خاص الموقع

الترفيه والسياحة معالم هوية جديدة للسعودية

في 2018/03/03

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

في مقال سابق في 10 تشرين الثاني/ أكتوبر 2017 تحت عنوان: "السعودية في عصر الانفتاح والتغيير ولو كره الدعاة"، دعوت إلى انتظار القرار التالي في المملكة بعد قرار السماح للسعوديات بقيادة السيارة، باعتبار أن عجلة التغيير الاجتماعي والاقتصادي بدأت ومن غير المسموح الإبقاء على العوائق أمام تقدّم هذه العجلة، وتوقّعت أن يتم السماح للحفلات الفنية العلنية والمشتركة والسماح للسعوديات بارتياد السينما والمباريات الرياضية والمشاركة فيها محلياً وفي البطولات العالمية وغير ذلك من الفصول الجديدة لهذا الانفتاح في المملكة السعودية.

مطاوع الترفيه

ومن جديد أقول: آن وقت التغيير والنهوض، ولا بد من التخلّص من عقدة الخوف والاتجاه نحو التحرّر من النظرة الغربية للسعودية والعرب، فلماذا نناصب العداء لكل نظام جديد، حتى لو كان هذا النظام يرتدي شكل العلمانية على الطريقة الغربية؟! وهذا النهوض يتجلّى اليوم بتفعيل عمل "هيئة الترفيه" بدلاً عن "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وليس غريباً أن نشهد يوماً انتشار ظاهرة "المطاوع الترفيهي" في الشوارع بدلاً عن "المطاوع الديني"، ليدعو الناس - ولو بالإكراه وبالقوة - إلى المشاركة في الفعاليات الترفيهية المختلفة، لأنه بات من الضرورة بمكان تعميم الصورة الانفتاحية الجديدة والمتحرّرة لهوية المملكة بدلاً عن الصورة القديمة المتشدّدة المتزمتة والمنغلقة، حتى لو استلزم ذلك استخدام العنف، والعنف هنا قد لا يطال عامة الناس بل حتى عليّة القوم، وفي خطوة اعتقال الدعاة والأمراء والوزراء والمتنفّذين عبرة لمن يعتبر.

عولمة الثقافة

إنها حالة انقلاب فعلية يقودها الأمير محمد بن سلمان، لا تقف عند حدود إجراءات وفعاليات إعلامية تأخذ شكل احتفالات أو مناسبات رياضية وفنية، بل هي إعادة صوغ هوية ثقافية يعمل ولي العهد على فرض نمطها في المجتمع السعودي، وهو المجتمع العربي الوحيد الذي لا يزال يتبّع النمط الراديكالي الغارق في القوالب الدينية المتزمّتة في وقت تخطو كل الأمم المحيطة باتجاه الانفتاح والعلمنة، فضلاً عن طغيان العولمة الاقتصادية مع ما يرافقها من عولمة في السلوك الفردي والجماعي، ومن الطبيعي أن تنساق البلاد في سياق هذه العولمة إذا ما أرادت الانخراط في ركب التطوّر والتقدّم في مجالاته التنموية المختلفة.

نحو محاكاة غربية

لا شك في أن الهوية المتطوّرة التي يراها ابن سلمان ستنقل السعودية من ضفة إلى أخرى معاكسة تماماً، وهذا المسعى سيصطدم بالكثير من المعوّقات، وأهمها تعذّر إمكانية تقبّل الهياكل الاجتماعية لهذا التغيير السريع، فإن البنى والاجتماعية تأسست على مدى مئات السنين على ركائز مغايرة ومعايير مختلفة، وبالتالي فإن هذا التغيير سيفرض ضرباً لنواة جوهرية تطال الهياكل والبرامج الثقافية والتربوية وحتى المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، وستتطلب محاكاة للمناهج الغربية ولا سيما في المستويات الإعدادية.

نموذج سعودي جديد

ولعل ابن سلمان ركّز في إصلاحاته الجذرية على الاستثمار في جيل الشباب، فهو ينتمي إلى هذا الجيل الذي يميّز المجتمع السعودي، وبالتالي فإن الوقت مناسب اليوم للتخلّص من التركيبة القديمة التي عفا عنها الزمن، ومن يلاحظ التفاعل الشعبي مع هذه الإصلاحات يدرك توق هذه الشريحة الشبابية لنيل حريتها بعد عقود من الكبت الإنساني والقمع الفكري، ولن تضيع سدىً المليارات الـ 36 التي ستنفقها هيئة الترفيه على مدى السنوات المقبلة حتى العام 2030، بل ستكون مقدّمة لتحضير الشباب السعودي للتأقلم مع النموذج الجديد التي يعمل ولي العهد على تشكيله في السنوات العشر المقبلة، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030، وبالتالي فإن هذا المشروع سيسير جنباً إلى جنب مع مشاريع التطوير والتمدّن القادم، وبالتالي لن تعود السعودية ذلك النموذج الذي يرتبط حصراً بالاسلام والحج والكعبة والطقوس الدينية، بل ستكون محطّاً للسياحة والترفيه والاستثمارات المالية والتجارية.

فلسطين عنصر استنزاف

لا ننكر أن المملكة تواجه مشاكل متصاعدة في الوضع الاقتصادي، وتعاني أزمات معيشية تتصاعد يوماً بعد يوم، ولا يمكن إخفاء نسبة الفقر المرتفعة التي تضرب ربع سكان السعودية، ولكن الأولويات تفرض واقعها، فإن الانفتاح يتيح للجمهور التنفيس عن نفسه، فبدل أن ينشغل الناس بملاحقة لقمة عيشهم سينشغلون باستيعاب المتغيّرات المتسارعة في المملكة، وصولاً إلى استقرار المشاريع الاقتصادية القادمة مع انفتاح السوق باتجاه المشاريع الكبرى التي من شأنها ان تجعل من السعودية مركزاً تجارياً لا يقل أهمية عن الإمارات وقطر ويضاهي سويسرا ولندن، وهذا بدوره يفرض وجود حالة استقرار في المنطقة، ويرتبط تالياً بانفتاح سياسي لا يمكن تأمينه إلا من خلال تسوية شاملة تكفل عدم وقوع أي حرب أو اهتزاز أمني، وهذا لا يكون إلا بسحب كل الملفات العالقة ولا سيما الملف الفلسطيني، الذي تحوّل وفق التقييم السعودي، إلى عنصر استنزاف لا طائل منه ولا جدوى.