ملفات » العلاقات السعودية الاسرائيلية

"إسرائيل".. "دعامة زائفة" يرغب بن سلمان في زرعها بجسد العرب

في 2018/04/14

يوسف حسني - الخليج أونلاين-

تواصل المملكة العربية السعودية سعيها المحموم لتمرير تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي أقرّ الأمير محمد بن سلمان، مؤخراً، بحقّها في الأرض والوجود، مخالفاً بذلك قناعات عربية وإسلامية بل وسعودية ترفض الاعتراف بهذه الدولة، منذ إعلانها عام 1947.

فقبل نحو أربعين عاماً، كانت السعودية ضمن ركب الدول العربية التي قاطعت مصر بسبب اعترافها بـ "إسرائيل"، وإبرام معاهدة سلام معها عام 1979. لكن المملكة في ظل حكم ولي العهد الجديد اتّخذت مساراً تاريخياً مغايراً يقوم على قيادة قاطرة التطبيع، وطيّ القضية الفلسطينية، وإسكات كل الأصوات المتمسّكة بثوابت التاريخ.

ففي أواخر سبعينيات القرن الماضي، عندما قرّر الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، الذهاب إلى "تل أبيب" بحثاً عن "السلام"، قاطع العرب -وفي القلب منهم السعودية- القاهرة، ونُقل مقرّ الجامعة العربية إلى تونس (1979-1990).

ومنذ إعلان دولة "إسرائيل" كانت السعودية واحدة من أكثر الدول العربية رفضاً للاعتراف بها، وامتنعت عن إقامة علاقات صريحة معها، غير أن مياهاً كثيرة جرت تحت جسر السياسة مؤخّراً جعلت كل الأشياء ممكنة في المملكة.

ومنذ تأسيسها قبل 90 عاماً، لم تتّخذ مملكة آل سعود مكانتها الدولية والإقليمية من كونها أكبر منتج للنفط في العالم، وإنما استقت جزءاً لا يستهان به من النفوذ من كونها زعيمة الإسلام السنّي في العالم، ومهد الإسلام، ومقرّ أقدس مقدساته، ومثوى نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وكلها أمور جعلت من معاداة "إسرائيل" عرفاً راسخاً في سياسات المملكة عبر تاريخها.

- تغيّرات دراماتيكية

لكن التغيّرات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة عموماً خلال السنوات السبع الماضية، والتي كان من بينها ما يمكن وصفه بالانقلاب على نظام تداول السلطة في السعودية؛ عبر صعود محمد بن سلمان إلى المنصب الثاني في قمّة هرم السلطة، استوجب أيضاً تغييرات لا تقلّ درامية على صعيد السياستين الداخلية والخارجية للمملكة.

محمد بن سلمان، الذي لم يكن يسمع به أحد قبل وصول والده الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم عام 2015، بات حالياً حاكم البلاد الفعليّ وراسم سياساتها ومخطّط مستقبلها، بل وقائد قاطرة "الإصلاح" فيها.

لكن التساؤلات كثرت في الآونة الأخيرة حول المستقبل الذي يريده بن سلمان لبلاده والإصلاح الذي يسعى لتطبيقه، وأي خطط يرسمها؟ وإلى أين سيصل ببلاده في نهاية في المطاف؟

لم يعد خافياً على أحد أن صعود بن سلمان "الصاروخي" ليس بعيداً عن دعم خارجي قوي يتقدّمه البيت الأبيض، الذي عمل خلال العقود الماضية على تأمين شرق أوسط خالٍ من الخطر على حليفته "إسرائيل".

وقد شهد العام الماضي تراجعاً ملحوظاً في نبرة الخطاب العروبي والإسلامي المعادي لـ "إسرائيل"، ما لبث أن تحوّل إلى خطاب مهادن بل ومنادٍ بالذوبان مع المحتلّ تحت شعارات من قبيل "السلام" و"المصالح المشتركة".

الكاتب الأمريكي مايكل وولف، كشف النقاب عن أن رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، "كان وراء صعود محمد بن سلمان إلى منصب وليّ العهد السعودي"، وأنه (ترامب) كان يقول "وضعنا رَجُلَنا في القمّة. أنا وكوشنر هندسنا انقلاباً سعودياً".

وبينما كانت قوات الاحتلال تقتل الفلسطينيين المشاركين في مسيرة العودة الكبرى، قال بن سلمان لمجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، الاثنين 2 أبريل 2018: إن "الشعب اليهودي له الحق في العيش بدولة قومية أو في جزء من موطن أجداده على الأقل، وإن كل شعب بأي مكان له الحق في العيش بسلام".

وقبل هذا الحديث وذاك فتح الأمير السعودي الباب واسعاً أمام الإعلاميين والساسة المؤيّدين له لكي يغذّوا العقلية السعودية بمواد التطبيع ويكفّروهم بقضية فلسطين، التي باتوا يعتبرونها سبباً في خسائر المملكة، وبلغ الأمر أن قامت الجيوش الإلكترونية بالمملكة بتدشين وسم على "تويتر" حمل عنوان "#الرياض_أهم_من القدس".

ويجتهد وليّ العهد السعودي لزرع "إسرائيل" في جسد العرب بوصفها الدعامة التي ستساعده على مواجهة خطر الفوضى التي خلقها الربيع العربي، الذي يرى بن سلمان أنه زاد من نفوذ تركيا وإيران بالمنطقة عبر إعلاء خطاب الطائفية.

ويسوّق بن سلمان، عبر أذرعه الإعلامية والسياسية، لنظريّة تقول إن لليهود حقوقاً تاريخية في أرض فلسطين، وإن وجودهم على هذه الأرض لا يمكن اعتباره عدواناً أو احتلالاً، وإنما إحقاق لحق أرادت الأنظمة العربية القديمة طمسه طوال عقود.

- تزييف التاريخ

الكاتب السعودي عبد الحميد حكيم نشر مقالاً عبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال فيه إن جميع الكتب السماوية (التوراة والإنجيل والقرآن الكريم) تؤكّد أن اليهود جزء أصيل وشريك في تاريخ المنطقة، وأنهم "ليسوا دخلاء كما تم تصويرهم في الثقافة العربية".

ويعزو الكاتب أسباب كراهية العرب لإسرائيل وإنكارهم حقّها التاريخي في الأرض إلى رغبة "الأنظمة الديكتاتورية"، خاصة في مصر، في إحكام قبضتها على البلاد وتبرير قمعها للشعوب؛ تحت غطاء معاداة إسرائيل وبمعاونة الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين.

ويؤكّد الكاتب أن "القدر أرسل وليّ العهد السعودي في لحظة فاصلة لكي يعيد تصحيح المفاهيم الخاطئة منذ عقود، وليفتح أبواب السلام ويغلق أبواب الفوضى التي خلقتها تركيا وإيران في ظلّ ما عُرف بالربيع العربي"، بحسب تعبيره.

ويخلص الكاتب إلى أنه "رغم الواقع التعيس الذي تعيشه المنطقة إلا أن عدالة الأقدار تفتح نافذة أمل للخروج من هذا النفق المظلم تتجسّد في تصدّر المشهد السياسي السعودي أمير شابّ ينتهج سياسات جديدة مغايرة تماماً للنمط التقليدي؛ إنه وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان".

ويضيف: "إن نافذة الأمل والفرصة التاريخية تتمثّل في كون السعودية قبلة المسلمين الدينية؛ فهي تحظى بقدسيّة في مجتمعات المنطقة خاصةً والعالم الإسلامي عامةً، فلذلك لها القدرة على تحقيق شرعنة السلام مع إسرائيل بشقيه الشعبي والسياسي".

ويرى الكاتب أن من يمتلك شجاعة اتخاذ القرارات الجريئة داخلياً ومواجهة تحدّيات ثقافة الممانعة من قبل الحرس القديم في إدارة المجتمع السعودي، سيكون قادراً بالتأكيد على اتخاذ قرار السلام مع إسرائيل، مستمدّاً شرعيّته من الإسلام الوسطي المعتدل ومن أقدس البقع الدينية في المنطقة والعالم الإسلامي".

وهذا الأسبوع، قالت صحف سويسرية أبرزها "برنر تسايتونغ": إن "بن سلمان قرّر توديع خطابات العروبة والأخوّة التي كان يتغنّى بها الزعماء العرب لإرضاء الشارع، إلى الأبد".

الدعوات العلنيّة سبقها، في أكتوبر 2017، قول مسؤول إسرائيلي لوكالة الصحافة الفرنسية إن وليّ العهد السعودي زار إسرائيل سراً، في شهر سبتمبر الماضي.

كما أن وزير الاتصالات الإسرائيلي وعضو الكنيست عن "حزب الليكود"، أيوب قرا، قال لوكالة الصحافة الفرنسية: إن دولاً عربية وخليجية "تشترك مع إسرائيل في الخشية من إيران"، ورأى أن أغلب دول الخليج مهيّأة لعلاقات دبلوماسية مكشوفة؛ لأنها تشعر بأنها مهدّدة من إيران لا من "إسرائيل".

- غياب الرادع

الفارق بين ما يحدث اليوم وبين ما حدث قبل 40 عاماً، هو أن الرياض وهي في طريقها نحو التطبيع لا تجد من الجيران من يوقفها أو يهدّدها بالمقاطعة على غرار ما حدث مع مصر. بل إن من يدورون في فلك المملكة كالبحرين، أو تدور السعودية في فلكهم كالإمارات، يحثّون الخُطا وتكاد أنفاسهم تنقطع سعياً إلى اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن أن "إسرائيل" باتت جارة وليست عدواً ولا محتلاً.

وحتى إن وجد بن سلمان من يتصدّى لطموحه في بلوغ القمّة على حساب التاريخ فإن أحداً لا يمكنه في الوقت الراهن كبح جماح هذه الأحلام، خاصة أن الدول الكبيرة وذات التأثير؛ كمصر والأردن والعراق وسوريا، إما غارقة في التطبيع أو في مشكلاتها السياسية والأمنية، بما لا يجعلها قادرة على خوض هذه المعركة.

وخلال زيارته الأخيرة لواشنطن، التقى وليّ العهد السعودي بالملياردير الأمريكي-الإسرائيلي، حاييم سابان، الذي يعتبر من أكبر داعمي اقتصاد "إسرائيل" ومموّلي جيشها.

وقالت صحيفة "كالاكليست" الاقتصادية الإسرائيلية، في تقرير لها، إن اللقاء الذي شمل وجبة عشاء واستمرّ 4 ساعات تمحور حول العلاقات السعودية–الإسرائيلية، حيث أوضح الأمير السعودي أن الوقت قد حان لفصل جديد في العلاقات بين البلدين، مؤكّداً أنه يمكن حدوث تغيير في النهج بمجرد حدوث "تقدّم كبير في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية"، لكنه لم يحدد ما يقصده.

وقد أعلن بن سلمان مشروعه العملاق المعروف باسم "نيوم"، وهو المشروع الذي ستشارك فيه مصر والأردن، وقد أكّد مسؤولون إسرائيليون أنهم سيشاركون بجزء كبير من التكنولوجيا التي يحتاجها المشروع.

وقبل ذلك، فإن استحواذ الرياض على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين على البحر الأحمر، في إطار اتفاقية لترسيم الحدود مع مصر، تمهّد لضمّ المملكة إلى معاهدة "كامب ديفيد"؛ إذ تقع الجزيرتان ضمن الحدود المشمولة بالاتفاقية.

ومع ذلك فإن تأجيل إعلان بن سلمان بشكل رسمي يبدو مرهوناً بصفقة القرن التي يسعى الرئيس الأمريكي من خلالها لتصفية قضية فلسطين، كما يقول الفلسطينيون أنفسهم.

لكن المقاومة الكبيرة التي أظهرها الفلسطينيون مؤخّراً على حدود غزة، والتي أربكت حسابات الاحتلال، تبدو حائط الصدّ الحقيقي أمام محاولات تركيب هذه الدعامة الوهمية لـ "إسرائيل" في الجسد العربي.

وقد عبّرت صحيفة نيويورك تايمز عن هذا الأمر، مؤخراً؛ بقولها إن ما يفعله سكان قطاع غزة "أثبت للجميع أن قضية فلسطين حيّة لم تمت، وأن أمريكا وحلفاءها، وفي مقدمتهم السعودية، قد يخسرون الكثير بسبب مواقفهم الداعمة لإسرائيل".