ملفات » القبض على الدعاة

هل تدشن السعودية عهد إعدام الدعاة ومعتقلي الرأي؟

في 2018/09/05


هناء الكحلوت - الخليج أونلاين

لم يكن من المتوقع أن يصل التصعيد ضد الدعاة السعوديين المعتقلين في السجون السعودية لمطالبات بالإعدام بحق أحدهم، عقب الانتهاكات الصارخة التي ارتُكبت ضدهم منذ اعتقالهم في العام الماضي.

وتتواصل مطالبات النيابة العامة السعودية بإعدام المعتقلين السعوديين في البلاد، بتهم "الإرهاب والتحريض"، وسط محاكمات غير عادلة ولا تخضع للقوانين المتعارف عليها دولياً.

آخر هذه المحاكمات كانت للداعية السعودي سلمان العودة، حيث عُقدت له محاكمة "سرية"، يوم الثلاثاء 5 سبتمبر 2018، طالبت فيها النيابة العامة القضاء بـ"قتله تعزيراً"، بعد توجيه 37 تهمة إليه، وفق ما نشرته صحيفة "عكاظ" السعودية.

مطالبات النيابة السعودية هي الثانية ضد معتقلين سعوديين، اعتُقلوا في ظل ولاية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ضمن حملة واسعة على "الإرهاب"، حسب تعبير السلطات السعودية. 

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" وجماعات حقوقية أخرى كشفت، في أغسطس الماضي، أن النيابة العامة السعودية طلبت الحكم بإعدام خمسة نشطاء في مجال حقوق الإنسان، اعتقلتهم السلطات مؤخراً.

وعبّدت سياسات بن سلمان الطريق أمام تسريع الإعدامات في بلاده، وأعطت الضوء الأخضر لتنفيذ المزيد منها؛ تحت غطاء محاربة الإرهاب، كما طالت رؤوس العديد من المعارضين المحتجزين سابقاً.

"العودة"، الذي طالبت المحكمة بإعدامه، اعتُقل في منتصف سبتمبر الماضي، بإطار حملة اعتقالات، قالت السلطات إنها موجَّهة ضد أشخاص يعملون لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة. وفي هذه الحملة اعتُقل عدد من الدعاة؛ ومنهم علي العمري، وعوض القرني.

وبيّنت السعودية حينها، على لسان وزير الخارجية عادل الجبير، أن الاعتقالات جاءت لإحباط "خطة متطرّفة" كان هؤلاء الأشخاص يعملون على تنفيذها، بعد تلقيهم تمويلات مالية من دول أجنبية.

وأضاف الجبير، بحوار مع وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية في سبتمبر 2017: "وجدنا أن عدداً منهم كانوا يعملون مع دول أجنبية، ويتلقّون تمويلاً من أجل زعزعة استقرار السعودية"، بحسب تعبيره.

واستنكرت هيئات حقوقية سعودية ودولية وشخصيات عامة هذه الاعتقالات، ودعت إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين. إلا أن السعودية أبعدت الدعاة عن الشاشة، ليبقى من الشيوخ من حصل على رضى السلطات فقط، وهم المعروفون بعدم تناول الأحداث السياسية في حياتهم الإعلامية أو الدعوية.

 

- انفجار دموي

محمد الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية، علق على دعوة النيابة العامة في السعودية إلى قتل "العودة" واتهامه بالإرهاب، بأن هذه "وقاحة فجة، وعدوان آثم، لا يمكن أن يتصوره عاقل".

وبيّن الشنقيطي في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن ما وراء اعتقال "العودة" هو اتباع سياسة الإمارات، وقال: إن "الحقيقة أن الرياض تدار اليوم من أبوظبي، وبن سلمان خضع تماماً لأهواء أبوظبي، ومَن وراءها من الصهاينة واليمين الأمريكي، فجعل نفسه أداة بأيديهم لمحاربة الإسلام، واستئصال دعاته ووعاته".

وأضاف: "إذا لم يتحرك العقلاء والحكماء من داخل الأسرة السعودية الحاكمة، ومن عامة الشعب السعودي، ثم من جميع المسلمين في أرجاء العالم، تحركاً عاجلاً وحاسماً لوقف هذا المسار الأهوج الخطير، فإن السعودية مقبلة على انفجار دموي، سيكون كارثة عليها وعلى الأمة الإسلامية كلها؛ فهي بلاد لها خصوصيتها الحساسة، وأهمها وجود الحرمين الشريفين على أرضها. وانفجارها ستكون له ظلال قاتمة على الإسلام والمسلمين في كل مكان".

الإصلاحات الجديدة بالسعودية وصفها بن سلمان بـ"العلاج بالصدمة" لتحديث الحياة الثقافية والسياسية، وطُبّقت على جميع المؤسّسات، وأبدت السلطات صرامة أكبر في التعامل مع القضايا والمعارضين و"الإرهابيين"، دون وجود غطاء حقوقي وقانوني، ووسط اتهامات دولية لولي العهد بانتهاك حقوق الإنسان.

وعلق إحسان عادل، المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، على هذه الإعدامات سابقاً بقوله: "نلاحظ بقلق كبير، الارتفاع الخطير وغير المسبوق في عمليات الإعدام بالسعودية خلال الأشهر الماضية، بالوقت الذي تقول فيه المملكة إنها تقوم بإصلاحات".

الخطير كذلك، وفق عادل، أن "تنفيذ أحكام الإعدام لا يقتصر على المتّهمين بقضايا المخدّرات والقتل والسحر، إنما يطول المعارضين السياسيين والنشطاء والصحفيين الذين يتم زجّهم بالسجن والحكم عليهم بأحكام قاسية جداً تصل للإعدام، تحت اتهامات فضفاضة؛ كالتحريض على الشعب، ومحاولة قلب نظام الحكم في البلاد، والخروج على ولي الأمر".

وأضاف المستشار عادل لـ"الخليج أونلاين": "يتملّكنا شكّ كبير في ظروف المحاكمة التي تتم في معظم حالات الإعدام، ونحن نعتقد أن تنفيذ الأحكام بالسعودية يأتي مخالفاً لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره، حيث لا يُسمح للعديد من المتهمين بالاتصال بمحامٍ، وقد يُدان الشخص دون أية أدلّة، ويتم انتزاع اعترافات منه تحت التعذيب، وغيرها من ضروب المعاملة القاسية".

وعادة، لا تنشر السعودية إحصائيات رسمية عن الإعدامات التي تنفّذها، ولكن وسائل الإعلام الرسمية تتحدث عنها.

- تقرير صادم

وكشف تحقيق لمنظّمة حقوقية بريطانية، في مارس 2018، تسجيل أعلى عدد من الإعدامات بالسعودية في عام واحد، خلال ولاية بن سلمان التي بدأت منذ تعيينه وزيراً للدفاع في عام 2015.

وتضاعفت الإعدامات مؤخراً، وفق تصريح سابق لوزيرة الخارجية في حكومة الظلّ البريطانية، إيميلي ثورنبي، لراديو "بي بي سي 4"، وأكّد مكتبها أن الإعدامات تزايدت منذ يوليو 2017، أي بعد تعيين بن سلمان ولياً للعهد في يونيو من العام ذاته.

الوزيرة البريطانية في تصريحاتها عن أعداد الإعدامات، استندت إلى إحصاءات منظمة "ريبريف"، وهي مؤسّسة حقوقية تتخذ من لندن مقراً لها، واعتمدت على تقارير وسائل الإعلام الرسمية.

ونشر موقع "الإيرلندية القانونية" (irish legal)، في 7 مارس الماضي، تحليل "ريبريف"، الذي اطلع عليه "الخليج أونلاين"، وبيّن أنه منذ تعيين بن سلمان في يونيو 2017، تضاعف معدل عمليات الإعدام.

ويُظهر التحليل أنه في الأشهر الثمانية بعد تعيين بن سلمان، وفي الفترة ما بين يوليو 2017 وفبراير 2018، نُفّذت 133 عملية إعدام في المملكة، مقارنة بـ67 إعداماً في الأشهر الثمانية السابقة؛ من أكتوبر 2016 وحتى مايو 2017.

وإذا استمرّ هذا المعدل، وفق التحليل، فإن عام 2018 يمكن أن يشهد 200 عملية إعدام، وهو أعلى عدد من عمليات الإعدام التي تم تسجيلها في السعودية في عام واحد.

ويواجه حالياً 18 شاباً إعداماً وشيكاً بسبب جرائم متعلّقة بالاحتجاج، بموجب قوانين "مكافحة الإرهاب" واسعة النطاق.

وفي عام 2018، كان هناك 33 عملية إعدام، وحتى الآن ما نسبته 17 إلى 52% طالت مهرّبي المخدّرات، و48% لمنفّذي عمليات قتل.

وسبق أن تعهّد رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، في مقابلة مع القناة الرابعة الإخبارية، في أكتوبر 2015، بأنه سيتدخّل في قضية ثلاثة متظاهرين سعوديين؛ هم: عبد الله حسن الزاهر، وعلي النمر، وداوُد المرهون، الذين كانوا يواجهون قطع رؤوسهم، والذين احتجزوا في فترة مراهقتهم (أي كانوا أطفالاً).

وأخبر وزير الخارجية، فيليب هاموند، مجلس العموم البريطاني، في وقت لاحق، بأنه تلقّى تأكيدات بأن النمر وآخرين لن يُعدموا، وعلى الرغم من ذلك لم يتم تخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق الثلاثة، ويواجهون الإعدام الوشيك.

وتتّفق "ريبريف" في أرقامها عموماً مع منظمة العفو الدولية، التي تجمع أيضاً تقارير وكالة الأنباء السعودية "واس" عن الإعدامات.

وعن عمليات الإعدام، قالت مديرة "ريبريف"، مايا فوا: "إن مضاعفة عمليات الإعدام تكشف أن بن سلمان تحت صورته العامة اللامعة هو أحد أكثر القادة وحشيّة في تاريخ المملكة الحديث".

منظمة العفو الدولية قالت إن الإعدامات بالسعودية بلغت 138 عملية، في الفترة ما بين يوليو 2017 وفبراير 2018، وكانت قد وصلت إلى 68 عملية في الفترة السابقة لها.

واستناداً إلى هذه الأرقام، التي تتفق فيها "ريبريف" و"العفو الدولية"، فإن السعودية تأتي في المركز الثالث بالعالم من حيث الإعدامات؛ بعد الصين وإيران.

وأشارت "العفو الدولية" في تقريرها، إلى حملة الاعتقالات بالخريف الماضي، والتي طالت رجال دين وناشطين، وعشرات الأمراء السعوديين، فيما يعرف بـ"اعتقالات الريتز".