دعوة » فتاوى

الدعوة في السعودية.. ترويج تجاري و"دعاية سوداء"

في 2018/04/23

الخليج أونلاين-

بعد أن كانت منبراً للدعوة وبث الفتاوى، تحوّلت صفحات بعض الأئمة والدعاة في السعودية إلى وسيلة للترويج للسلع والمنتجات تارة، والسير في ركب الملك وولاة الأمر تارات أخرى، في ظل موجة انفتاح غير مسبوقة تشهدها المملكة "المحافِظة".

وعلى مدار سنوات من حشد الجمهور والمعجبين على مواقع التواصل الاجتماعي، استغل هؤلاء منابرهم لعرض سلع ولأغراض تجارية، مدبرين عن إبداء آرائهم في الأحداث التي تشهدها المنطقة، حتى وصل الحال بأحدهم إلى "طلاق السياسة".

هؤلاء الدعاة ضربوا عرض الحائط بانتقادات متابعيهم بعد أن استغلّوا شهرتهم التي اكتسبوها مِن عِلمهم ودعوتهم للإسلام وتعاليمه، التي تبدّلت لاحقاً على ما يبدو لمصلحة أغراض أخرى.

فالكلباني والعريفي والقرني وغيرهم بدأت تُظهر تعليقاتهم وتغريداتهم على"تويتر" التودد والتقرب إلى ولي العهد وسياسة "الانفتاح" داخلياً وخارجياً أو عدم نقدها بأي شكل من الأشكال.

كما أنهم باتوا مؤيدين، في كثير من الأحيان، ما كانوا ينكرونه قبل وصول محمد بن سلمان لهرم القيادة بالبلاد في يوليو 2017، من أمور شرعية وسياسية واجتماعية في عموم العالم الإسلامي.

كما أن شريحة لا بأس بها من الأئمة في السعودية استغلوا مسيرتهم الدعوية أيضاً للترويج لقرارات وتغيرات تشهدها المملكة للمرة الأولى في تاريخها، فضلاً عن تبدّل المواقف الشرعية في بعض القضايا.

- منتجات العريفي

أما الشيخ الداعية الشهير محمد العريفي، فقد ظهر بثوب مغاير لذلك الذي اشتهر به وسط متابعيه ومعجبيه؛ إذ تحوّلت صفحته من منصة للفتاوى إلى وسيلة إعلان وترويج للمنتجات.

وفضلاً عن ذلك، ابتعد العريفي عن إبداء آرائه المتعلقة بالسياسة، عدا تلك التي تسير في ركب "إصلاحات وانفتاح بن سلمان"، وهو ما رآه البعض "تودداً وتقرباً من ولي العهد".

ومؤخراً، انتقد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي توجُّه الداعية السعودي نحو محتوىً إلكتروني بعيد عن الدعوة، على غرار صديقه الشيخ عائض القرني.

وجاء ذلك بعد تعليق العريفي، في تغريدة له على حسابه الرسمي بـ"تويتر"، على تعيين سامي الجابر رئيساً لنادي الهلال بأمر من رئيس اللجنة الأولمبية السعودية المثير للجدل تركي آل الشيخ، والمقرب من ولي العهد محمد بن سلمان.

وتسببت تغريدة العريفي في هجوم عنيف ضده من قِبل النشطاء، الذين استنكروا موقف دعاة المملكة منذ وصول بن سلمان إلى منصب ولاية العهد في يوليو الماضي.

وفور تعيين بن سلمان، سابق العريفي زملاءه الدعاة على "تويتر"، قائلاً: "أبايع #محمد_بن_سلمان_ولياً_للعهد، أسأل الله أن ينفع بسموه ويوفقه ويسدده ويجعله مباركاً أينما كان، ويسبغ علينا نعمته ظاهرةً وباطنةً".

وإلى جانب حشد الآراء تجاه أوامر ملكية وخوفاً من الاعتقال، ذهب العريفي أيضاً إلى استخدام صفحته ومنصات التواصل الخاصة به كوسيلة إعلان عن بضائع وسلع، كما أنه شارك في إعلانات مدفوعة للبخور والعطور.

- قيادة المرأة و"البلوت"

الشيخ الداعية السعودي عادل الكلباني كان من أول المنادين بقيادة المرأة السعودية للسيارة، قبل أشهر قليلة من إعلان المملكة رسمياً السماح بذلك، وهو ما اعتُبر مخالفةً للفتاوى التقليدية في المملكة والتي تحرم هذا الأمر.

وبتصريحه هذا، خالف الشيخ الكلباني معظم مشايخ السعودية الذين أفتوا بتحريم قيادة المرأة للسيارة، والذين تبدّلت أيضاً آراء بعضهم تماشياً مع قرارات المملكة بهذا الخصوص، في حين سكت البعض الآخر.

فتوى الكلباني جاءت مغذية لطموح كثيرات من السعوديات اللاتي يسعين إلى كسر قيد منعهن من قيادة السيارات، وكذلك رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يأخذ البلاد إلى انفتاح وحريات أكبر.

وكما رأيه في قيادة المرأة للسيارة، كان للكلباني رأي آخر مثير للجدل في مسألة لعبة "البلوت" (الورق أو الكوتشينة)؛ إذ تناقلت وسائل إعلام، مؤخراً، صوراً تُظهر حضوره افتتاح أول بطولة رسمية للعبة، متحدثاً عن إباحتها و"التنافس الشريف فيها".

الكلباني نشر أيضاً صورة له على حسابه الرسمي بـ"تويتر"، في أثناء زيارته للبطولة. وقال في مقطع فيديو تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، إنه ليس خبيراً في لعبة البلوت والألعاب الأخرى الجديدة، ولا يعرف سوى لعبة قديمة تدعى "الشيبة".

وضمن تبريره اللعبة التي أثارت جدلاً واسعاً في السعودية، قال إن الأساليب الشرعية والمخارج الفقهية تخرج كثيراً من المسابقات والألعاب عن اسم القمار والميسر.

كما خصص مقالاً كاملاً في صحيفة "الرياض" للحديث عن اللعبة، جاء فيه أنه ليس كل ما يُجمع فيه مالٌ قماراً وميسراً، وأن فقهاء المسلمين بحاجة إلى تكثيف جهودهم، والتفنن بلغة العصر في الدفاع عن دينهم وإظهار محاسنه لغيرهم.

و"البلوت"، برأي الكلباني، لعبة عصرية من ورق وعليها رسومات وأحرف ورموز لا يتعلق بها كلام لذاتها، "ولم تُصنع من شيء محرّم؛ بل هي ورق مباح صنعه"، لافتاً إلى أن "في بعضها تصاوير ورسومات لم يُقصد بها مضاهاة ولا تعظيم".

وتتساوق آراء الشيخ والداعية السعودي مع سياسة الانفتاح التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي تعصف بكل الأمور الراسخة التي ظلت المملكة قائمة عليها عقوداً طويلة.

ولم يكن الكلباني بعيداً عن القرارات الحكومية التي مسّت الوضع الاقتصادي مطلع 2018؛ إذ سعى في تغريدة له لخفض حدّة سخط المواطنين، معتبراً أن "مقدار فقْد النعم يتناسب طرداً مع الابتعاد عن المنعم".

لكن تبرير الكلباني واجه رفضاً من قِبل العديد من السعوديين؛ إذ اعتبر بعضهم أن ما جاء به الداعية ليس بمحله، في حين رأى البعض الآخر أنه يسعى للترويج لقرارات ولي العهد السعودي.

- القرني طليق السياسة

وبعد سنين طويلة كان فيها يُطلِق من خلال وسائل الإعلام وعلى منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" تصريحات سياسية، ويجمع بين الدعوة والإرشاد والسياسة، أعلن الداعية السعودي الشيخ عائض القرني أنه "لا جمع بين الدين والسياسة".

الشيخ القرني أعلن، مطلع العام الجاري (2018)، "توبته من السياسة"، على حدّ تعبيره، مشيراً إلى أنه أدرك بعد سنين طويلة أن مهمته "تبليغ الدين" فقط، فضلاً عن أنه "طلّق السياسة طلاقاً ثلاثاً لا رجعة فيه".

وردّ في هذا الشأن على منتقديه بعدم خوضه في الشأن العام وتحويل حسابه في "تويتر" إلى مجرّد أذكار وأدعية، بالقول: "لست محللاً سياسياً وقد تبت من السياسة، والحمد لله أدركت بعد خبرة سنين طويلة في الدعوة أن مهمتي تبليغ الدين".

وجاء اعتزاله السياسة في وقت شهدت المملكة أوسع عملية اعتقال تزامنت مع وصول بن سلمان، وطالت عدداً من كبار مشايخ الدين والدعاة البارزين؛ منهم الشيخ سلمان العودة وعوض القرني وغيرهما.

وخوفاً من "اتهامات له بالعمل على زعزعة استقرار السعودية"، ومصير يُلقيه في السجون ويغيّبه، فقد ذهب الشيخ عائض باتجاه السكوت تماشياً مع رغبة ولي الأمر، بحسب ما يصفه مغرّدون.