علاقات » عربي

يهود على مسارح الخليج .. والعرب يصفّقون

في 2018/05/31

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

مسيرة التطبيع الخليجي – الإسرائيلي تسير على قدم وساق. هذا ليس عنواناً بل واقعاً راهناً تظهره المعطيات والخطوات المتسارعة على الأرض، وما كان مستوراً منذ سنوات بات اليوم حقيقة معلنة في وسائل الإعلام وعلى ألسنة المسؤولين في كلا الطرفين، فلم يعد بعض العرب يخجلون من الجهر بما كانوا يضمرونه ويعملونه في السر، وهذا نتاج فائض الجرأة الذي بات العرب يمتازون به بفعل سياسة الهيمنة الأميركية المباشرة في عهد إدارة دونالد ترامب.

رحلات جوية منظّمة، مشاركة في مباريات رياضية، زيارات متبادلة لوفود عربية وإسرائيلية تحت عنوان رحلة التسامح، مناورات جوية مشتركة، محادثات سياسية ولقاءات دبلوماسية، مكاتب تمثيل تجارية واقتصادية، مصافحات علنية، عقد مؤتمرات تحت عنوان التلاقي والسلام، تبادل المديح على مواقع التواصل الاجتماعي، رسائل ود ومجاملة مع الأصدقاء الكبار من شيمون بيريز إلى بنيامين نتنياهو، وتعهدات بالتعايش بين أبناء العمومة العرب واليهود، ومواساة خليجية وتعازي لموت جنود إسرائيليين في مواجهات مع مخربين فلسطينيين.. كل ذلك لا يندرج في إطار التفاصيل بل هي عناوين عريضة بحد ذاتها تمهّد لمرحلة ما بعد فلسطين.

لعل افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة تمثّل قاعدة الهرم الذي أتاح الفرصة للدول الخليجية وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة إماطة اللثام عن الهوية الجديدة – القديمة لمكوّنات العلاقة العربية – الإسرائيلية، فلم تعد "إسرائيل" مصدر خطر على الدول العربية، بل تحوّلت الترسانة الحربية الإسرائيلية تشكّل مصدر أمن لدول الخليج في ظل التطلّعات المقبلة حول تشكيل المنطقة بأنظمتها السياسية ومشاريعها الاقتصادية، وما كان مرفوضاً بالأمس، حول إعلان التطبيع مع إسرائيل، بات اليوم مطلباً ملحّاً، ولكن تنقصه بعض الترتيبات التي تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية بما تتضمنه من تذويب للشعب الفلسطيني في أماكن وجوده في الداخل والشتات.

ولعل الخطوة السبق التي خطتها البحرين في تجاوز كل الموانع باتجاه التطبيع الخليجي مع إسرائيل كانت بمثابة الكشاف الذي يستطلع الطريق، بعدما سبقها في ذلك كل من مصر والأردن، لتعلن بعدها تدريجاً كل من الإمارات والسعودية التحاقها بهذا الركب، وبعدما تبين أن الطريق شبه سالكة لم يعد هناك مانع من سلوك هذا الدرب، ولن يكون هناك مشكلة في استيعاب المناوشات اليتيمة التي يقوم بها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أو بعض نواحي الضفة، خصوصاً في ظل شرذمة القيادة وغياب القرار الفلسطيني الموحّد، ولن يستطيع أحد تمييز صوت المعاناة الذي يعلو من الجرحى والأسرى وعوائل الشهداء الفلسطينيين، في ظل صخب الاحتفالات التي باتت تعجّ بها المسارح وأماكن الترفيه في الامارات والممالك الخليجية.

سنوات طويلة من الصراع الذي تحوّل إلى نزاع ثم أصبح عمليات تخريب من مجموعات فلسطينية متفرقة، ماذا جرّت على العرب وفلسطين؟! كفى حروباً ومعارك لا طائل منها سوى العناد، هذه هي القناعة التي استقرت عليها الأنظمة، ولكن ما بال الشعوب؟! أين ستصبح الهوية العربية في ظل العصر الأمريكي – الإسرائيلي الجديد؟! وهل ما زلنا نحتاج إلى هوية عربية في عصر التكنولوجيا والعولمة الغربية؟! وهل ستبقى القدس عاصمة العرب والمسلمين أم ستتحول إلى مركز تراثي يضم آثار الديانات السماوية من المسجد الإسلامي والكنيسة المسيحية والهيكل اليهودي؟! ولم لا تندرج الكعبة المشرّفة والمدينة المنوّرة ضمن هذا التصنيف السياحي؟! فتستقطب السواح من جميع أنحاء العالم، ومن يشاء أن يؤدي طقوسه الدينية فليقمها في منزله.

كان المخطط تفتيت العالم العربي والإسلامي خدمة للمصالح الأمريكية وتالياً الإسرائيلية، ووصل إلى مراحله التنفيذية الأخيرة، ويبدو أن السعودية، التي من المفترض أن تكون على رأس قيادة العالم العربي والإسلامي كما كانت مصر في زمن غابر، باتت تسير في هذا ركب التطبيع، وهذا ليس اتهاماً بل هو موقف صريح جاء على ألسنة مسؤوليها كما على ألسنة مسؤولي دول الخليج على مختلف مواقعهم القيادية، وبالتالي علينا أن ننتظر فصول المرحلة القريبة المقبلة والتي لا بد أنها ستشهد تمظهر الكثير من المواقف المضمرة باتجاه الإعلان الصريح عن حقيقة ما كان يجري في الكواليس، ومن غير المستبعد، لا بل الأقوى، أن تشهد المسارح العربية حفلات يلعب فيها اليهود دور البطولة، ويصفق لها جمهور العرب.