السلطة » صراعات قبلية

انشقاق كشف المستور.. كيف هيمنت أبوظبي على الإمارات الست؟

في 2018/07/20

نيويورك تايمز-

أماط انشقاق الشيخ الإماراتي راشد بن حمد الشرقي، النجل الثاني لحاكم إمارة الفجيرة، والذي وصل للعاصمة القطرية الدوحة طالباً اللجوء، اللثام عن أسرار الحكم في الإمارات وهيمنة إمارة أبوظبي على القرار السياسي في البلاد الأمر، والذي أدى إلى استياء كبير  لدى حكام الدولة الآخرين.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كانت نشرت السبت (14 يوليو) حواراً مع الشيخ راشد سلط الضوء على خلافات بين الإمارات السبع، متهماً إمارة أبوظبي بالتفرد بقرار المشاركة في حرب اليمن، والابتزاز وغسل الأموال.

الشيخ راشد، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، قال "إن حكام أبو ظبي لم يتشاوروا مع حكام الإمارات الآخرين قبل إرغام جنودهم على المشاركة في حرب اليمن منذ ثلاث سنوات"، كاشفاً عن تذمر بقية الإمارات من تصرفات أبوظبي وسياستها.

وأضاف أن إمارة الفجيرة، إحدى أصغر الإمارات السبع وأقلها نفوذاً، تحملت الوزر الأكبر في عدد القتلى الإماراتيين باليمن، الذين قال إن عددهم الكلي أعلى ممَّا تعلنه أبوظبي.

وأشارت الصحيفة إلى أن الشيخ راشد الشرقي وصل للعاصمة القطرية الدوحة يوم 16 مايو الماضي "بشكل غير متوقع طالباً اللجوء".

ويمكن القول أن حادث الانشقاق هذا هو الأول من نوعه في تاريخ دولة الامارات العربية المتحدة التي تأسست قبل 47 عاماً، حيث لم يحدث من قبل أن أقدم واحد من الأسر المالكة السبعة على الإنشقاق أو انتقاد الحكام الآخرين في أبوظبي بصورة علنية. 

-سطوة أبوظبي

تُعتبر أبوظبي عاصمة دولة الإمارات أكبر مناطق الدولة من حيث المساحة وعدد السكان، وتعادل مساحتها حوالي 87% من إجمالي مساحة الدولة البالغة 67 ألف كم وتقع في الجزء الجنوبي.

يتمتع اقتصادها بنمو هائل ما جعلها أكبر من اقتصادات الإمارات الـ6 الأخرى مجتمعة، كما تمتلك خامس أكبر احتياط من النفط في العالم والذي يشكل حوالي 10% من الاحتياط العالمي.

نقطة قوة أخرى تتميز بها أبوظبي، وتتمثل في صناديقها الاستثمارية، حيث يعد "صندوق هيئة أبوظبي للاستثمار المباشر" واحداً من أهم الصناديق المالية في العالم.

ويحتل الصندوق المراتب الأولى بأصوله التي تتجاوز 628 مليار دولار، متفوقاً على الصندوق الفرنسي والصندوق الألماني، وهما من أضخم صناديق الاستثمار في الدول الأوروبية. 

هذه الميزات جعلت حكام أبوظبي هم المتحكمون بالقرار السياسي والمتفردين بقيادة نظام الحكم رغم أنه فيدرالي، كما نصت وثيقة إعلان الاتحاد عام 1971 التي صاغها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم الإمارة الغنية، على أن يكون الحكم تداولياً بين الإمارات السبع كل 6 سنوات، فضلاً عن أن المجلس الأعلى للاتحاد هو أرفع سلطة دستورية وهيئة تشريعية وتنفيذية، وهو الذي يرسم السياسات العامة ويقرّ التشريعات الاتحادية.

لكن ومع إستفادة الإمارات الصغيرة كالفجيرة وأم القوين ورأس الخيمة من مساعدات أبوظبي المالية، تنازلوا عن حقهم فيما يتعلق بتداول السلطة وباتت اليوم محصورة بينها وبين دبي إذا نجد أن الرئاسة لأبوظبي وتذهب رئاسة الحكومة لدبي.

فإمارة الفجيرة التي انشق منها الشيخ راشد الشرقي مساحتها فقط 1,166 كم، كما تفتقر لأي موارد طبيعية كالنفط الغاز، ما جعل أبنائها يتجهون للانضمام إلى الجيش والشرطة سعياً للحصول على مزايا كبيرة قياساً بقطعات أخرى.

وخير مثال على نفوذ أبوظبي وسلطتها كان إنقاذ إمارة دبي الفقيرة هي الأخرى من الموارد الطبيعية من أزمة الديون التي عاشتها خلال الأزمة المالية العالمية في الفترة ما بين 2007 و 2010، حيث اشترت وفق تقرير  مؤسسة "سي.ام.ايه داتافيجن" نشر في العام 2009 كافة ديون الإمارة البالغة 80 مليار دولار، ما جعلها وفق التقرير تشارك دبي مواردها والتي كافئتها أيضاً بإطلاق اسم الشيخ خليفة بن زايد حاكم أبوظبي الحالي على "برج دبي" الأطول في العالم كنوع من الوفاء والشكر.

-خلاف داخل البيت الواحد

ورغم الصورة المتماسكة التي تحاول أسرة آل نهيان أن تظهر بها كمتوحدة ومترابطة، تشير تقارير عدة إلى غير ذلك، خاصة مع اختفاء الشيخ خليفة بن زايد وظهور أخيه الأصغر محمد بن زايد في الصورة كحاكم فعلي للبلاد.

تقرير موقع "موند أفريك" الفرنسي ذكر في العام 2015 نقلاً عن مصادر مطلعة أن الشيخ خليفة يعاني من متاعب صحية بسبب جلطة دماغية تعرض لها في العام 2014، بسبب المشاحنات والتوتر الذي بلغ أشده حينها بينه وبين أخويه من الأب ولي العهد محمد بن زايد وشقيقه عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية.

وكشف التقرير في ذلك الحين أن المسألة التي سببت الخلاف الشديد بين أبناء زايد المؤسس ورفعت مستوى التوتر إلى أقصاه، هي الموقف من ثورات الربيع العربي التي بدأت في سنة 2011، حيث اعتبر  خليفة أن وصول الإسلاميين إلى الحكم لا يمثل أي مشكلة.

لكن أخاه الأصغر  محمد رفض قبول هذا الواقع بشدة لأنه اعتبر صعود الإسلام السياسي في المنطقة يمثل تهديداً كبيراً للأنظمة الملكية الخليجية، الأمر الذي أدى لإبعاد خليفة شيئاً فشيئاً بذريعة مشاكله الصحية وبات محمد هو صاحب السطوة في البلاد.

وواصل محمد بن زايد استحواذه على السلطة من خلال استغلاله لقوة عائلة أمه، الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي، وما لها من نفوذ على قبائل الإمارة وامتداد عشائري كبير داخل الإمارات، كما يشير التقرير، ما جعل الجميع يقبل بالأمر الواقع.

ومنذ ظهورها قبل 47 عاماً، عُرفت الإمارات بالحياد تجاه قضايا المنطقة، والاكتفاء بالدور الإنساني بعيداً عن المواقف السياسية القوية، وهو الأمر الذي التزم به الشيخ خليفة طيلة سنوات حكمه الفعلية بين 2004 و 2014، قبل أن تنقلب الأمور بعد اختفائه تدريجياً.

وباتت الإمارات في ظل شقيقه محمد متورّطة في كل المناطق المضطربة تقريباً بالشرق الأوسط، كاليمن وليبيا والعراق وسوريا، فضلاً عن تدبيرها حصار قطر  الذي هز وحدة وأمن الخليج العربي وتأثيرها على القرار السياسي المصري.