ثقافة » مناهج

مثقفون: جامعاتنا.. فكر تقليدي ودور تنويري مفقود

في 2018/05/09

عكاظ السعودية-

كان التعليم ولا يزال هو الطريق الأول للتنوير، وما عرف بعصر الأنوار في أوروبا كان قائماً على العلم والمعرفة، وربما عرف العالم الجامعات منذ 1000 عام تقريباً، وكانت جامعات العواصم والمدن نواة التنوير للمجتمع وسارت به قروناً نحو خدمة الحياة والأحياء بالفكر والاختراعات العلمية المختلفة وتحريره من التقليدية والعادية والوصاية الكهنوتية، إلا إن عدداً من المثقفين والأكاديميين رأوا أن الجامعات السعودية لم تقم بالدور التنويري المأمول منها، بل إنها حاربت التنويريين في فترات سابقة وكرست التخلف والأفكار المتشددة.

ويرى المفكر إبراهيم البليهي أن البداية لتحديث أي مجتمع تكون بأفكار ريادية خارقة مغايرة لما هو سائد، وإذا اقتنع بها قادة الفعل واستجابوا استجابة إيجابية كافية تغيرت طريقة التفكير واتجاه حركة المجتمع وتبدلت مسارات النشاط وتحددت الرؤية لما يجب فعله وإنجازه، مشيراً إلى أن تحديث المجتمعات وتنميتها يقتضي تبديل اتجاه السير وتغيير طريقة التفكير وإعادة ترتيب منظومة القيم وتغيير محاور الاهتمام، إذ لا يمكن أن ينمو أي مجتمع بنفس الأفكار والتصورات والاهتمامات السابقة للتحديث. ويرى البليهي أن جامعاتنا ليست بريئة من تسببها في تكريس وترسيخ التخلف، كونها تنمي وتعزز القناعات التقليدية القائمة.

فيما يذهب أستاذ علم الإنسان الدكتور سعيد فالح الغامدي إلى أن تجربته الممتدة لخمسة عقود مع جامعة الملك عبدالعزيز كشفت له أن البناء الأكاديمي والمعرفي للجامعة اخترقته الأسلمة المتشددة وحاصرت أي شمعة تنوير، بل أسهمت في إطفاء النور ونبذ التنويريين، مستعيداً تجربة دعوة كلية العلوم الاجتماعية أحد كبار أساتذة جامعة الإسكندرية ليلقي محاضرة، وبعد وصوله للمملكة بدأت الممانعة واتهام الرجل في عقيدته وأنه يحمل أفكاراً صادمة وقناعات إلحادية، مؤكداً أنه لولا تدخل بعض المسؤولين على استحياء لما تمت المحاضرة، وأبدى فالح أسفه أن مكتبات الجامعات ترفض الكتب التنويرية والفلسفية، وتعمل على فرز ما يتوافق مع اتجاهات تقليدية وتقبله وما لا ينسجم تمنع وصوله لرفوفها ولطلابها، مشيراً إلى أنه طيلة العقود الماضية اقتصر دور النشاط الثقافي في عمادات شؤون الطلاب على دعوة الوعاظ والخطباء للحديث عن عذاب القبر وما ينتظر الناس من ويلات في الدار الآخرة، نافياً أن يكون للجامعات وجامعته تحديداً أي دور تنويري كون القائمين عليها غالباً يحاربون التنوير والتنويريين.

ويذهب القاص عمرو العامري إلى أننا لن نكون منصفين لو طالبنا الجامعات بدور تنويري وهي جزء من مجتمع شاء له قدره في لحظة مفصلية أن يكون خارج التنوير ولأسباب ليس مكانها هنا. وأضاف العامري: عندما كان المجتمع متنوراً ومتسامحاً وينمو طبيعياً كان للجامعات دورها التنويري كجزء من كل، طبعاً والأمور هنا نسبية وتختلف من جامعة إلى أخرى. ونتذكر أنه كان لجامعة الملك عبدالعزيز مثلا دور مؤثر في إطلاق التيارات الأدبية والفكرية أو ما أطلق عليه تيار الحداثة، لكن ذلك كان عبر شخوص وليس مؤسسات كأطروحات الدكتور عبدالله الغذامي من خلال كتابه الشهير الخطيئة والتكفير ومن خلال أسماء كالدكتور علي البطل، محمد الكردي، منذر العياشي، علي حرب وآخرين، وقد خرج هذا الحراك من أسوار الجامعة نحو المجتمع، وأفرز تياراً حداثياً أدبياً ما لبث أن انعكس على واقع الحياة والفكر ومن خلال زلزلة ومس مفاهيم تقليدية.

وحمّل العامري الصحوة مسؤولية نكسة الحداثة وما تلاها من تجاذبات وتسنم الجامعات أسماء عطلت هذا الحراك وسعت به نحو معارك هامشية وبعيدة عن الفضاء المعرفي، مستعيداً دور جامعة الملك سعود (الرياض) على مستوى المسرح. ويرى العامري أنه ما زالت جامعاتنا وحتى الآن وبعد تطلعات وطموحات سمو ولي العهد ورؤية 2030 في النسق التقليدي المحافظ ذاته، وربما لأن الأسماء ذاتها ما زالت هي الفاعلة في تلك الجامعات. ومازال المسرح معطلاً والرؤية الفنية لا تتجاوز الأوبريتات الغنائية وحركتي النشر والترجمة وحتى المؤتمرات في إطارها التقليدي المحافظ. مؤكداً أن جامعاتنا بحاجة لإعادة هيكلة.

ويؤكد الأكاديمي الدكتور سعد الثقفي أن الجامعات كانت - والأصل أنها لم تزل - منارة ومراكزَ للتنوير والحضارة ابتداء من جامعة قرطبة، وليس انتهاء بهذه الجامعات التي تراها هنا وهناك، إلا أنّ الجامعة في العالم الثالث فقدتْ هذه الأهمية ؛ فلم تعدْ مركز إشعاع حضاري ولا تنويري شأنها شأن أية مؤسسة علمية تنتهي مهمتها في إعطاء الشهادات للدارسين بعد تدريسهم. وعزا تخليها عن دورها لسببين، أحدهما: سيطرة كوادر جامعية في رئاسة الجامعة وعمدائها لا يعترفون أصلاً بدور الجامعة التنويري، فهم إمّا من المحسوبين على الطبقة الدينية المتزمتة أو من أولئك الذين يتحسسون من رسالة الجامعة التنويرية، ما أحالهم إلى أعداء للثقافة والفن والإبداع والفكر، وأدى إلى ضمور هذه الخاصية في الجامعة، وخشية الطلاب والطالبات من الاقتراب منها خوفاً من فكر هؤلاء، والآخر وجود فريق ليس متطرفاً، لكنه لا يعي دور الجامعة التنويري، ولا يعترف هو الآخر بغير الدرس التعليمي المحض، فتحولت الجامعة بسبب سيطرة هذين النقيضين إلى مركز تعليمي لا يختلف عن أي مركزٍّ تعليميٍّ آخر، ويأسف الثقفي أن تبتعد الجامعة عن دورها الحقيقي في المجتمع، وتتحول إلى ما يشبه المحميات الخاصة لبعض الكانتونات التي تفكر بطريقتها وصبغت الجامعة بمنهجها، ويرى أنّ تطوير التعليم وعودة الحياة في الأمة، يبدأ من الجامعة وإعادتها لدورها الحقيقي في قيادة المجتمعات نحو التغيير.