اقتصاد » تطوير بنى

كيف نجا اقتصاد "عروس الخليج" من أزمة النفط؟

في 2018/05/03

وكالات-

نجحت الكويت منذ تأسيسها في بناء اقتصاد قوي ظهرت صلابته عندما تمكن من تجاوز تبعات أزمة انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014 وحتى الآن، فحافظ على استقرار مؤشراته وحقق نمواً فشلت اقتصادات خليجية عملاقة في الوصول إليه.

ويكمن السر وراء قدرة الكويت على مغادرة عنق الزجاجة في احتياطاتها المالية الضخمة، وسياستها الاقتصادية المنفتحة، وتمكنها من التحول باقتصادها الذي كان يعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط ليصبح أكثر تنوعاً بعد التطور السريع الذي حققته، خلال السنوات الثلاث الماضية، في استحداث المشاريع غير النفطية وتنميتها.

- اقتصاد قوي

وفي أحدث تقرير له حول اقتصاد الكويت، توقع البنك الدولي أن ينمو الناتج المحلي الحقيقي للبلاد إلى 1.9% في العام 2018، وأن يواصل الارتفاع في العامين المقبلين (2019 و2020)، ليبلغ 3.5%.

والنسبة الأخيرة ستكون الأعلى بين بقية دول مجلس التعاون الخليجي، فالإمارات ستحقق نمواً خلال العامين القادمين بنسبة 3.3%، وقطر بمعدل 3%، وتليها سلطنة عمان بـ2.5%، ثم السعودية بـ2.1%، وأخيراً البحرين بنسبة 1.6%.

وعلى ذات إيقاع تقرير البنك الدولي، أكد تقرير لصندوق النقد الدولي، صدر في نهاية يناير 2018، أن الكويت واجهت حالة الانخفاض المطول في أسعار النفط وهي في "مركز قوة"، بفضل الاحتياطات المالية الكبيرة والدين المنخفض وسلامة أوضاع القطاع المالي للبلاد، إضافة إلى تطور القطاع غير النفطي.

وذكر تقرير الصندوق أن معدل التضخم في الكويت واصل انخفاضه ليصل في نهاية 2017 إلى 1.75%، وهو المعدل الأدنى منذ عدة سنوات، بسبب انخفاض إيجارات المساكن والتطورات المواتية في أسعار المواد الغذائية. وأشار إلى تحسن وضع المالية العامة الأساسي للحكومة على خلفية ضبط الإنفاق العام.

وقال تقرير صندوق النقد إن القطاع المصرفي احتفظ بقوته رغم الأزمة؛ ففي 2017 سجلت المصارف مستويات مرتفعة من رأس المال، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال 18.3%، كما بلغ العائد على الأصول 1.1%.

وأضاف أن المصارف الكويتية سجلت مستويات منخفضة من القروض المتعثرة بلغت نسبتها 2.4%، ومستوى مرتفعاً من المخصصات لمواجهة خسائر القروض بنسبة تغطية تجاوزت 200%، إضافة إلى أنها حافظت على مستوى قوي من احتياطيات السيولة.

وضمن سلسلة التقارير التي ترصد واقع اقتصاد الكويت، توقع تقرير دولي آخر صادر عن شركة "بيزنس مونيتور إنترناشونال" (BMI)، إحدى الشركات التابعة لمجموعة "فيتش" الأمريكية للتصنيف الائتماني، ارتفاع نمو الاقتصاد الكويتي بنسبة قد تتجاوز 4% في 2018، بدعم من رفع الإنفاق الاستثماري الحكومي، وارتفاع أسعار النفط.

وتوقع التقرير أن يحقق الميزان التجاري فائضاً بمعدل 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي، خلال السنوات العشر المقبلة، بعد العجز الذي حققه لأول مرة في عام 2016 بانخفاض سلبي بمعدل 4.6% من جراء هبوط أسعار النفط.

وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية هي الأخرى توقعت في تقرير حديث لها استطلعت خلاله آراء اقتصاديين، أن تتسارع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي للكويت في 2018، لتصل نسبته لـ2.3%، قبل أن يقفز في 2019 بنسبة نمو تصل إلى 2.9%، وهي توقعات قريبة لما أورده تقرير البنك الدولي حول آفاق اقتصاد الكويت.

وتستند كل تلك التوقعات إلى مؤشرات اقتصادية قوية تحظى بها الكويت، فالموازنة العامة للدولة تواصل تقليص عجزها السنوي بمستويات قياسية متجهة بقوة نحو تحقيق فائض مالي مع حلول العام 2020.

وانخفض العجز في موازنة السنة المالية الماضية (السنة المالية بالكويت تبدأ من مارس)، بنسبة 18.4% مقارنة بالسنة 2016-2017.

وبلغ عجز السنة المالية 2017-2018 7.9 مليارات دينار (26.3 مليار دولار)، في حين وصل العجز بالسنة السابقة لها إلى 9.7 مليارات دينار.

وواصل عجز الموازنة الانخفاض في العام المالي الحالي (2019/2018) ليبلغ نحو 6.5 مليارات دينار (21.62 مليار دولار)، بما نسبته 17% من الناتج المحلي للبلاد نزولاً من 22% في العام المالي السابق.

وبحسب تقرير صادر عن وزارة المالية الكويتية، في نوفمبر الماضي، فإن عجز الموازنة العامة يتجه نحو الانخفاض التدريجي بسبب ضبط الدولة المصروفات وتقليص الإعانات.

وتوقع التقرير أن تحقق الموازنة فائضاً مالياً بحلول العام 2020، مؤكداً أن اقتصاد الكويت أصبح مرناً تجاه تطورات أسعار النفط مقارنة ببعض دول الخليج، مشيراً إلى أن نقاط قوة الاقتصاد الكويتي تكمن في وضعه المتكيف مع هذه الأسعار في ظل انخفاض الدين وضخامة المصدات المالية (الاحتياطي).

وبحسب بيانات البنك المركزي الكويتي الصادرة في الـ23 من شهر أبريل الحالي، فإن احتياطي النقد الأجنبي سجل أعلى مستوى له في أربع سنوات خلال مارس الماضي، ليصل إلى نحو 11 مليار دينار (37 مليار دولار).

ويكفي الاحتياطي النقدي لسداد احتياجات الكويت من الواردات السلعية لمدة 13 شهراً، وهو ما يتخطى 4 أضعاف المتوسط العالمي الذي يصل إلى 3 أشهر.

وفي نهاية 2017، بلغ الاحتياطي النقدي الكويتي 9.507 مليارات دينار (نحو 31.47 مليار دولار)، مرتفعاً من 8.889 مليارات دينار (29.4 مليار دولار) في 2016.

وإضافة إلى انخفاض عجز الموازنة وارتفاع الأصول المالية، فإن الكويت حلت ثالثة بين كبرى دول المنطقة من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي، بحسب مجلة "ميد" المتخصصة بمراقبة اقتصادات منطقة الشرق الأوسط، في يناير الماضي.

وذكرت إحصائيات المجلة (مقرها في دبي) أن نصيب الفرد السنوي من الناتج المحلي بالكويت يبلغ 30 ألف دولار، وهي بذلك تحتل المرتبة الثالثة خلف الإمارات التي يبلغ نصيب الفرد فيها نحو 38 ألف دولار، في حين تأتي قطر بالمرتبة الأولى حيث يقدر نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي بنحو 60 ألف دولار.

وأشارت "ميد" إلى تخطي الناتج المحلى الاسمي للكويت في 2017 حاجز الـ100 مليار دولار، لتحل بها في المرتبة الثامنة بالمنطقة.

وجاءت الكويت في مرتبة متأخرة بالمنطقة من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلى الذي وصلت فيه إلى المرتبة الـ13 بالمنطقة، حيث لا يتخطى نسبة الدين العام للبلاد إلى الناتج المحلى حاجز الـ30%.

ويبلغ إجمالي الدين العام الكويتي نحو 8 مليارات دينار (نحو 26 مليار دولار)؛ منها قرابة 5 مليارات دينار (16.6 مليار دولار) إصدارات محلية، ونحو 2.5 مليار دينار (8.32 مليارات دولار) إصدارات في الأسواق الدولية.

وضمن المؤشرات التي تؤكد تفوق الاقتصاد الكويتي، تراجع نسبة البطالة في البلاد إلى 2.2% خلال العام الماضي.

وتسعى الكويت منذ بداية السنة الحالية إلى الوصول بنسبة البطالة إلى صفر في صفوف مواطنيها، ولتحقيق ذلك بدأت بتنفيذ خطوات لتوطين العمالة في المؤسسات والقطاعات الحكومية، بنسبة تصل إلى 100%.

- الاقتصاد غير النفطي

ولا يمكن تجاهل دور الاقتصاد غير النفطي في استقرار اقتصاد الكويت، فالأنشطة غير النفطية للبلاد نمت بنسبة 3% في العام 2017، ويتوقع لها أن تنمو بوتيرة أكثر تسارعاً لتصل إلى 3.5-4% خلال العام الحالي والسنة المقبلة، وفق بنك الكويت الوطني.

كما توقع صندوق النقد الدولي في تقرير أصدره في منتصف شهر نوفمبر الماضي، أن ينمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية في الكويت على المدى المتوسط ليسجل نحو 4% في العام 2018.

وعلى الصعيد الرسمي، فإن الموازنة الحكومية للسنة المالية الحالية (2018-2019)، تتوقع ارتفاع الإيرادات غير النفطية للبلاد بنسبة 6.2%، لتصل إلى 1.7 مليار دينار (قرابة الـ5.65 مليارات دولار).

يذكر أنه في السنة المالية (2016-2017)، تجاوزت إيرادات الاستثمارات الكويتية غير النفطية العائدات النفطية للدولة لأول مرة في تاريخ الكويت.

ووفق بيانات وزارة المالية الكويتية، فإن إيرادات الاستثمارات بلغت نحو 14.5 مليار دينار (47.8 مليار دولار) بنهاية السنة المالية (2016 /2017) مقارنة بـ13.2 مليار دينار (43.5 مليار دولار) بنهاية العام السابق عليه، بارتفاع بلغت نسبته 9.8%، في حين بلغت الإيرادات النفطية نحو 11.7 مليار دينار (38.6 مليار دولار).

- الاستثمارات الأجنبية

الاستثمارات الأجنبية تشكل أيضاً داعماً رئيسياً لاقتصاد الكويت، وقد أدخلت حكومة البلاد تحسينات مهمة على بيئة الأعمال والأنشطة التجارية منذ بداية العام الماضي.

وتخطط هيئة تشجيع الاستثمار المباشر الحكومية الكويتية، بحسب تقرير أصدرته في نهاية العام 2017، لجذب استثمارات أجنبية بنحو 25 مليار دولار للسوق المحلية، خلال الأعوام 2018 و2019 و2020.

وخلال السنوات الثلاث الماضية (2015-2016-2017)، نجحت الكويت باستقطاب أكثر من 7 مليارات دولار استثمارات مباشرة، 50% منها كانت لمصلحة شركات صينية، وفق بيانات وزارة التجارة والصناعة.

وخلال العام المالي الماضي، تلقت هيئة تشجيع الاستثمار بالكويت نحو 14 طلباً من شركات أجنبية عالمية للترخيص الاستثماري ومنح المزايا، بإجمالي 1.6 مليار دولار.

يشار إلى أن الشركات الأجنبية العاملة في الكويت حققت العام الماضي، أرباحاً بلغت 3 مليارات دولار، لتستحوذ على 32% من إجمالي أرباح القطاع الخاص المحصَّلة خلال العام، والبالغة 9.4 مليارات دولار.

وتدفع الشركات الأجنبية 15% من أرباحها كضرائب دخل وهي نسبة ثابتة، وفقاً للقانون الكويتي، في حين تدفع الشركات الكويتية ثلاثة أنواع من الضرائب والرسوم تمثل مجتمعة 4.5% من إجمالي أرباحها.

ولعل أهم عامل جذب للاستثمارات الأجنبية في الكويت هو ضرائبها المنخفضة؛ فهي تحل بالترتيب الثالث بين أرخص الدول عالمياً في تحصيل ضرائب من الشركات الأجنبية، بنسبة 15%، حيث تحل في المركزين الأول والثاني كل من قطر وبلغاريا، بنسب ضرائب تتراوح حول 10%، بحسب تقرير لمجلة "بيزنس انسايدر" الأمريكية.