السلطة » انقلابات

ما حقيقة إفشال مخطّط انقلاب إماراتي جديد في تونس؟

في 2018/06/13

شمس الدين النقاز - الخليج أونلاين-

أثار ما نشره موقع "موند أفريك" الفرنسي بخصوص تخطيط وزير الداخلية التونسي المُقال، لطفي براهم، للانقلاب على المسار الديمقراطي في بلاده بدعم وتخطيط إماراتي، وهو ما عجّل بإقالته، الجدل مجدّداً حول نشاط الإمارات المشبوه ودعمها للثورات المضادّة في بلدان الربيع العربي.

وذكر الموقع الفرنسي نقلاً عن مصادر دبلوماسية غربية أن وزير الداخلية التونسي المقال التقى سراً مدير المخابرات الإماراتية بجزيرة جربة التونسية، عقب عودة الأخير من لقاء تمهيدي لقمّة باريس بشأن ليبيا، التي نظّمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم 29 مايو الماضي.

وزعم الموقع أن المسؤولَيْن التونسي والإماراتي اتّفقا خلال اللقاء على خريطة طريق كان يُفترض أن تُدخل تغييرات جذرية على رأس السلطة في تونس؛ منها إقالة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، وتعيين وزير دفاع بن علي السابق، كمال مرجان، رئيساً للحكومة، وعزل الرئيس الباجي قائد السبسي لاعتبارات مرضيّة، في سيناريو مشابه لمآل الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، الذي عزله زين العابدين بن علي، وكان حينها جنرالاً في الجيش.

ولم يصدر عن الجهات التونسية الرسمية أي تعليق على هذه المعلومات إلى الآن.

وفي الـ 6 من يونيو الجاري، أقال رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، لطفي براهم، بعد ثلاثة أيام من غرق مركب مهاجرين قبالة سواحل تونس، في حادث قُتل فيه ما لا يقلّ عن 84 شخصاً وفُقِد عشرات آخرون.

- التونسيون منقسمون

وتصدّر المقال الذي كتبه الصحفي الفرنسي نيكولا بو محور اهتمام التونسيين على شبكات التواصل الاجتماعي، وقام عشرات الآلاف بإعادة مشاركة المقال بنسخته الفرنسية وترجمته إلى العربية من مواقع عديدة، منقسمين إلى معسكرين؛ واحد مصدّق لما كتبه "بو" وآخر مشكّك.

وفي سياق تعليقه على هذا التقرير الإعلامي قال النائب البرلماني عن حزب حراك "تونس الإرادة"، عماد الدايمي، إن الاتهامات الجديدة لدولة الإمارات بالتآمر على التجربة الديمقراطية التونسية لم تفاجئنا، خاصة أنها سبقتها تصريحات عدوانية من أكثر من مسؤول إماراتي في مناسبات عديدة.

وأضاف في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "هذا العداء الإماراتي لتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس خلق ميلاً شعبيّاً عامّاً لتصديق كلّ ما يُقال عن هذا الغرض".

لكن ورغم هذا العداء والتآمر الواضح فإن السياسي التونسي شكّك في مصداقية ما نشره موقع "موند أفريك"؛ لأن السيناريو الذي طُرِح فيه كثير من التهويل، خاصة حول إمكانيّة أداء لطفي براهم دوراً سياسياً متقدّماً وتخطيطه لانقلاب مسبوق بخطوات معلنة؛ مثل زيارته للمملكة العربية السعودية ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز، نهاية شهر فبراير الماضي، رغم استبعاده ألا يكون للرجل ارتباطات بأجهزة أجنبية.

ورأى الدايمي، الذي شغل سابقاً منصب مدير الديوان الرئاسي للرئيس منصف المرزوقي، أن هناك أطرافاً تونسية محلّية تقف خلف نشر هذا السيناريو الذي وصفه بـ"الهوليوودي"؛ لكونه يصبّ في مصلحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بهدف صنع شرعيّة ديمقراطية للشاهد في إطار إعداده لانتخابات 2019، وإظهار أنه سور منيع ضد الانقلابات.

- تونس محصّنة من الانقلابات

وأكّد النائب بالبرلمان التونسي أن المؤسّستين الأمنية والعسكرية في بلاده محصّنتان من النزعات الانقلابية، رغم وجود أعداء متربّصين بالتجربة الديمقراطية التونسية، الناجية الوحيدة في بلدان الربيع العربي، مشدّداً على أن هؤلاء المتربّصين ما زالوا يلعبون بأوراق أخرى لزعزعة أمن البلاد.

وليست هذه المرّة الأولى التي تكشف فيها تقارير إعلامية وشخصيّات سياسية من أعلى مستوى عن إحباط مخطّطات انقلابية تقودها دولة الإمارات في تونس؛ حيث سبق للرئيس منصف المرزوقي أن وصفها بـ"عدوّ للثورات العربية، وتموّل الانقلابات".

وفي وقت سابق كشفت مصادر مطّلعة لـ"الخليج أونلاين" أنّ الإمارات ضخّت أموالاً طائلة لشراء ذمم عدد من الإعلاميين والسياسيين المعروفين لتلميع صورة أبوظبي ومهاجمة خصومها، كما أبرمت شركة "طيران الإمارات" عدداً من العقود الإشهارية مع وسائل إعلام تونسية معروفة في شكل "رشوة" لمهاجمة دولة قطر وسياساتها في المنطقة، والتركيز على أن "قطر تدعم الإرهاب".

- ديمقراطية تونس مقلقة

بدوره قال الإعلامي التونسي خليل كلاعي معلّقاً على ما نشرته "موند أفريك": إن "الاختلاف بشأن دقة التفاصيل التي ذكرها الصحفي الفرنسي في مقاله الأخير لا يجب أن يحجب حقيقة أن ديمقراطيّة وليدة هي نتاج لحرّية غضّة، التي هي بدورها عصارة نضالات 60 عاماً منذ الاستقلال في دولة صغيرة تبعد عن أبوظبي آلاف الكيلومترات لا تزال تقضّ مضاجع الحاكمين هناك".

وأضاف كلاعي في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "لو حدث ما حدث في تونس في دولة أخرى خارج الفضاء العربي والإسلامي لما أقلق ذلك حكّام الإمارات، أما أن يفلت عرب ومسلمون مثلهم من عقال الاستبداد فيتحرّرون وينجحون ويقطفون ثمار الحريّة وبناتها من كرامة وعدل وشفافية ورخاء، فتدغدغ نفس تلك التطلّعات أفئدة عرب ومسلمين آخرين ليطالبوا بدورهم بنصيب من الحرية والكرامة والعدل فيسائلون الأمراء والشيوخ فيمَ أنفقوا وينفقون أموال الإمارات ومقدّراتها الهائلة؛ فإن ذلك أكثر ما يخشاه من كاد ويكيد لتونس ولليبيا ولمصر ولسوريا ولليمن".

وفي سياق متّصل شكّك وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الأسبق في تونس، سليم بن حميدان، في مصداقيّة تقرير الصحفي الفرنسي نيكولا بو على موقع "موند أفريك"، مشيراً إلى أن المحاولة الانقلابية الحقيقية ليست تلك التي خطّط لها براهم "المنفوخ في صورته"، ولكن ما يخطّط له الشاهد في أفق 2019 (..)".

وأضاف السياسي والمحامي التونسي قائلاً: "لا تنسوا أن نيكولا بو هو صاحب نظرية الإرهاب القطري الخطير على المصالح الفرنسية، وصانع إشاعة المئة ألف إرهابي الذين تحشدهم حركة النهضة للاستفراد بالحكم، وأحد أبرز عرّابي المقيم الفرنسي الجديد فلا تصدّقوا روايته!".

المكلّف بالشؤون السياسية في حزب نداء تونس، برهان بسيس، هو الآخر سخر من مقال نيكولا بو ومدح الوزير المقال براهم في نفس الوقت، حيث قال في تدوينة طويلة نشرها عبر حسابه في فيسبوك: "فقط ملفه في مكافحة الإرهاب يشهد له (أنه لم يقصر) في حق تونس، وأنه خدمها وخدم نظامها الجمهوري بإخلاص".

وتابع: "أعرف فقط أنه بلغ سنّ التقاعد الأمني، بحيث يمكن له اليوم أن يكون كامل الحقوق المدنيّة والسياسية، أقول له: سي (سيد) لطفي، إن أردت مرحباً بك في نداء تونس".