اقتصاد » تطوير بنى

السعودية.. قطار الاقتصاد السريع يصطدم بـ"منتدى جدة"

في 2018/04/16

الخليج اونلاين-

في ظل الحديث عن "سعودية جديدة" يسوّقها الإعلام المدعوم حكومياً حول نفوذ المملكة وتحوّلها لبلد ينافس الدول الاقتصادية والتنموية العظمى، أخفقت إدارة ولي العهد، محمد بن سلمان، في الإعداد المسبق لمؤتمر اقتصادي دولي بالبلاد، قبل أن تلجأ لإلغائه.

يأتي ذلك وسط ما يروج له الإعلام الداخلي من خطط لرؤية المملكة 2030، يرافقه فشل في تحقيق مشاريع اقتصادية وتنموية مرت أكثر من 10 سنوات منذ وضع حجر الأساس لها، وكان من المفترض أن ينتهي العمل منها قبل 4 أو 5 أعوام على الأقل، كما يشير موقع "مشاريع السعودية" الإلكتروني.

- "منتدى".. لكن في الإعلام!

الموقع الإلكتروني لـ"منتدى جدة الاقتصادي"، كشف بوضوح حجم الإهمال الحكومي وضعف تخطيط الجهات المعنية بإدارة وترتيب المنتدى الدولي، الذي كان مقرراً يومي 15 - 16 أبريل 2018.

ويحظى بأهمية واسعة لدى السلطات السعودية، لكن وقبل أيام على انعقاده، لم يكن عدد المشاركين قد تجاوز 4 أشخاص فقط، وسط تذمر كبير من المنظمين، الذين صدموا لاحقاً بإلغاء الموعد ودمج المنتدى مع فعاليات أخرى.

وتقول صحيفة "عكاظ" السعودية، في موضوع نشرته قبل 21 يوماً على انعقاد المنتدى، الذي كان مقرراً أن ينطلق الأحد (15 أبريل) تحت عنوان: "من الرؤية إلى الازدهار: دور القطاع الخاص"، إنه لم يعلن عن تفاصيل الرعاة أو المشاركين المحليين والدوليين، ومحاوره الرئيسية المختصة بتنفيذ الاستراتيجية لأربعة محاور رئيسية من رؤية المملكة 2030، وهي: التنمية الصناعية الوطنية والخدمات اللوجستية، وصندوق الاستثمار العام والسياحة، وإثراء تجربة الحج والعمرة، وتحسين نوعية الحياة.

وتشير الصحيفة السعودية إلى أن منتدى جدة الاقتصادي يُعد أكبر مؤتمر اقتصادي سنوي تنظمه غرفة تجارة وصناعة جدة، إذ انطلق للمرة الأولى عام 2000، واعتبرته الرياض في حينها حدثاً اقتصادياً عالمياً يهم الاقتصاديين حول العالم، إلا أنه واجه خلال الأعوام الماضية تحديات وعقبات استدعت تأجيله أكثر من مرة.

- الهروب من الخيبة

قبل أسبوع من موعد انعقاده، ووسط غياب تام للتحضيرات بشأنه، نشرت الصحف السعودية خبر موافقة أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل، على دمج جميع المنتديات الاقتصادية، ومن بينها منتدى جدة، لتكون تحت مظلة "منتدى منطقة مكة المكرمة الاقتصادي"، تحت شعار "من الرؤية إلى الواقع .. استثمر في مكة".

وبهذا الخبر ألغي منتدى جدة واقعياً، وأُجِّل إلى يومي 6-7 مايو، بسبب ما قالت الصحف المحلية إنه "توصيات رفعتها اللجنة المشكلة من إمارة مكة والغرف التجارية بالعاصمة المقدسة وجدة والطائف".

ويبدو أنه عندما يتأخر إنجاز أي مشروع أو فعالية، تلجأ الرياض إلى أيسر الخيارات؛ وهي إما التأجيل أو سحب الرخص من المسؤولين، مثلما سحبت وزارة الإسكان أكثر من ألف وحدة سكنية من المقاولين وشركات الإنشاء نهاية العام الماضي، على خلفية تدنّي حجم الإنجاز، رغم صرف مبالغ خيالية على مشروعات كان من المفترض أنها أنجزت منذ سنوات ويتنعّم المواطن السعودي من خلالها بمنزله الخاص، بحسب ما نقلت صحيفة "عكاظ" عن المتحدث باسم وزارة الإسكان، سيف السويلم، يوم 13 نوفمبر 2017.

- مشاريع معطلة

لم يعد خافياً على أحد تأخُّر أو تعثر المشاريع التي أعلن عنها خلال الـ20 عاماً الماضية، من بينها مشاريع تنموية مهمة، إذ يستغل المديرون والمشرفون عليها بنود أنظمة ترسية المشاريع، والمناقصات، والمشتريات الحكومية القديمة البالية، ويسندون مهام الإشراف عمداً لـ"غير القادرين"، بحسب ما يتهمهم خبراء اقتصاديون.

كما يسمح هؤلاء بتمرير المقاولين غير الأكفاء، وفتح المجال أمام الممارسات "المنحرفة" التي يبرع بها هؤلاء، بحسب ما تذكر صحيفة "سبق" السعودية في مقال نشر يوم 10 فبراير 2014.

وفي ظل البيروقراطية الحكومية التي توصف بـ"الطاردة للاستثمارات"، تواجه العديد من المشاريع في المملكة مشاكل كثيرة، وتأخراً بافتتاح المشاريع، أو الحيلولة دون تنفيذها وافتتاحها في موعدها المحدد، حسبما يذكر سلمان البيز، مدير مشروع "المركز المالي".

ورغم أن المملكة قد بنت آمالاً عريضة على المركز المالي أو المدينة الاقتصادية التي بدأ إنشاؤها منتصف عام 2006، تشير خطة المشروع إلى وجوب إصدار تأشيرة دخول البلاد من قبل الشركات المسجلة في المركز، والحصول على تراخيص من السلطات عبر مكاتب مخصصة داخل المركز، دون الحاجة لمواجهة التعقيدات لدى الجهات الحكومية، التي تسببت بعدم تسليم المشروع المقرر في نهاية 2017.

في ديسمبر 2014، قدرت هيئة الرقابة الإدارية عدد المشاريع المعتمدة حكومياً ولم تنفذ في موعدها بما يتجاوز 3 آلاف مشروع، أهمها مشاريع الإسكان التي رُصدت لها نحو 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار) عام 2012، ولم ترَ النور، وكذلك مشاريع بناء أكثر من 12 نادياً رياضياً، ومشاريع الصرف الصحي، وتطوير الطرق المتعثر في مدينة جدة ومكة المكرمة والرياض، فضلاً عن مشاريع المدن الصناعية.

- تعقيدات وتحديات

تبرز هذه التعقيدات والإجراءات والإهمال الحكومي ما تؤكده تقارير اقتصادية دولية؛ من أن المملكة تعيد النظر باستمرار أو تلغي الكثير من المشاريع التي لا تزال قيد البناء والإنشاء ولم تُنفَّذ؛ بسبب سوء الإدارة وكذلك الأزمة المالية التي تعاني منها جراء انهيار أسعار النفط منذ العام 2014، رغم إعلان ولي العهد، مشاريع عملاقة ضمن رؤية 2030 التنموية.

وتحاول المملكة، منذ إعلان رؤية 2030، الخروج من شبح الأزمة المالية التي تعيشها؛ من خلال إطلاق مشاريع لتنويع اقتصادها بدل الاعتماد على النفط. إلا أن إعلان الحكومة مراجعة أهداف رؤية المملكة أحبط الكثير من الشركات والمستثمرين، بدواعي أن الخطة "غير واقعية"، بحسب مستشارين في الحكومة السعودية تحدثوا لـ"فايننشال تايمز" في سبتمبر الماضي.

وعززت هذه المخاوف والتحديات إلغاء المشاريع المفترض إنجازها قبل سنوات، منها المركز المالي في الرياض، ومبادرة الغاز السعودية، وأخرى وضعت في الأجندة لكنها ذهبت أدراج الرياح، وهو ما يضع خطط التنمية السعودية؛ منها "نيوم" و"البحر الأحمر"، وخصخصة المؤسسات الحكومية، على شفا الهاوية.

ومع الإعلان المتواصل للمشاريع الطموحة والعملاقة في المملكة، تكمن مشكلة تعثر المشاريع الحكومية في عجز القطاع الخاص عن مواكبة الكم الهائل من المشاريع المعتمدة، كما أن الإنفاق العام يفوق قدرة وتحمل الاقتصاد المحلي بشكل كبير، كما يفوق قدرة قطاعات الإنشاءات على التعامل مع مشروعات التنمية، فضلاً عن عوامل فنية أخرى.

وفي نوفمبر عام 2016، أوقف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في السعودية، برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، التعاقد على تنفيذ مشاريع تصل قيمتها إلى تريليون ريال (266.6 مليار دولار)، لأن حجم الإنفاق عليها "لا يتناسب مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها"، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس).

وحول أسباب تعثر المشاريع في المملكة، وجدت دراسة أعدها معهد الإدارة العامة مع وزارة البلديات والشؤون القروية السعودية، ونشرت نتائجها عام 2014، أن 30% من المشاريع فقط تتمتع بقدر كافٍ من المشرفين، في حين تعاني 50% من المشاريع من تدني مستوى كفاءة المقاول أو مدير المشروع.

وقد بلغ حجم التراكمات السلبية على المشاريع أثناء التنفيذ 77%، كما أظهرت الدراسة عدم التزام المقاولين في تنفيذ المشاريع بنسبة 40%.

- تضييق على الأيدي العاملة

وفي ظل ظروف تقف حائلاً دون تنفيذ معظم المشاريع في موعدها، تواجه شركات المقاولات الكبيرة في المملكة مشكلة حقيقية في توفير أيادٍ عاملة لإنهاء تلك المشاريع في وقتها المحدد، في حين شددت الحكومة إجراءات منح التأشيرات للعمالة الأجنبية وطردت الآلاف من وظائفهم، وفرضت ضرائب مرتفعة عليهم، في وقت لا يفضل فيه السعوديون العمل في مجال البناء أو القطاع الخاص.

وتقول صحيفة "سبق" المحلية: إن "تعثر المشاريع الحكومية أصبح ظاهرةً تنموية في المملكة، وتحوّل لإشكالية تعصف بخططنا الاستراتيجية، ولا ترتقي إلى مستوى التطلعات والآمال، مما يتطلب مناقشتها بشفافية وموضوعية على أعلى المستويات الإدارية في الجهات المعنية".

ومع حالة التسويف والإهمال الحكومي، وهذا الكم الهائل من المشروعات، يبقى التساؤل الملح هو: هل يمكن أن تحقق إدارة ولي العهد محمد بن سلمان أدنى أهداف رؤية 2030، في ظل الاستنزاف المالي والعسكري على حرب اليمن، وتصاعد حجم البطالة مع تفاقم المشاكل الجانبية؛ الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية.