ملفات » نيوم السعودية

مدينة الملك «عبدالله» تقطنها الأشباح.. و«نيوم» تخشى مصيرها

في 2018/05/29

فايننشال تايمز- ترجمة فتحي التريكي-

بفضل شواطئها العريقة ومروجها المشذبة وصفوف الفيلات المبنية حديثا، تحمل مدينة الملك «عبدالله» الاقتصادية جميع السمات المميزة للمملكة العربية السعودية الحديثة التي تصورها ولي العهد «محمد بن سلمان».

داخل المدينة، تمشي النساء بحرية بدون العباءات الطويلة فيما تحتوي على ملعب للغولف على شاطيء البحر الأحمر، وقد فتحت شركات عالمية من بينها شركة «فايزر» و«مارس» مصانع في المدينة.

ومع ذلك فإن الوضع الحالي للمدينة يمثل طلقة تحذيرية للتحديات التي يواجهها ولي العهد الشاب في الوقت الذي يتابع فيه برنامجًا طموحًا للغاية لإصلاح المملكة المحافظة، بما في ذلك خططه الخاصة لبناء مدينة جديدة تدعى «نيوم» بتكلفة 500 مليار دولار.

تم إطلاق مدينة الملك «عبدالله» الاقتصادية قبل عقد من الزمان كجزء من مشروع بقيمة 30 مليار دولار لبناء 6 مدن لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط وجذب الاستثمارات الأجنبية وخلق 1.3 مليون وظيفة وإضافة 150 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي.

لكن مدينة واحدة فقط من الستة نجحت في الخروج إلى أرض الواقع، وهي مدينة الملك «عبدالله»، التي يبلغ عدد سكانها 7000 نسمة اليوم مقابل هدفها الذي يبلغ 2 مليون نسمة بحلول عام 2035.

وعلى الرغم من تقديمها المزيد من الحريات الاجتماعية أكثر من المدن السعودية الأخرى، فإن مدينة الملك «عبدالله»، التي تبعد 145 كيلومترا إلى الشمال من جدة، تشعر بالهدوء والخوف بشكل غريب.

وكان القصد منها أن تكون مركزا للخدمات اللوجستية والتصنيع، لكن صراعها لجذب المستثمرين والمقيمين أبرز معركة دائمة تواجهها المملكة في جلب رؤوس الأموال الأجنبية إلى ما وراء قطاع الطاقة.

وقال مستشار حكومي سابق: «إذا كانت مدينة الملك عبدالله الاقتصادية قابلة للحياة، فإن المدينة كانت لتزدهر منذ فترة طويلة»، وأضاف: «التسويق كان مذهلاً ولكن المفهوم الكامن وراءه كان معيبا، لم تكن القاعدة الاقتصادية موجودة أبدا».

درس لـ«نيوم»

ويسلط مصير المدينة الضوء على المهمة الصعبة التي تنتظر الأمير «محمد» في سعيه لتحقيق رؤية 2030 التي تهدف إلى الحد من الدور المهيمن للدولة وخلق 450 ألف وظيفة في القطاع الخاص بحلول عام 2020، وخفض البطالة من حوالي 12% إلى 9% خلال نفس الفترة الزمنية.

وتعد «نيوم» أحد المشروعات الرئيسية لخطة ولي العهد، وكشف النقاب عن خطة المدينة في مؤتمر استثماري كبير في أكتوبر/تشرين الأول الماضي جذب بعض كبار المصرفيين والمديريين التنفيذيين في العالم.

و«نيوم» أكثر طموحًا بكثير من المدن الاقتصادية الست التي تم إطلاقها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث ستغطي مساحة 26000 متر مربع وتركز على جذب الاستثمارات في التقنيات الجديدة، بما في ذلك الطاقة المتجددة والروبوتات، وهدفها النهائي هو المساهمة بمبلغ 100 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

ومن المقرر أن يشرف ولي العهد بشكل شخصي على المشروع الذي سيتم تمويله من قبل الحكومة وصندوق الاستثمار العام؛ وهو صندوق الثروة السيادية الذي تبلغ قيمته 230 مليار دولار، إضافة إلى استثمارات القطاع الخاص.

وقد تمت تجربة خطط التنويع المماثلة عدة مرات من قبل لكنها تعثرت، ويصر المسؤولون السعوديون أنهم تعلموا من دروس الماضي.

لكن الشركات السعودية تكره المخاطرة في الوقت الذي تكافح فيه ضد الاقتصاد الراكد وتدابير التقشف الحكومية.

كما أظهرت المجموعات الأجنبية ترددًا في الاستثمار خارج قطاع الطاقة، وعندما شرع الأمير «محمد» في جولة تستغرق أسبوعين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة هذا العام، أعلنت الرياض عن صفقة واحدة كبيرة، وهي مشروع مشترك للطاقة الشمسية مع «سوفت بنك» اليابانية.

يقول «ستيفن هيرتوغ»، الخبير في الاقتصاد السياسي الخليجي في كلية لندن للاقتصاد، إنه من غير الواقعي توقع قيام القطاع الخاص ببناء بنية تحتية أساسية والحفاظ عليها.

مدينة أشباح

ويقول المسؤولون إن حوالي 30 شركة محلية وأجنبية تعمل في المنطقة الصناعية بمدينة الملك «عبدالله» مع خطط لانتقال عدد مماثل من الشركات إلى هناك قريبا.

ويضيف «فهد الرشيد»، الرئيس التنفيذي لشركة «إعمار» المطور الرئيسي في المدينة: «تسعى رؤية 2030 للانتقال لعصر ما بعد النفط، وفي مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، نحب أن نفكر في أنفسنا كنموذج لاقتصاد ما بعد النفط».

ويقول السكان القلائل إنهم يستمتعون بالأجواء الهادئة والمريحة في المدينة.

يقول أحدهم: «أنا سعيد أن زوجتي يمكنها الخروج هنا دون العباءة، أستطيع أن أفتح الباب وأسمح لأولادي بالذهاب إلى المتنزه دون أن قلق من تعرضهم لخطر أو حادث سيارة».

لكن شعورا بالهدوء القاتل يخيم على أجواء المدينة، تقول «إيلين والد»، مؤلفة كتاب عن المملكة، إن هناك دروسًا واضحة لـ«نيوم»: «ابحثوا عن المقيمين قبل الشروع في البناء وكونوا مستعدين للتحول إذا لزم الأمر».

وقالت: «الركود الاقتصادي العالمي واستراتيجيات الأعمال المتغيرة يمكن أن يعوقا الخطط الكبرى على الدوام».