ملفات » العلاقات السعودية الاسرائيلية

إعلام السعودية.. "الصدمة" لترويج التطبيع مع "إسرائيل" والنقد جريمة

في 2018/03/01

هناء الكحلوت - الخليج أونلاين-

سيناريو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تصدّر واجهة السعودية الإعلامية بشكل لافت، وذلك على صعيد إخراج العلاقات السريّة مع تل أبيب إلى العلن، ما شكّل "صدمة" في الشارعَين السعودي والعربي، فُهمت من قِبل المختصين، بأنها متطابقة مع السياسة التي يتبعها ولي العهد السعودي، "سياسة الصدمات".

السعودية التي لطالما وقفت مع الفلسطينيين في نضالهم ضد الاحتلال، تشهد اليوم مرحلة فاصلة، تُظهر اختلاطاً بالأوراق، فبعد أن كانت "إسرائيل" عدواً، أصبحت صديقاً مقرّباً ومن الجهات التي تتم محاورتها إعلامياً!

ويبدو أن الصحف والمواقع، اتّبعت سياسة "الصدمة"، التي أعلنها ولي العهد السعودي؛ إذ وصف موجة الإصلاحات الجديدة في المملكة بأنها تشبه العلاج بالصدمة، لتحديث الحياة الثقافية والسياسية.

الإعلام السعودي نشر العديد من التقارير التي تُلمّع صورة الاحتلال، وتُبدي تقارباً كبيراً في العلاقات، وأهدافاً مشتركة، أهمها دحر "إرهاب إيران".

ومن منطلق محاربة الإرهاب الإيراني، باتت العلاقات تتوسع بين حكومة الاحتلال والحكومة السعودية، ولعب الإعلام دوراً بارزاً في نشر هذه التقاربات والترويج لها بعدة أساليب ومقالات، وبخطوات غير مسبوقة، وصلت لحد الحديث مع رأس جيش الاحتلال وكبار حاخاماته.

وكان آخر الخطوات الجريئة التي أقدم عليها الإعلام السعودي، حوار مثير للجدل لصحيفة "سبق" السعودية المحلية واسعة الانتشار، مع حاخام يهودي أشاد بنشاط ولي العهد السعودي، وفيه أيضاً دعوات للاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، نشرته الثلاثاء (27 فبراير).

- وعي الشعوب

المستشار الإعلامي حسام شاكر، علَّق على طريقة تعامل الإعلام السعودي مع التطبيع، قائلاً: إن "هناك خبرات عربية سبقت هذه الانزلاقات المؤسفة، راهن أصحابها أيضاً من قبلُ على تغيير وِجهة الشعوب العربية وتأسيس قناعات ساذجة، ترى الاحتلال صديقاً، ومقاومته خصماً، ولكن هل نجحت مثل هذه المحاولات في الماضي رغم قوة الضخ؟ ربما أحدثت إزاحات موضعية فقط، وآنية ربما، لكن بقي وعي الشعوب حاضراً وكان يتم استرجاع الذاكرة مع أول جولة قصف إسرائيلية أو عدوان على المقدسات".

بعض المواد والمقابلات الصحفية والإعلامية العربية التي تنساق حالياً وراء دعاية الاحتلال، تراهن على ضعف وعي الجمهور، وتفترض أنه لا يحوز حساً نقدياً يستطيع من خلاله تمحيص المواد وفحص المزاعم. والتحدي ليس مع مادة واحدة تُنشر على هذه الصحف أو تلك المواقع، وإنما في النسق المتصاعد الذي يعتمد تكييف الوعي التدريجي حتى يُحدث شيئاً من التطبيع المعنوي مع الاحتلال، وفق شاكر.

وبيَّن المستشار الإعلامي، لـ"الخليج أونلاين"، أنه "ليس لدينا ما يمنح الانطباع بأن المواد المنشورة تحظى بشعبية لدى الجمهور السعودي والخليجي والعربي؛ بل هناك نقمة واضحة عليها، وهي تفتقر إلى المصداقية والموثوقية، خاصة أنها تتنصل قِيَمياً ومبدئياً من التزامات جوهرية بالنسبة لأي شعب عربي أو خليجي نحو المقدسات والهوية والذات بالأحرى".

كما أن "منحى الخطاب التطبيعي لا يتعلق بفلسطين فقط، ولكنه يتعلق أيضاً بافتعال حالة وعي زائف مارقة من المنطق ومتنصلة من الالتزامات التاريخية". يقول حسام شاكر، الذي أشار إلى أن "هناك أواصر وثيقة جداً لأي بلد عربي مع القدس وفلسطين، فكيف بالسعودية التي تمثل إرثاً ثقافياً ودينياً وتاريخياً لا يمكن طمسه مهما حاول بعضهم!"، موضحاً أن "هذا لا يمكن تصوُّر تقويضه بتقارير فجّة وساذجة من هنا وهناك".

- حاخام يهودي

وبالعودة إلى حوار صحيفة "سبق" السعودية مع الحاخام اليهودي، والذي نشرته الثلاثاء (27 فبراير)، يلاحظ المتابع احتفاء الصحيفة بإشادة هذا الحاخام بولي العهد السعودي وأبرزته في المقابلة، وكان لافتاً للانتباه أيضاً إبراز دعوات الحاخام نفسه للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وفي مدحه ولي العهد السعودي، قال رئيس مؤتمر الحاخامات الأوروبيين نبخاس غولدشميدت: إن "السعودية بلد يتغير إلى الأفضل من الداخل، وبن سلمان يقود بلاده نحو الازدهار، وهذا شيء إيجابي"، وأضاف: "أعتقد أنه يقود البلاد والجيل الشاب من السعوديين نحو عالم حديث معاصر بقواسم إنسانية مشتركة".

المستشار الإعلامي شاكر وصف هذه التقارير بأنها "مثال لما تنشره دعاية الاحتلال من مضامين ساذجة وسطحية تستغفل ذكاء السعوديين والسعوديات والتزاماتهم المبدئية بالحقوق والقيم والأواصر التاريخية والحضارية مع القدس وفلسطين"، مبيناً أن هذه التقارير "تتصور أن بوسعها إعادة تقديم الاحتلال على طبق مذهّب".

وأوضح شاكر أن "الكثير منها يعيد إنتاج ما نُسج في دعاية تل أبيب، حيث يتم تدوير بعض المقولات والدفع بها في تغريدات داعمة لهذا الخط، وأحياناً تُدرج لدى كتّاب أعمدة يحظون بتقدير الناطقين باسم جيش الاحتلال".

ويتابع القول: "هذا المنحى مستمر وملحوظ بشكل متزايد، ويراهن على تكييف وعي الجمهور عربياً، بأن هناك مرحلة تاريخية جديدة ومصالحة مع المحتلين، وكأن هذا الخطاب الإعلامي جزء من (صفقة القرن)، التي لن يربح منها سوى الاحتلال".

وشدد على أن "بعض المواد الإعلامية التي أخذت تظهر في صحف ومواقع خليجية، لا يمكن أن تعبر عن عراقة بلدان المنطقة والتزام شعوبها وتاريخ حكامها تجاه القضية الفلسطينية وقضايا الأمة".

ورداً على سؤال بشأن ما إن كانت الصحف السعودية تحاول تصوير مناحٍ إيجابية حول التطبيع مع الاحتلال وكأنه واقع محتوم؛ علَّق شاكر على ذلك، قائلاً: "هذه التغطيات والمواد متحيزة إلى الاحتلال، وتستبعد النقد، فهي تغطيات ترتدي نظارة وردية وتفترض أنّ الجمهور لن يباشر تشغيل عقله أو استحضار وعيه أو استدعاء ضميره".

والسؤال الآن، وفق المستشار الإعلامي: "لماذا لا يوجد نقاش في البيئة السعودية والخليجية حول هذا المنحى من الانزلاقات؟ لماذا لا توجد مناقشة أو ردود على هذه الحالة؟".

وقال شاكر: "من التزامات المهنة على حاملي الأقلام وكتّاب الأعمدة ومعلِّقي الشاشات، التعبير عن حس نقدي وروح تمحيص ومراجعة ما يُنشَر من انزلاقات؛ كي لا تسقط الصحافة في قبضة توجُّه أحادي جارف، يلوذ معه الوسط الصحفي بالتأييد أو الصمت". وأضاف: "هناك غياب لنقاش مسموع على الملأ أو عرض آراء مخالفة. فإن غابت الآراء عن المشهد الإعلامي، فماذا يبقى من الصحافة إذن؟!".

وأعرب شاكر عن ثقته بأنّ الساحة الصحفية السعودية "غير سعيدة بمثل هذه الانزلاقات التي تلطخ سمعة الصحف وتستدرجها إلى مقاربات ساذجة، منساقة نحو مربع الاحتلال وخنادقه وإن لم تشأ ذلك". وقال: "هذه الانزلاقات تسيء إلى تاريخ المنابر الصحفية والإعلامية إن لم تُفسِح المجال لنقاش حر يخالف هذا التوجه".

وتابع مستغرباً: "ما الذي ربحته جميع الشخصيات التي ظهرت حتى الآن على منابر الاحتلال؟ هم جميعاً وقعوا في حرج مع مجتمعهم العربي والسعودي، ويواجهون مأزقاً مع كتب التاريخ ونظرة الأجيال المقبلة إليهم. من المؤسف أن يستسهل بعضهم التضحية بتاريخهم والتنازل عن مبادئهم لمجرد الانزلاق إلى خندق كيان احتلال عنصري، يواجه مأزقاً مع ضمائر العالم حتى من أوساط المثقفين والفنانين اليهود"، حسب تأكيده.

المستشار الإعلامي أكد أن هذه الانزلاقات الإعلامية لا يمكن أن تعبر عن روح السعودية وضميرها، ولا يمكن اختزال المملكة وإعلامها في هذه المواقف، التي تشكل تراجعاً جسيماً عن التزاماتها. وأضاف: "المقلق أكثر أن يتلازم هذا مع تراجعات ذات صلة، مثل تبخيس حقوق الشعب الفلسطيني في بعض الخطابات والحملات التصعيدية على الهوية والتاريخ والبعدين العربي والإسلامي".

من جانبها، تعقد حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بزعامة بنيامين نتنياهو، في الآونة الأخيرة، آمالاً كبيرة وغير محدودة على علاقتها التي تتطور يومياً مع السعودية، وتدفع بكل ثقلها باتجاه أن يكون للرياض دور أساسي وتاريخي في فتح الباب أمام تطبيع علاقات دولة الاحتلال مع بقية الدول العربية من خلال أرض المملكة وبحرها وجوها.

ويُستشفُّ من "سياسة الصدمة" التي ينتهجها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأعلنها في حوار مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية؛ أن وسائل الإعلام السعودية الرسمية والتي تدور في فلكها، تسير على النهج ذاته، من خلال نشرها خطاباً إيجابياً عن الاحتلال، ما يفتح العديد من الأبواب للتساؤل عن نهاية هذه العلاقات، والاستهتار بالقضية الفلسطينية وعدم إعطائها ثقلها القديم، وفي الوقت ذاته الزج بمن ينتقد التطبيع مع الاحتلال في السجون، كما حدث مع الناشطة السعودية نهى البلوي، التي أُطلق سراحها بعد نحو ثلاثة أسابيع من الاعتقال بتلك التهمة.