القرارات العسكرية في المملكة.

فضلاً عن هذا يرأس ولي العهد مجلس الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، الذي يشرف على جميع السياسات المؤثرة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية مثل التعليم والصحة والسكن.

بن سلمان ركز منذ توليه ولاية العهد على الإعلام، وكان ذلك من خلال إعفاء إعلاميين وصحفيين من مناصبهم، وتعيين آخرين بديلاً عنهم؛ يعملون وفق النهج الذي وضعه في التغيير، ولتمتين وجوده في السلطة.

فقد عيّن خالد مدخلي، مذيع قناة العربية، مديراً للقناة الإخبارية، والإعلامي داود الشريان مديراً تنفيذياً لهيئة الإذاعة والتلفزيون.

تبدو وسائل الإعلام السعودية، لمن يتابعها، أنها أصبحت ذات توجه مغاير لما كانت عليه في السابق، لا سيما التلفزيون الرسمي الذي شهد تغييرات اعتبرت صادمة بالنسبة لما عهده قبل أقل من عام، بينها بثّ الأغاني والمهرجانات الغنائية والأفلام التي كانت محظورة من قبل بسبب التبرج المرافق لها، والذي كانت الدولة السعودية تحاربه في السابق، من خلال منعها.

ومنذ تغيير الطاقم الإداري للقنوات الحكومية السعودية، شنت هذه القنوات هجوماً على التيارات الدينية التي حالفتها المملكة طوال عقود، وعلى رأسها تيار الصحوة.

وظهر بن سلمان في عدة مقابلات تلفزيونية أجراها مع قنوات عالمية ومحلية بشكل مغاير للزي الرسمي السعودي، وباتت صوره تزين الجدران، وتنتشر في وسائل الإعلام المحلية المختلفة، وتنال أخباره اهتماماً محلياً بارزاً، في ظل التغيرات الصادمة التي يُحدثها.

قنوات دينية سعودية خاصة، مثل الرسالة والمجد واقرأ، شهدت تغييرات هي الأخرى.

فقناة المجد أوقفت برنامج "مع سماحة المفتي" الأسبوعي، الذي يفتي فيه رئيس هيئة كبار العلماء- أعلى سلطة دينية في البلاد- الشيخ عبد العزيز آل شيخ على الهواء مباشرة، بحجة وجود "ظروف في العمل".

ولأهمية الدور الكبير الذي يمارسه الإعلام الجديد، برز سريعاً على الساحة الإعلامية بعد تولي بن سلمان ولاية العهد، سعود القحطاني، ليدير منصبه كمسؤول عن الجيوش الإلكترونية التي تشن حملات إلكترونية منظمة، وتدير عشرات الحسابات الإخبارية التي تملك ملايين المتابعين.

- جس نبض المجتمع السعودي

الارتكاز على وسائل الإعلام كان الباب الذي أشرف من خلاله بن سلمان على المجتمع السعودي ورصد ردود أفعاله تجاه القرارات الغريبة على السعوديين، رغم أن ردود الفعل ينتابها الحرص والخشية من الاعتقالات، كما حصل مع دعاة وكتاب.

فقد سبق الإعلان عن القرارات "الصادمة" الكشف عنها في وسائل الإعلام، عبر مقالات وأخبار، بالإضافة إلى استخدام كتاب ونشطاء مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لهذه القرارات.

بذلك، يقول مختصون في الحملات الإعلامية، لن توجه القرارات الغريبة حين صدورها أي صدمة للمجتمع؛ فقد سبق الحديث عنها عبر عدة مراحل من قبل وسائل الإعلام المختلفة، ففي المرحلة الأولى يتم طرحها من قبل كتاب الرأي أو عبر مواقع التواصل حتى تنتشر فتتناولها الصحف، أو العكس؛ من خلال الصحف فتتناولها مواقع التواصل الاجتماعي ويكتب عنها كتاب الرأي.

وفي المرحلة الثانية، تبدأ هذه الوسائل الإعلامية تتوقع إقرار هذه القوانين، ملمحة بقرب موعد الإعلان عنها، وفي المرحلة الأخيرة تتحدث عن تسريبات أو من خلال مسؤولين يعلنون مواعيد إقرار هذه القوانين.

أما إن كان هناك ردود فعل عنيفة من قبل المجتمع على أي من القرارات الصادمة، فإن الإجراء المتبع عادة هو توقيف الكاتب أو الإعلامي الذي كان أول من تحدث عن ذلك، أو محاسبة وسيلة إعلامية على ذلك، وتنتهي القصة المرحلية إلى هنا، على أن تُطرح في مراحل لاحقة بشكل مختلف.

بذلك يكون الإعلام قد جس نبض الشارع وصدمه بالخبر الغريب، ومن خلال تناوله في أكثر من وسيلة إعلامية، وتحشيد الرأي الإيجابي لمصلحته، فلن تكون هناك أي صدمة، وسيكون الخبر عادياً في حال أقر من قبل الجهات الرسمية.

وكان بين هذه القرارات السماح للمرأة بقيادة السيارة، والسماح لها بدخول الملاعب، وحضورها الحفلات والمهرجانات الغنائية، والاحتفال بعيد الحب.

هذه القرارات جميعها كان قد روج لها إعلامياً لعدة أشهر، وكانت مثار حديث وسائل الإعلام، حتى أُقرت دون أن تُحدث صدمة داخل المجتمع السعودي، بل أصبحت ردود الفعل عنها "إيجابية ومقبولة".

لكن خبرين تناقلتهما وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية، لم يكن لهما أي ترويج مسبق، ولم يحدثا صدمة داخل المجتمع السعودي.

الأول كان يوم الجمعة، 16 فبراير الجاري، يتعلق بممارسة أربع نساء سعوديات لعبة "السيكونس" في ساحات الحرم المكي قرب الكعبة المشرّفة، وتداول نشطاء مقطع فيديو يظهر النساء وهن يمارسن هذه اللعبة.

و"السيكونس"، أو ما يسمى لعبة التسلسل أو التتابع، هي لعبة ذكاء وتفكير، غزت مؤخراً استراحات وتجمُّعات شباب في معظم محافظات السعودية.

ونقلت صحيفة "عكاظ" المحلية، عن مصدر في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، قوله إن "مشرفين في إدارة الساحات لاحظوا لعب عدد من النساء لعبة السيكونس عند الساعة الـ11 مساءً"، مشيراً إلى أن النسوة الأربع كنَّ في الساحة الغربية من التوسعة، مقابل السلم رقم 91، إلى جوار باب الملك عبد العزيز.

وأضاف: "الأمر تطلَّب استدعاء القسم النسائي التابع لإدارة الإرشاد والتوجيه (في الحرم)؛ لمباشرة الحالة"، مؤكداً أنهن استجبن لطلب المراقبات وأنهين اللعبة وغادرن المكان.

وقال إن القسم النسائي "ناصحَ" اللاعبات بعدم اللعب في الساحات واحترام قدسية المسجد الحرام، وعليه غادرن الموقع فوراً.

أما الخبر الثاني، فكان الإعلان عن استعداد العاصمة السعودية الرياض لاستضافة أسبوع الموضة العربي، وهو الحدث الذي ينظم في المملكة للمرة الأولى، وفقاً لما أعلنه مجلس الموضة العربي.

وقال مجلس الموضة العربي في موقعه الإلكتروني، الاثنين 19 فبراير الجاري، إن أسبوع الموضة العربي سوف يعقد في الرياض من 26 مارس المقبل وحتى 31 من الشهر نفسه، مع الاستعداد لأسبوع آخر في أكتوبر المقبل.

الخبران الأخيران لم يوقعا أي صدمة داخل المجتمع السعودي، وهو ما يثير التساؤل حول إن كان المجتمع السعودي قد اعتاد في وقت قصير على أن يألف أي مواقف أو قرارات غريبة دون أن تكون له ردة فعل إزاءها، وقد يطرح تساؤلاً آخر مفاده: ما القرارات الغريبة القادمة التي سيتقبلها السعوديون بصدر رحب؟